أثناء تحذيره الشهر الماضي من "سياسة تركيا تجاه المنطقة"، بدا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حريصاً على ربط السياسة التركية وأهدافها بالدولة القطرية
" كم أشعر بالإمتنان من تقاسم نفس الرؤى في مجال العلاقات الدولية مع صديقي الحميم رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري" .(رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان)
أثناء تحذيره الشهر الماضي من "سياسة تركيا تجاه المنطقة"، بدا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حريصاً على ربط السياسة التركية وأهدافها بالدولة القطرية، متحدثاً عن "محور تركي قطري متطرف يتدخل بشكل فاضح وغير مقبول بشؤون المنطقة". ما تردد على لسان المالكي، تردد ايضاً في العديد من مجالس ملوك ورؤساء عرب، حيث يسيطر على هؤلاء هاجسٌ كبير بدأ بالظهور والتمدد في المنطقة عقب أحداث ما يُسمى الربيع العربي: الإخوان المسلمون.
لا فرق في الحديث بين الإخوان المسلمين في المنطقة وما يُسمى "المحور التركي- القطري"، فالأخير بات يعتمد على التمدد الإخواني واستلامه لمواقع السلطة والقرار في أكثر من بلد عربي، كأداة هامة لتغذية البعد المذهبي في المنطقة، تمهيداً لمشروع أكبر يتمثل "بصوغ شكل المنطقة في السنوات المقبلة "، بحسب الخبير في الشؤون التركية محمد نورالدين، الذي يرى أن هذا المشروع " يخضع لصراع شرس وتنافس متعدد الأبعاد بين ثلاثة محاور: المحور القطري-التركي الداعم للإخوان، والمحور التقليدي المتمثل بقوى الممانعة المدعوم من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومحور يشمل العراق والسعودية والإمارات والكويت والأردن ودولاً من المغرب العربي"، تحدث عنه ايضاً رئيس الوزراء العراقي مسمياً اياه "بمحور الإعتدال العربي الجديد". ويرى مراقبون أن الهدف الأساسي للمحور القطري التركي الذي "تشكل الولايات المتحدة الأميركية مرجعية له"، بحسب نورالدين، هو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتحويل العدو المركزي للعرب من "اسرائيل" إلى ايران.
شراكة سياسية واقتصادية يحكمها الطابع المذهبي
"تركيا مؤهلة لتصبح شريكاً سياسياً واقتصادياً للعالم العربي، ونحن نتطلع لمزيد من العلاقات معها والتي لها تاريخ قديم"، هكذا قال رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم في افتتاح فعاليات المؤتمر الأول لمجلس العلاقات العربية الدولية الذي عُقد في الكويت. تعكس كلمات بن جاسم، تقارباً تركياً- قطرياً هو نتيجة لتقاطع في المصالح والأهداف بين البلدين في ظل التغيرات الكثيرة التي تشهدها المنطقة حالياً.
في حديث لموقع المنار، يلخص نورالدين الأسباب الكامنة خلف هذا التقارب، قائلاً إن الأزمة السورية كانت سبباً رئيسياً ادّى إلى تقاطع المصالح بين قطر وتركيا، خصوصاً في ما يتعلق "بالرغبة المشتركة بالإطاحة بالنظام السوري"، إضافةً إلى ذلك، يرى نورالدين أن "سيطرة حزب العدالة والتنمية بالداخل التركي كان يحتاج خاصة في السنوات الأولى إلى دعم مادي من أجل تعزيز موقعه وإكسابه مزيداً من الشعبية، وقد استعان الأتراك بالمال الخليجي لجهة استثماره في مشاريع مختلفة في القطاع الخاص والقطاع العام".
كما يُرجع نورالدين التقارب التركي- القطري إلى "استكمال النزعة الأيديولوجية، حيث نلاحظ أن قطر هي من بين الدول الخليجية التي تدعم حركة الإخوان المسلمين في مصر وفي تونس وفي كل الدول العربية، وحزب العدالة والتنمية في تركيا هو جزء مما يسمى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، إذاً فهذه الرابطة التنظيمية هي أحد الأسباب التي أدّت إلى نشوء علاقات جيدة بين البلدين".
إلى جانب هذه الأسباب، يأخذ التقارب التركي-القطري بعداً اقتصادياً، حيث أن قطر تشكل بالنسبة لتركيا بوابة نحو الأسواق الخليجية. ويؤكد نورالدين هذا الأمر موضحاً أن "تركيا وقطر هما جزء من مشروع اقتصادي يتعلق بالطاقة، يهدف في أحد جوانبه إلى إضعاف الدور الروسي في العالم وفي اوروبا، من خلال مشروع وقعت عليه قطر مع تركيا لمد أنبوب غاز قطري من قطر عبر السعودية فالأردن فسورية فتركيا ومنها إلى اوروبا. هذا الأنبوب في حال تمّ تنفيذه يؤثر سلباً على شبكة أنابيب الغاز الروسية التي تذهب مباشرة إلى اوروبا".
الإسلام السياسي التركي-القطري: أداة لمواجهة ايران
يؤكد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية خليل حسين على أن التحالف التركي-القطري يستمد قوته من الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى حالياً إلى "استنساخ تجربة ما يسمى الإعتدال الثاني، كما يسمونها في المنطقة، والمتمثلة بنقل تجربة حزب العدالة والتنمية إلى باقي الدول العربية، كمصر وتونس على سبيل المثال، أما بالنسبة لقطر فهناك وعد أميركي لها بإعطائها مركزية القرار في المنطقة".
لكن في الوقت عينه يرى حسين أن المطلوب مقابل هذا الدعم الأميركي هو "ضرب خط الممانعة في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً منطقة الشرق العربي، وتحصيل نقاط قوة اقليمية لمواجهة ايران وسورية"، خصوصاً أن تركيا تمثل بالنسبة للأميركيين "الإسلام السياسي السني المعتدل لمواجهة ايران"، أما قطر "فسياستها متماشية مع المشروع الأميركي لجهة إبراز ما يُسمى الإسلام المعتدل، محاولة الوقوف في وجه السعودية كونها حركة وهابية، ومنعها من فرض نفوذها من خلال دعم حركة الإخوان المسلمين التي تُمثل ما يسمى الإسلام المعتدل في المنطقة".
"الأزمة السورية" وحلف الدوحة-أنقرة: مصيره من مصيرها
مما لا شك فيه أن هذا المشروع القطري-التركي، قد بدأت تظهر معالمه بشكل واضح مع بدء أحداث ما يُسمى الربيع العربي، حيث شكلت المنطقة أرضاً خصبة لنشوء اصطفافات سياسية جديدة. وقد برز هذا التقارب بين الدوحة وأنقرة مع تصاعد نفوذ الإخوان المسلمين في المنطقة، بحيث بات العامل المذهبي أداة مهمة يستخدمها البلدان لفرض مشروعهما في المنطقة، خصوصاً في كل من سورية والعراق حيث تحدث المالكي عن دور قطري-تركي في تأجيج النعرات المذهبية.
وبالتالي فإن تركيا وقطر "تحاولان تطويع المنطقة من خلال الهيمنة عليها سياسياً واقتصادياً وايديولوجياً"، بحسب الخبير في الشؤون التركية محمد نورالدين. لكن ما مصير أو أفق هذا التحالف في ظل صمود النظام في سورية والمشاكل التي تواجهها تجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر وتونس وليبيا؟ في هذا الصدد يجيب نور الدين قائلاً، "سورية هي من تحدد صورة المنطقة في السنوات المقبلة. إذا حصلت تسوية في سورية والنظام جزء منها، فهذا سيشكل فشل للمحور القطري التركي وبالتالي سيضعف هذا المحور. الساحة الرئيسية هي سورية، حيث تتنافس المحاور الثلاث السلفية والإخوانية ومحور المقاومة. لكن في دول أخرى كمصر أو الدول الخليجية نجد أن الساحة هي للتنافس السلفي الإخواني ولتلك الساحات ظروف مختلفة عن الساحة السورية".