كان الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (1929-2013) يتوقع مصيراً مشابهاً. اعتلى منبر الجامع الأموي في دمشق منذ بداية الأحداث في آذار العام 2011، وحذّر من التطرف ومن المغالاة في الدين
زياد حيدر
كان الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (1929-2013) يتوقع مصيراً مشابهاً. اعتلى منبر الجامع الأموي في دمشق منذ بداية الأحداث في آذار العام 2011، وحذّر من التطرف ومن المغالاة في الدين، مشجّعاً المصلّين على نبذ الطائفية وترك مساحة بين السياسة والدين.
تقارب مع الرئيس السوري بشار الأسد، فارتكز الأخير إليه وإلى مفتي الجمهورية الشيخ أحمد حسون لتوفير سند شرعي وديني في حربه.
وافق الأسد على كل طلبات الرجل، والتي شملت تراجعاً عن القرار بمنع توظيف المنقبات في سلك التربية والتعليم. وافق على إلغاء الامتياز الوحيد لكازينو سوري افتُتح على طريق المطار. كما أقرّ تأسيس محطة فضائية لترويج الفكر الديني المعتدل والمتسامح، كان يشرف عليها البوطي، وسُمّيت بـ«نور الشام».
كثيرون استغربوا هذه الوقفة التي لم يخطُ فيها البوطي خطوة للوراء، وذلك حتى مقتله بانفجار انتحاري في جامع الإيمان أمس، في وقت انفض شيوخ كثيرون و«هاجروا» إلى السعودية أو قطر، ملتزمين خطّ العداء للنظام.
تاريخ البوطي يشهد له بسعة المعرفة والاتسام بالمرونة، والفهم الصوفي الإيجابي للدين. الرجل من أصول تركية – كردية، ويتحدث اللغتين بطلاقة. وُلد على ضفاف نهر دجلة عند نقطة التلاقي بين حدود سوريا والعراق وتركيا، تُدعى جيلكا، وهي تابعة لجزيرة ابن عمر المعروفة بجزيرة بوطان.
ورث العلم عن أبيه العلامة ملا رمشان البوطي كما أورثه لأولاده. تنقّل بين مدارس دمشق في ساروجة ومعهد التوجيه الإسلامي وقد صعد إلى المنبر وهو في سن السابعة عشرة. تزوّج بعدها بعام ورُزق بستة ذكور وبنت واحدة. نال خلال دراسته في الأزهر، بين العامين 1954 و1956، الإجازة الشرعية ودبلوماً في التربية، ثم درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله، وعُيّن بعد صعوده السلم التعليمي عميداً لكلية الشريعة في سوريا العام 1977. ومنذ العام 1981، واظب على إقامة الحلقات الدينية، وللبوطي ما يقارب الخمسين مؤلفاً في الدين والشريعة.
بعد ذلك، حدث التحول الذي غيّر حياته بلقائه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، الذي قرّبه منه، بعد مواجهة الثمانينيات الدامية مع حركة «الإخوان المسلمين». استجاب الأسد الأب، وفقاً لما تذكره صفحة العلامة الشخصية، لكثير من طلباته بإطلاق سراح معتقلين وعودة منفيين، حتى وصلت علاقة الرجلين إلى أن اختاره الأسد للصلاة على ابنه باسل الذي تُوفي بحادث سيارة في العام 1994.
منحه ساعة بث تلفزيوني أسبوعياً لم تتوقف حتى موته، لدرجة أن مثقفين من مثال الكاتب الراحل سعد الله ونوس كانوا يبدون امتعاضهم من هذا «الاحتواء» الديني، ويطالبون بـ«ساعة ندّية» مماثلة على التلفزيون الرسمي.
لم يشغل البوطي منصباً رسمياً، لكنه ظلّ حتى السنوات الأخيرة يُعتبر رمز التيار الديني المعتدل في سوريا، ويُنسب له أتباع وطريقة.
وخلال العامين الماضيين، وقف إلى جانب الأسد منكراً وجود «ثورة»، مناصراً الدولة «في حربها على الإرهاب والجهل»، حتى مات بنار «الجهل» ذاتها يوم عيد الأم في الحادي والعشرين من آذار.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه