سيدة ساحات مارس بإمتياز هي رولا الصفار، ولها مع محطات الشهر وقفات يطول سردها.
سيدة ساحات مارس بإمتياز هي رولا الصفار، ولها مع محطات الشهر وقفات يطول سردها.
للصفار رأي في استباحة قوات "درع الجزيرة" للبحرين في 15 آذار/مارس 2011 كونها مواطنة بحرينية حضرت في ساحات فبراير ورابطت في عملها يوم "مجزرة" سترة، لها قصص مع مجمع السلمانية الذي حوصر وضُرب في اليوم التالي.. كما أنها مناضلة من الطراز الرفيع ومعنية بالتالي بيوم المرأة البحرينية المناضلة في 17 آذار/ مارس.
"حدسي يصدقني في الغالب"
في 14 شباط/ فبراير تلقت رئيسة جمعية التمريض البحرينية رولا الصفار إتصالاً من صديقها الدكتور نبيل تمام، كان قد سبقها إلى دوار اللؤلؤة، استعدت الزميلة لتجربة لم تكن تدري واقعاً إلى أين ستأخذها كما غيرها.. ونزلت إلى الدوار!
ركنت سيارتها في مكان بعيد إلى حد ما عن مكان التجمهر، وما هي إلا لحظات حتى بدأت الحشود تتقاطر للمكان.. عجت الساحة وكثرت الأصوات.. فانتاب الصفار خوف من شيء ما قد يحدث!
"حدسي يصدقني في الغالب" تقول رولا الصفار في حديث خاص لموقع المنار، "الحضور الجماهيري والفرحة الغامرة بأجواء ما يدور هناك، إضافة إلى صمت السلطة المطبق في الأيام الأولى خلق لدي خوفاً من ضربة أمنية ما"!
فكان ما كان بالحسبان.. ضُرب الدوار! ليحاصر فيما بعد مجمع السلمانية الطبي بما فيه من مصابين وأطباء وممرضين لثلاثة أيام. تروي الصفار أنها قضت أياماً صعبة قبل احتلال السلمانية،"قضينا في المستشفى 4 أيام دون طعام كنا نتشارك "السندويش" الذي يوفره مضيف الطوارئ فنقسمه إلى أربعة أقسام. "ننام في النهار قليلاً حين تهدأ الأمور، وفي الصباح أذهب إلى المنزل للاستحمام وتبديل الملابس لأعود فوراً إلى المستشفى".
في 16 آذار/ مارس 2011 غادرت الصفار مستشفى السلمانية عند الساعة السادسة والربع صباحاً، "غادرت لأستحم وأتناول الأدوية نظراً للارهاق الشديد الذي كنت اشعر به. أنا خرجت وضربوا المستشفى، حاولت العودة كانت الطرقات كلها مغلقة والتكبير يتصاعد من كل المساجد، عائلتي لم تسمح لي بالخروج لأن الأوضاع كانت صعبة جداً"، تقول الصفار.
"وقتها لم استوعب كيف أن الجيش هو من يضرب المستشفى... وبدأت أجري الاتصالات وأتلقى إتصالات أخرى من مصابين ومرضى".
... "لم أرَ شيئاً"
"عند دخولي المحكمة العسكرية في اليوم الأول كان المشهد مروعاً، كنت المعتقلة الوحيدة يومها. شاهدت مجموعة كبيرة من الرجال منكسي الرأس مقيدي الأيدي والوسط والأرجل ومعصبي الأعين.. شكلهم ليس غريباً.. كانوا الأطباء!"
هالَ رولا الصفار يومها أن ترى الأطباء في هذا المشهد، مدانين لمجرد أنهم عالجوا مصابين. وتوضح الصفار أن الكادر الطبي في السلمانية لم يميز بين مصاب وآخر، عالج متظاهرين أصيبوا برصاص الشوزن –المحرم دولياً- والذي يُستخدم في بلدان أخرى لصيد الحيوانات، تماماً كما أسعف عناصر من الأمن.
"عشرات العناصر المصابين أحضروهم الى مجمع السلمانية الطبي نزعنا الملابس ووجدنا انهم شرطة بلباسهم وأوراقهم الثبوتية. كانوا قد ضُربوا من قبل شباب محتجين، وقفنا ضد المتجمهرين وقلنا إن هؤلاء مصابين وأخلاقيات المهنة تفرض علينا مساعدتهم. يومها قام الدكتور غسان ضيف والدكتور سعيد السماهيجي بتهريب هؤلاء بالاسعاف بعد معالجتهم. واليوم يقبع الطبيبان في المعتقل بعد أن اتهموا بالتمييز".
