25-11-2024 08:59 AM بتوقيت القدس المحتلة

"يهود مصر" فيلم تسجيلي لتحسين الصورة والتمهيد للتطبيع!

الطريقة الممنهجة التي تشي بانحياز واضح للفكرة السياسية الدالة على محاولة فرض التطبيع الثقافي بشكل ناعم تدفع للتشكيك في النوايا الفنية وتثير تساؤلات ضرورية حول جهات التمويل والأموال المتدفقة للانتاج

لقطة من فيلم يهود مصرعن يهود مصر جاء الفيلم التسجيلي الطويل للمخرج أمير رمسيس ليثير الضجة مرة أخرى بعد أن كان الملف قد أغلق وأحاط به الصمت لعدم قبول الجماعة الثقافية بالفكرة التي طرحها د، عصام العريان مؤخراً والتي انطوت على فتح صفحة جديدة مع اليهود المصريين بالسماح لهم بالعودة إلى مصر وتعويضهم عما أصابهم طوال الفترة الماضية من أذى على حد زعم د، عصام القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.


الفيلم الذي أخرجه المخرج الشاب أمير رمسيس وأنتجته مؤسسة سينمائية كبرى كان مقرراً عرضه بدور العرض التجارية كاستثناء من بين الأفلام التسجيلية الأخرى لم يحظ بهذا الامتياز لوقف عرضه في اللحظات الأخيرة بعد صدور تعليمات من جهة أمنية بعدم العرض، علماً بأن الفيلم قد أجيز رقابياً ولكن يبدو أن الرقابة على المصنفات الفنية وحدها لم تكن كافية لدخوله سباق دور السينما التجارية والمشاركة في الموسم الصيفي الذي كان متوقعاً له أن يكون أكثر سخونة بهذا الفيلم المثير للجدل والذي يتضمن شهادات مهمة لعدد من المثقفين والسياسيين حول فترة الأربعينيات وأوائل الخمسينيات التي شهدت وجود اليهود في مصر وتعايشهم مع المصريين قبل العام 56 الذي بدأت خلاله عمليات الهجرة الجماعية، الشهادات التاريخية جاءت على لسان عدد من الرموز من بينهم أحمد حمروش عضو تنظيم الضباط الأحرار والدكتور رفعت السعيد ود، محمد أبو الغار وآخرين.


وقد أعطت هذه الأسماء ثقلاً سياسياً للفيلم، كما منحته أهمية فنية وتاريخية جعلته محل نظر المؤيدين والمعارضين معاً، وتأتي الضجة المثارة حول هذا الفيلم بالتحديد لكونه يمثل محاولة رئيسية من محاولات تمرير بعض الأفكار الداعية إلى التسامح مع اليهود، والتي بفضلها يحدث الخلط بين اليهودية والصهيونية، حيث يرى الرافضون للفكرة أن مرور الفيلم الى الجماهير يعني التمهيد للخطوة الأخطر وهي التطبيع، إذ أن جمهور العوام لا يفرق بين الصنفين اليهودي والصهيوني، وبالتالي يصعب إقناعه بعدم التطبيع طالما رأى أن هناك نية لطرح القضية وتجاوباً مع الفكرة السياسية التي كانت مرفوضة ولازالت.

بوستر فيلم يهود مصرفضلا عن أن إسرائيل وما يتصل بها يرتبط في ذهن الغالبية العظمى من الناس بالحروب والثأر والأسر وغيرها من الأمور المقلقة التي لا يمكن أن تُمحى بمجرد فيلم تسجيلي يريد الالتفاف على الحقيقة بالتسلل عبر الأفكار والمغازلات الصريحة والملتوية للانتهاء إلى أن الشعب اليهودي ليس كله عدوانياً، والتغاضي عن الجانب الأهم وهو أن إسرائيل لا تستثنى أحداً من مواطنيها في التجنيد بقواتها المسلحة بما يعني أن كل يهودي مرشحاً لأن يكون محارباًَ ضد المصريين والعرب، وهذه قضية من ثوابت الدولة العبرية.


الفيلم المذكور ليس هو المحاولة الأولى على طريق لتفاوض السينمائي الدبلوماسي بين جهات التمويل وبعض المتحمسين لهذه النوعية من الأفلام، وإنما سبقتها محاولات أخرى طرحت لجس النبض منذ سنوات تمثلت في فيلم 'سلطة بلدي'، وهو تسجيلي أيضاً يتناغم مع سيمفونية الرؤية الأخرى للمواطن اليهودي ولتعرف على نوازعه الخيرة تجاه المصريين وتاريخهم وتراثهم الإنساني والفني وخلافه.


كذلك تجلت نوايا السينمائيين المتحررين من عقدة اليهودي في فيلم روائي طويل بعنوان 'هليوبوليس'، في إشارة إلى المنطقة المعروفة بحي مصر الجديدة والتي جاءت كمحور ارتكاز للأحداث باعتبارها من المناطق التي اشتهرت بوجود النخبة اليهودية ذات الطباع الإنسانية الراقية وهو المعنى المصرح به علناً في سياق الفيلم والذي حمل في ثناياه تعاطفاً شديداً مع الجالية اليهودية المهاجرة وسخطاً بيناً على ثورة يوليو ورجالها.


مخرج فيام يهود مصرالطريقة الممنهجة التي تشي بانحياز واضح للفكرة السياسية الدالة على محاولة فرض التطبيع الثقافي بشكل ناعم تدفع للتشكيك في النوايا الفنية وتثير تساؤلات ضرورية حول جهات التمويل والأموال المتدفقة للانتاج، أسبابها ومصادرها والغرض منها، إذ لم يكن التطبيع نفسه هو الهدف.

التساؤلات المنطقية والمشروعة التي تحيط بالتجارب السينمائية المميزة تنسحب أيضاً على كرافانات السينما الأوروبية ومهرجانات أخرى ظلت تقام طوال السنوات الماضية وتعرض أشكالاً وألواناً من الأفلام، منها الطيب ومنها الخبيث، هذه المهرجانات تدق الأبواب للاستئذان في الدخول مرة أخرى إلى مصر بعد عامين من التوقف لقيام الثورة، فهل يؤذن لها بالدخول؟!..

جريدة القدس العربي - كمال القاضي