أمريكا وإسرائيل والربيع العربي..
نضال حمادة - باريس
أمريكا وإسرائيل والربيع العربي..
شكل الربيع العربي حالة خلاف نادرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا شك أن غياب الاستراتيجية الواضحة لدى الطرفين في ظل تسارع الأحداث وخروجها عن السيطرة، حيث وضعت احداث الربيع العربي الطرفين امام مفترق من المصالح المتضاربة، أولى إرهاصاتها كانت في مصر التي كانت إسرائيل تريد الحفاظ على حسني مبارك ونظامه بينما ساهمت أمريكا اوباما في تسريع وتيرة تنحي مبارك.
وقد خرج الخلاف بين الطرفين الى العلن في تصريحات متكررة لكل من بنيامين نتياهو وشمعون بيريس ومسؤوليين اسرائيليين دعوا فيها واشنطن لدعم نظام مبارك في مصر وعدم التخلي عنه. وقد نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية بتاريخ 31 كانون أول/ديسمبر 2011 رسالة سرية موجهة من الحكومة الإسرائيلية الى البيت البيض تطلب فيها إسرائيل من الإدارة الأمريكية وقف انتقاداتها للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك. وأشارت الحكومة الإسرائيلية في هذه الرسالة إلى أن المصالح الحيوية للغرب ولمنطقة الشرق الأوسط تحتم الحفاظ على استقرار نظام مبارك في مصر.
وتكمن نقطة الخلاف في النظرة الاستراتيجية الإسرائيلية التي تتعامل مع المحيط من مبدأ أمني، بينما تعتبر الولايات المتحدة أن مصالحها لم تعد فقط في التعامل من المنظور الإسرائيلي، خصوصا بعد الحراك العربي الواسع الذي تتوقع واشنطن أن يمتد الى منطقة الخليج بإماراته وممالكه، خصوصا الى النظام السعودي، العمود الفقري للمنظومة الأمريكية في العالم الإسلامي، وتبني واشنطن استراتيجيتها بطريقة ظرفية متحركة مع الحدث عكس اسرائيل، التي تريد من حولها حزاما آمنا، خططت له منذ حرب 1967 وهي ترى ان أحداث الشارع العربي تجبرها على إعادة النظر به.
وجوهر الخلاف الأمريكي الإسرائيلي يكمن في أن إسرائيل ما زالت تعتمد خيار الحزام الأمني الذي انتقل من المحيط العربي عبر الأنظمة المحيطة بها الى داخل اسوار فلسطين المحتلة، عبر سياسة بناء الجدران، والقبب الحديدة المضادة للصواريخ، بينما يرى الغرب وعلى رأسه امريكا ان الوقت قد حان لتسوية ما، وأن جماعة الإخوان المسلمين الذين يسيرون للحكم في اكثر من بلد عربي بعد ان وصلوا للحكم في مصر وتونس مستعدون لتسوية يفرضونها على حماس والفلسطينيين مقابل عدم رفض الغرب لحكمهم، ورفع سيف الجيش في مصر وتونس عن تهديد ثبات هذا الحكم واستمراره.
الاستراتيجية الأمريكية
عملت امريكا منذ بداية الحراك العربي بطريقة براغماتية ظرفية مع كل حدث، فهي تدخلت في مصر واجبرت حسني مبارك على التنحي بعدما أخذت ضمانات من جماعة الإخوان المسلمين خصوصا في قضية معاهدة كامب ديفيد، وحسب المعلومات كانت اللقاءات مستمرة خلال الأزمة المصرية بين الأمريكان وجماعة الإخوان المسلمين، بينما تعاملت الولايات المتحدة في الموضوع الليبي بحذر كبير وأوكلت امر التدخل العسكري المباشر الى كل من فرنسا وبريطانيا وأبقت نفسها خلف الستار، في نفس الوقت عززت امريكا علاقاتها مع الجيوش في مصر وتونس لضمان توازن في وجه جماعة الإخوان لمسلمين وتطبيقا لسياسة الحذر هذه منعت الجماعة من الوصول للحكم في ليبيا بعد القذافي بسبب وجود النفط في ليبيا على عكس مصر وتونس، وهي تعول على العامل الاقتصادي لترويض الإخوان الذين وصلوا لحكم مصر المحتاجة اقتصاديا الى كل شيء تقريبا.
في الموضوع السوري، تعمل واشنطن وفق استراتيجية المراحل، وهي تحاول عدم قطع الخيط مع روسيا عبر باب التباحث الدوري الذي يشكل مؤتمر جنيف عنوانه السياسي والإعلامي، وفي نفس الوقت تقوم بتدريب المسلحين في الأردن وفي تركيا ولا تمنع حلفاءها الخليجيين خصوصا قطر والسعودية من ارسال السلاح والمال الى جميع الكتائب المسلحة في سوريا، بما فيها جبهة النصرة التي وضعتها واشنطن على لائحة "الإرهاب" الأمريكية.
