لمن لا يعرف وزير الداخلية الفرنسي الحالي (كلود غيان) هو رجل الرئيس الفرنسي المخلص والذي تابع (نيكولا ساركوزي) منذ عمل وزيرا للداخلية في حكومة جاك شيراك في ولايته الثانية.
كتب نضال حمادة:
لمن لا يعرف وزير الداخلية الفرنسي الحالي (كلود غيان) هو رجل الرئيس الفرنسي المخلص والذي تابع (نيكولا ساركوزي) منذ عمل وزيرا للداخلية في حكومة جاك شيراك في ولايته الثانية. وغيان الوثيق الصلة بأجهزة الأمن الفرنسية كان على تواصل مستمر مع مدير المخابرات العسكرية السورية السابق آصف شوكت ومع المدير الحالي اللواء علي مملوك منذ أيام (جاك شيراك) وفي عز الأزمة الفرنسية - السورية عقب اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري. كما كان عراب الانفتاح الفرنسي على سورية عند قدوم ساركوزي للحكم في ربيع عام 2007، حيث عمل مديرا لمكتب الرئيس طيلة الفترة السابقة لحكومة (فيون) الأولى، قبل أن يسلمه ساركوزي منصب وزير الداخلية المهم في أية انتخابات رئاسية فرنسية.
وخلال الفترة الأخيرة غاب اسم (غيان) عن الإعلام واحتل وزير الخارجية الفرنسي الحالي الشيراكي الهوى والولاء (آلان جوبيه) المشهد خصوصا بعد التدخل العسكري الفرنسي في ليبيا والتصعيد الكلامي والسياسي الفرنسي ضد سورية على خلفية الأحداث الجارية هناك.
غير أن (غيان) ظهر هذا الأسبوع مرات عديدة وتصدر صفحات الجرائد وافتتاحيات نشرات الأخبار الفرنسية بعيد عملية مراكش التي سقط فيها ستة من السائحين الفرنسيين وبعد اغتيال (أسامة بن لادن) في باكستان على يد الجيش الأميركي.
وظهور (غيان) القوي يأتي في وقت انزلقت فيه الدبلوماسية الفرنسية في مآزق عديدة. فبلاد الفرنسيس اليوم في مأزق حقيقي في المغرب العربي وفي سورية، ومرده التدخل الفرنسي القوي في الشؤون العربية، والذي كانت بداياته حربا قادت لوائها باريس ضد نظام معمر القذافي في ليبيا. وعلى ما يبدو، فإن لا أفقاً قريبا لحسمها أو الخروج منها بأقل الخسائر، أما المأزق الثاني الفرنسي فهو زج فرنسا نفسها وعبر وزير خارجيتها (آلان جوبيه) في صلب الأحداث السورية الحالية عبر تصعيد كلامي وتحركات فاشلة على مستوى مجلس الأمن وقليلة الفعالية وقلقة على مستوى الاتحاد الأوروبي.
في الشأن الليبي، فشل المسؤولون الفرنسيون الذين حملوا راية الحرب ضد القذافي في إقناع الجمهور الفرنسي بسبب واحد لطول أمد هذه الحرب، رغم المحاولات الإعلامية والتبريرات التي لم تخرج عن صياغة الإنشاء المرتبك في تناول هذا الموضوع. وتتسع دائرة المأزق الفرنسي في الأزمة الليبية مع الرفض الأميركي الثابت التدخل أكثر من الناحية العسكرية في ليبيا، حيث تنقل مصادر صحفية فرنسية أن قائد أركان الجيوش الأميركي أبلغ الفرنسيين أنه "في حالات التدخل العسكري يدرس كل طرف إمكاناته ومصالحه وبناء عليها يقرر مستوى تدخله وهذا ما فعلناه نحن."
ولامس هذا المأزق الحساسية في العلاقة بين فرنسا والجزائر التي ترى بحذر وريبة عودة الجيش الفرنسي إلى حدودها لإسقاط نظام عربي اتسمت علاقتها به بالتفاهم.
وفي سورية دخلت الدبلوماسية الفرنسية في دوامة من التصريحات الهجومية غير مجدية لعدم قدرتها على الترجمة الفعلية على أرض الواقع، ولاتساع الهوة بين ما يردده وزير الخارجية (الان جوبيه) والكلام القليل لرئيس الجمهورية حول سورية. وفي الخارجية الفرنسية تيار يقوده السفير الفرنسي في سورية (اريك شوفاليه) مؤيد لوجهة النظر السورية القائلة بالتضخيم الإعلامي الذي واكب الأحداث هناك. وفي الداخلية رأي مؤيد للرواية السورية حول وجود عناصر مسلحة تقاتل النظام.
قد تكون حاجة ساركوزي الى توازن في وجه اندفاع (جوبيه) أعادت (غيان) الى الواجهة، وهذه السياسة اتبعها الرئيس مع سورية بالذات عندما كان وزير خارجيته السابق (برنار كوشنير) يهاجم سورية بينما أجهزته الأمنية ومدير مكتبه (كلود غيان) يتواصل مع دمشق.
في مقابلة أجرتها القناة الفرنسية الثانية مع (برنارد كوشنير) عندما كان وزيرا للخارجية، وفي جواب على سوآل لمقدم البرامج السياسية الشهير (ألكاباش) حول العلاقة مع سورية، شن (كوشنير) هجوما عنيفا على الرئيس السوري قائلا إنه "لا مجال أبدا للتواصل مع دمشق إذا لم تغير سياستها في لبنان"، وأمام ملايين المشاهدين أخرج (ألكاباش) ورقة من أمامه وقال لـ (كوشنير): "سيدي الوزير، أمامي الآن فاكس عاجل يقول إن مدير مكتب الرئيس ساركوزي (كلود غيان) ومستشار الرئيس السياسي (جان ديفيد ليفي) يعقدان في هذه الأثناء لقاءً في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد".
هو السيناريو نفسه يعاد هذه الأيام......