يشهد الاقتصاد العراقي نموا ملحوظا يعزز عائداته الحكومية. الا ان صباح نوري ومعه الكثير من العراقيين الذين يعانون من الفقر والنقص في الخدمات
يشهد الاقتصاد العراقي نموا ملحوظا يعزز عائداته الحكومية. الا ان صباح نوري ومعه الكثير من العراقيين الذين يعانون من الفقر والنقص في الخدمات، لم يلمس حتى اليوم فوائد ارتفاع معدلات تصدير النفط. ويقول نوري الذي يجر عربة في منطقة باب الشرقي في بغداد يبيع عليها كل ما تيسر من القطع والالات المعدنية 'كل شيء هنا يكلف كثيرا. عليك دائما ان تدفع المال لقاء اي شيء'.
ويضيف نوري الذي يواجه صعوبة في تأمين المال الكافي لدفع ايجار شقته ومصاريف الاكل والشرب ومولد الكهرباء 'في الدول الاخرى، هناك خدمات، ولذا فان كنت تملك عملا، تسير امورك جيدا'. ويسال 'اين النفط؟ نسمع عن الارقام، ولا نرى فوائدها'.
وقطاع النفط في العراق الناجي الوحيد من فترة ما بعد الغزو الأميركي الذي فتح ابواب البلاد على الارهاب واعمال العنف اليومية التي قتل فيها عشرات الآلاف منذ 20 اذار/مارس 2003 وحتى اليوم.
وينتج العراق الذي يملك احتياطات نفطية مؤكدة تقدر بنحو 143 مليار برميل، وهي ثالث اكبر الاحتياطات في العالم، اكثر من 3.15 مليون برميل في اليوم الواحد، ويصدر منها نحو 2.5 مليون برميل، وفقا لارقام وزارة النفط. وتخطط بغداد لزيادة كبيرة في معدلات التصدير في المستقبل القريب، وتشير الوكالة الدولية للطاقة الى ان عائدات النفط في العراق قد تبلغ نحو خمسة تريليونات دولار بحلول العام 2035، وان البلاد ستصبح آنذاك اكبر مصدر للنفط في العالم. ورغم ذلك، فان شكوى نوري من العوز تنسحب على شريحة كبيرة من العراقيين الذي يعاني ربعهم من الفقر ونحو ثلثهم من البطالة، بحسب تقديرات غير رسمية.
ويشكو هؤلاء خصوصا من ان النفط الذي يشكل حجر اساس الاقتصاد والموازنة، لا يساهم في خلق وظائف جديدة، وينحصر بفئة قليلة فقط من الاشخاص تبلغ نحو واحد بالمئة من اليد العاملة، وفقا لارقام الامم المتحدة.
لذلك يجد العديد العراقيين انفسهم مجبرين على البحث عن وظائف اما في القطاع العام المثقل بالفساد والمحسوبية، واما في القطاع الخاص الضيق جدا.
ويقول عبود حسن (48 عاما) الذي كان يعمل مهندسا في سلاح الطيران ويبيع اليوم اجهزة التحكم عن بعد 'اعاني من كل شيء، ولا املك شيء. جل ما اريده هو ان اجني المال بطريقة شريفة'. ويجني حسن نحو 820 الف دينار (680 دولار) في الشهر الواحد، وهو ما يكفيه بالكاد لاعالة زوجته واولاده الخمسة. وذكر تقرير للامم المتحدة الشهر الماضي ان حجم ايرادات العراق من النفط تعرقل جهود 'تنويع الاقتصاد' بسبب محاولات تقوية العملة ما يجعل الصادرات اقل قدرة على منافسة الواردات.
واعتبر التقرير ان هذا الامر يحد من قدرة الاقتصاد العراقي على خلق وظائف جديدة وتقليص معدلات الفقر، لافتا الى ان 'هذه المشكلة ستتزايد مع التوسع السريع لقطاع النفط خلال السنوات المقبلة'. وتخطط الحكومة العراقية لانفاق عائدات النفط على مشاريع عدة تشمل مجمعات سكنية قرب بغداد وملعب لكرة القدم في البصرة ومطار في النجف. وفي موازاة معاناة نوري وامثاله، يترسخ في العاصمة العراقية مبدا الاستهلاك حيث تشهد بغداد طفرة في المطاعم والمجمعات التجارية وامكان بيع السيارات الفخمة.
ومن المستفيدين من هذه الطفرة، ازاد حداد، الذي عاد مؤخرا الى العراق بعدما غادر البلاد عند بداية غزوها قبل عشر سنوات.
وافتتح حداد سلسلة مطاعم في منطقة الجادرية الراقية، تمكنت سريعا من استقطاب الزبائن الذي باتوا يحتشدون فيها من فترة الظهر وحتى المساء. ويقول حداد ان العمل في العراق 'تحد بحد ذاته، لكن هذا ما يميزه'..