الاستراتيجية الإسرائيلية
اعتمدت إسرائيل مع بدء الحراك في الشارع العربي وسقوط نظام حسني مبارك في مصر استراتيجية ذات توجهين دفاعية وهجومية.
أ - ستراتيجية التحصن داخل الأسوار
في العام 2009 بعد عملية الرصاص المسكوب في غزة، اعتقد الإسرائيليون انهم في وضع مريح نسبيا من جميع الجهات، حيث السلام مع مصر ومع الأردن وحيث إدارة الوضع في الجولان، والمشكلة الوحيدة التي يعانون منها تكمن في حزب الله وإيران عبر جبهة جنوب لبنان والنووي الإيراني. بعد أربعة اعوام من هذه العملية وجد الإسرائيليون انفسهم يعودون الى نقطة البداية وتدور بهم الأحداث 180 درجة، سقط نظام حسني مبارك، النظام الأردني مهدد، والوضع في سوريا خطير ومفتوح على كل الاحتمالات.
وفي هذه الأحداث التي لم يستوعبها العسكر الإسرائيلي الذي عاد الى عقيدته الأولى في التموضع العسكري، واعتبار الجوار منطقة عسكرية من كافة الجهات، لذلك عمدوا الى استراتيجية بناء الأسوار وتحصينها، فبعد بناء السور مع الضفة الغربية والحائط مع غزة، عمدوا الى بناء سياج عازل مع سيناء وسياج عازل آخر مع الجولان، كما انهم عمدوا الى تحصين السياج العازل مع لبنان ومع الأردن، في سياسة تقول ان إسرائيل خلال العامين القادمين سوف تكون مسورة من جميع الجهات، والمفارقة هنا أن الخطر في العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية لم يعد في جنوب لبنان بل عاد الى جبهتي سيناء والجولان.
في مصر يعتبر الإسرائيليون ان وصول جماعة الإخوان المسلمين الى الحكم قد يصبح خطرا على امنهم خلال مدة زمنية متوسطة، وهم لا يعرفون الى ماذا سوف تؤول الأوضاع المصرية خلال العقد الحالي، من ناحية لا يطالبون بأية حقوق أرضية في سيناء لكنهم من ناحية ثانية يعتبرونها أكثر من أي قت مضى منطقة عازلة مع مصر ويجب أن تبقى في دورها العازل.
الجولان عاد أيضا ليحتل المركز الثاني في عقيدة الخطر الإسرائيلية بسبب عدم معرفة العسكر الإسرائيلي بصورة الاوضاع المستقبلية في سوريا، مع كل الفرضيات التي يضعونها والتي تقول ان الجولان سوف يكون مفتوحا على وجود الحركات الجهادية في حال سقوط النظام أو ضعفه او في حال انهارت الدولة في سوريا، كما أن هذا الخطر سوف يزداد في حال خرج النظام السوري قويا من هذه الأزمة بسبب زيادة النفوذ الإيراني في سوريا إذا انتصر الأسد في الحرب الدائرة حاليا.
ب - استراتيجية الردع
في موازاة استراتيجية التحصن الدفاعية، عمدت اسرائيل الى استراتيجية الردع الهجومية النووية والتقليدية، وهي أجرت في العامين الماضيين تجارب على صواريخ طويلة المدى تطال طهران والخرطوم وحتى موسكو وأوروبا، وأمنت تغطية إعلامية كبيرة لهذه التجارب، كما انها عمدت الى إنشاء منظومات صاروخية جديدة، وقامت بتوجيه ضربات جوية في السودان وقرب دمشق لإظهار قدراتها العسكرية، كما انها تستمر في سياسة التهديد ضد إيران دون القدرة على الدخول في مواجهة كبرى مع طهران .
في المحصلة، أدت تعقيدات الوضع العربي الى تباعد في وجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية في التعامل مع الربيع العربي، ولا يساهم تسارع الأحداث العربية وتطورها، فضلا عن عدم وجود استراتيجية واضحة تتعامل خارج التطورات الظرفية، في تقريب وجهات النظر المتباعدة، فلا إسرائيل قادرة على تغيير الواقع المستجد حولها دون حرب جديدة تعطيها مكاسب ولا الولايات المتحدة باستطاعتها مجاراة نتنياهو وحكومته في حرب ضد ايران تزيد الوضع المضطرب اضطرابا وربما احتراقا..
الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية حيال إيران والمنطقة العربية 1/3
الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية حيال إيران والمنطقة العربية 2/3