تقول الصفار إن السلطة بتعاطيها مع الكادر الطبي مارست انتقاماً بكيدية واضحة، لأن هؤلاء كانوا شهود عيان على ما جرى.. سُألت في التحقيق أكثر من مرة عما شاهدته فكانت إجابتها تتكرر: "لم أرَ شيئاً".
أنا سهى بشارة..
"لست رولا الصفار، أنا سهى بشارة، سأخرج من هنا لا محالة كما خرجت سهى بشارة"، هذا ما افتتحته سيرتها في كتاب "شوكة الأطباء.. محنة الكادر الطبي في ثورة البحرين". متأثرة إلى حد كبير بسهى بشارة، وتقول في حديثها لموقع المنار إن تجربة بشارة التي اطلعت عليها قبل سنتين من اعتقالها أعانتها على تحمل تبعات الاعتقال لخمسة أشهر. إلتقت رولا الصفار بالمحررة من السجون الاسرائيلية سهى بشارة في لندن، عانقتها وحدثتها عما منحتها اياه تجربتها من قوة وقدرة عظيمة على مقاومة التعذيب والاذلال اللفظي والمعنوي.
وتؤكد أن حديثها عن تجربتها لا يهمها حالياً بقدر اهتمامها بقضية الأطباء المعتقلين. الدكتور علي العكري وهو استشاري عظام، ابراهيم الدمستاني وهو أمين سر جمعية التمريض البحرينية يواجهون اليوم التهم نفسها: التجمهر وقلب نظام الحكم، فيما يقضي الأول محكومية بالسجن لخمس سنوات، ويسجن الثاني لثلاث سنوات... ما يوضح كيدية الأحكام.
كما يقبع في زنازين الاعتقال الدكتور سعيد السماهيجي وهو استشاري عيون محكوم بالسجن لمدة سنة، والدكتور غسان ضيف وهو متخصص في جراحة الفك وسيفرج عنه في اليومين المقبلين، وستكون الصفار من مستقبليه.
ومن المفارقة الغريبة –بحسب الصفار- زعم السلطة أن شرطيين حكموا لسبع سنوات بتهمة القتل العمد بعد التعذيب الشهيدين علي صقر وكريم فخرواي، فيما يقضي علي العكري محكومية بالسجن لخمس سنوات بسبب تضميد جراح متظاهرين!
الحياد الطبي..
في زيارتها إلى لبنان اليوم، تشارك رولا الصفار في إطلاق إعلان "اليوم العالمي للحياد الطبي"، وتعوّل كثيراً على ما قد يحرزه نجاح هذا المشروع، وتعتبر أن تبني الأمم المتحدة لهذا المشروع سيُلزم حكومة البحرين بتطبيقه وبالتالي الإفراج عن المعتقلين من الطاقم الطبي.
"يجب مناشدة المجتمع الدولي للاعلان عن اليوم العالمي للحياد الطبي، لتسن قوانين من أجل هذا اليوم. وهذا اليوم سيُعنى بحقوق جميع الأطباء لا البحرينيين حصراً. سبق لاسرائيل أن ضربت اسعاف في غزة في مستشفى العودة، واليوم في مصر هناك أطباء يتعرضون لمرضى في مصر ويكفرونهم، وفي لبنان قبل أيام تم ضرب طبيب في احدى المستشفيات، يجب أن يوضع حل يضمن حماية العاملين في هذه المهنة".
تقول الصفار إن الانتهاكات الطبية حصلت في بلدان أخرى غير البحرين، ورافقت الانتفاضات الشعبية في مصر وتونس إلا أنها لم توثق عكس ما جرى في البحرين.
السيدة التي لازمها لبس السواد في الفترات الأخيرة.. تقول -بغصة- إنها لن تنزعه قبل عودة زملائها إلى حيث يليق بهم أن يكونوا.
"أشكر النظام لأنه وحدنا أكثر من ذي قبل.. أصبحنا عائلة كبيرة، فالظلم قربنا. شعب البحرين رغم عمليات الفصل عن العمل والتهميش لن يجوع ولن يتراجع".. رددتها أكثر من مرة. وبمزيد من الثقة ختمت الصفّار: "لا تراجع.. زادتني قساوة الاعتقال صلابةً واصراراً."
تصوير: وهب زين الدين