ورأى النجار ان صورة الاقتصاد المصري ومؤشراته الرئيسية قاتمة، حيث النمو أقل من2’، والبطالة وفقا للبيانات الرسمية 12.5’، والفقر تفاقم وهو يضرب قرابة نصف السكان
لم تكن الأرقام التي ذكرها أحمد السيد النجار، رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، في لقاء فكري جرى الاسبوع الماضي إلا كشف حساب اظهر فيه الخبير الاقتصادي المعروف عمليات النهب المنظم وسوء استخدام موارد الدولة في عهد مبارك والفترة التي اعقبت سقوطه. والنجار خبير له باع طويل في الدراسات الاقتصادية. وكتابه 'الانهيار الاقتصادي في عصر مبارك' الذي صدر عام 2005 يعتبر مرجعا عن حالة الاقتصاد المصري في ذلك العهد.
ورأى النجار ان صورة الاقتصاد المصري ومؤشراته الرئيسية قاتمة، حيث النمو أقل من2'، والبطالة وفقا للبيانات الرسمية 12.5'، والفقر تفاقم وهو يضرب قرابة نصف السكان. وقال إن الصورة القاتمة ناتجة عن الإرث الاقتصادي-الاجتماعي الثقيل الموروث من عهد مبارك، واستمرار إدارته بنفس السياسات السيئة وبصورة أدني في الكفاءة في ظل حكومة مرسي.
غير انه اشار اكثر من مرة خلال محاضرته الى ان الصورة القاتمة للاقتصاد المصري حاليا تخفي خلفها حقيقة أن مصر تملك امكانيات جبارة تتمثل في البشر الذين ـ هم عماد التنمية ـ والذين لو تم توظيفهم في أعمال منتجة بدلا من تركهم عاطلين والصراخ بأنهم عبء على التنمية، فضلا عما تمتلكه مصر من موارد معدنية ومحجرية هائلة إضافة إلى النفط والغاز والمياه العذبة والبحيرات والأرض والشواطئ بما يؤهل مصر لتطوير قطاعات الزراعة والصيد والصناعات الاستخراجية والتحويلية والزراعية.
وأضاف ان لدى مصر كل الإمكانات للسياحة الثقافية المرتبطة بميراثها الحضاري وثروتها الأثرية التي تفوق كل ما عداها، وسياحة المنتجعات والترفيه والسفاري، بما يؤهلها لمضاعفة حجم وإيرادات قطاع السياحة. كما ان لديها موقع استثنائي يؤهلها لأن تكون قطبا رئيسيا جاذبا للاستثمارات، ومركزا عالميا للتخزين ولتجارة الترانزيت ولصيانة وإصلاح وصناعة السفن.
وذكر أن الديون الداخلية تبلغ حاليا نحو1350 مليار جنيه مرتفعة نحو112 مليار جنيه عن مستواها عند تسلم محمد مرسي لمنصب الرئاسة، وان الديون الخارجية التي كانت نحو34.4 مليار دولار في نهاية حزيران/يونيو الماضي، ارتفعت الى أكثر من40 مليار دولار حاليا بعد اتفاقيات الودائع مع قطر ودول أخرى، واتفاقية الاقتراض من بنك التنمية الإسلامي، وهي مرشحة لتجاوز45 مليار دولار إذا تم توقيع اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي.
ورأى النجار ان نظام الرئيس مرسى اقترض 112 مليار جنيه في 6 أشهر، وأن استمرار الاقتراض بنفس الوتيرة سيجعله يقترض خلال فترة قصيرة اكثر مما اقترضه نظام مبارك طوال 30 عاما.
وبالنسبة للبطالة كان النظام السابق يقول إنها 8.5' (وإن كانت لا تقل عن 27' فعليا)، اما معدلات الفقر فقد قدروها رسميا وقتها بـ18.5' من السكان، لكنها فى الحقيقة كانت تزيد على 45'، إضافة إلى أنهم كانوا يقولون إن معدلات النمو الاقتصادي تصل الى 5.1' في عام 2010، وهي كانت في الحقيقة أدنى من ذلك.
وأكد النجار على أن الوضع الاقتصادى لم يحدث فيه أى إنجاز منذ عهد مبارك إلى عهد مرسى وأن التضخم ومعدل البطالة في حالة ازدياد، والحد الأدنى والأقصى للأجور لم يطبق حتى الآن، وأموال الصناديق العامة لا تزال متاحة للنهب والفساد.
وأشار إلى وعد النظام بزيادة أموال معاشات الضمان الاجتماعي ومضاعفتها من 2.5 مليار إلى 7.5 مليارالا ان ذلك لم يحدث، بل ازدادت فقط لتصبح 2.6 مليار وهو ما يعنى في الواقع نقصانها بعد الاخذ بالاعتبار ارتفاع الأسعار.
أما نظام الدعم الذي ورثه النظام الحالي من السابق، والمفترض أن يذهب إلى الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل وشرائح من الطبقة الوسطى، فانه في الحقيقة يذهب إلى الطبقة الرأسمالية الكبيرة والأثرياء.. والجزء الأصغر من الدعم هو الذي يذهب إلى الفقراء ومحدودي الدخل. وقال النجار ان دعم الخبز والسلع التموينية كان 18.9 مليار جنيه سنويا قبل سقوط مبارك وارتفع إلى 23 مليارا بسبب زيادة الأسعار. اما دعم الطاقة حسب تقديرات الرئيس محمد مرسي فيكلف الدولة 107 مليارات جنيه يذهب منه، من 20 إلى 22 مليارا للفقراء والطبقة الوسطى كلها، والباقى يذهب إلى الرأسمالية والأثرياء والمنتجعات في شكل دعم الغاز والمازوت والسولار والبنزين ومواد الطاقة، وكذلك في الصناعة منها الحديد والأسمنت والأسمدة والسيراميك والألمونيوم، وهي الصناعات الخمس المستهلكة الرئيسية لمواد الطاقة.
ورأى النجار انه كان على الحكومة بعد سقوط النظام القديم أن تقوم بإلغاء كامل لدعم مختلف مواد الطاقة والكهرباء، الذي يقدم لكل الشركات التي تبيع إنتاجها بالأسعار العالمية أو بأعلى منها وعلى رأسها شركات الأسمنت، على أن يستمر الدعم الذي يحصل عليه المواطنون على الغاز والبوتغاز والبنزين 80، و90، والكيروسين للاستخدامات المنزلية، وأن تخصص عشرات المليارات التي سيتم توفيرها من هذا الإلغاء في إصلاح الموازنة العامة للدولة، عبر تمويل بناء مشروعات صناعية وزراعية وخدمية تساعد على استنهاض النمو الاقتصادي وايجاد الوظائف الحقيقية للعاطلين الذين ينبغي العمل على تشغيلهم في وظائف حقيقية، وليس تكديسهم كبطالة مقنعة في جهاز حكومي مكتظ أصلا بالبطالة المقنعة.
أما دعم الصادرات فقد تم تخفيضه الى 2.5 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، مقارنة بـ4 مليارات في موازنة عام 2010/2011، وهو دعم كان مجالا لتوزيع فاسد وتلاعب، ويستحق الإلغاء تماما، وليس مجرد التخفيض.
ورغم أن ملف الوزارة حول الموازنة الجديدة، يشير في بدايته الى رفع مخصصات معاشات الضمان الاجتماعي من 1.6 مليار جنيه الى 3.2 مليار جنيه، إلا أن الموازنة المفصلة تشير الى أنه يبلغ 2.4 مليار جنيه فقط، استكمالا للتخبط في الإحصاءات في هذه الموازنة التي تعكس تدني كفاءة القائمين على إعدادها.
أما بالنسبة لدعم إسكان محدودي الدخل فقد تم تخصيص 1.5 مليار جنيه له في الموازنة الجديدة، بدلا من 1 مليار في موازنة 2010/2011، ونحو 1.3 مليار جنيه في موازنة 2009/2010، ولم تقل وزارة المالية أنها غيرت النظم التي يتم تقديم هذا الدعم من خلالها، والتي أفضت طوال الفترة الماضية الى تقديمه للرأسماليين من أصحاب الشركات الخاصة التي تنفذ المشروع وليس للمستفيدين الذين هم أيضا ليسوا من محدودي الدخل أصلا.
وتطرق النجار إلى معاشات الضمان الاجتماعى التي ما زالت متدنية كما كانت رغم أن الرئيس وعد بمضاعفتها ثلاثة أضعاف فإذا بها ترتفع من 2.5 مليار إلى 2.6 مليار بمعنى أنه لو تم حساب معدل التضخم تكون قد انخفضت.
وأوضح أن نسب الإنفاق على الصحة والتعليم من اجمالي الناتج المحلي كانت وما زالت منخفضة جدا، حتى عن تلك الموجودة في بلدان اقل تطورا ومواردا من مصر.
وقال النجار ان اقل ما يمكن ان يقال عن أسعار إقراض البنوك للحكومة هو انها فاسدة حيث تحقق البنوك أرباح خيالية من إقراض الحكومة بفائدة تصل إلى 13' وأحيانا إلى 17' .
وانتقد النجار إطلاق 'إسلامية' على سندات (صكوك) أكد أنها مجرد وسيلة اقتراض للحكومة أو آلية لجمع الأموال. وقال إن كلمة إسلامية كانت مجرد تلاعب بالدين. وحين رفض الأزهر المسمى لم يكن أمام الحكومة خيارا إلا إزالة الشعار الاسلامي عنها.
وأضاف بأن مشروع الصكوك يتضمن استخدامها في تمويل المشروعات المختلفة التي تقيمها الشركات المحلية والأجنبية في مصر، ولا توجد بمشروع القانون ضوابط وقيود واشتراطات على الشركات التي ستصدر الصكوك لضمان جدارتها ، بما يفتح الباب للمغامرين لجمع الأموال وإساءة توظيفها. كما ان أرباح هذه الصكوك وأصولها معفاة من الضرائب تماما استمرارا لسياسة نظام مبارك في الانحياز للرأسمالية المحلية والأجنبية وإعفاء المكاسب الرأسمالية من الضرائب، رغم أن كل دول العالم باستثناء دول الخليج تفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية.
وتابع 'إذا تأملنا هذه الصكوك لن نجد فيها أي فارق حقيقي عن الاكتتاب العادي في الشركات الجديدة أو التي يتم توسيعها من خلال التمويل عبر البورصة.. وفي ظل ضعف الضوابط وعدم احترام قاعدة العلم المتزامن بظروف السوق في البورصة المصرية، فإن ضمانات أموال ومصالح حملة هذه الصكوك سوف تكون عرضة لكل أشكال التلاعب كما حدث من قبل في الاكتتابات العادية، وأيضا في التجربة المرة لشركات توظيف الأموال'.
ولفت أن الموازنة استمرت على نفس المنوال القديم بلا تغيير، ليتسبب الدعم الفاسد وغير المنطقي المقدم للرأسمالية المحلية والأجنبية في عجز ضخم بالموازنة العامة للدولة بلغ 170.5 مليار جنيه في القراءة الأولي لها، وتراجع بعد ضغوط المجلس العسكري الى 143.3 مليار جنيه في الصيغة النهائية لها، وستقترض الحكومة من أجل سد هذا العجز، لتكبل الأجيال والحكومات القادمة بالمزيد من الديون المحلية والأجنبية، علما بأن الدين العام المحلي بلغ نحو 962.3 مليار جنيه في مطلع عام 2011، ومن المقدر له مبدئيا أن يتجاوز 1035 مليار جنيه في نهاية حزيران/يونيو الحالي. وبلغ الدين العام الخارجي نحو 35 مليار دولار في بداية العام 2011، وبلغت مدفوعات خدمة هذا الدين الداخلي والخارجي نحو 210.9 مليار جنيه، عبارة عن 110.8 مليار فوائد، ونحو 100.1 مليار جنيه سداد لأصول الديون.
وحدد النجار عددا من البدائل التي يمكن أن تعتمد عليها مصر للاستغناء عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي ومن غيره، وتنمية وتطوير موارد وإيرادات محلية أكبر كثيرا وذات طابع متجدد. ويمكن تركيز هذه البدائل على النحو التالي:
*إصلاح نظام الدعم بإزالة كل الدعم المقدم للأثرياء والرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية التي تبيع إنتاجها بأعلي من الأسعار العالمية في صناعات الأسمنت والأسمدة والحديد والسيراميك والألومنيوم والتنقيب، وتحويل المخابز وقمائن الطوب وسيارات النقل والميكروباص للعمل بالغاز، مما سيوفر كتلة عملاقة من الدعم تصل إلى 75 مليار جنيه.
*تغيير قانون إدارة الثروة المعدنية ورسوم استغلالها التي تقترب من الصفر والتي تم وضعها عام 1956 على أساس أن الدولة هي التي تحتكر استغلالها، ثم دخل القطاع الخاص المحلي والأجنبي واستمرت تلك الرسوم المتدنية مما يشكل نهبا للموارد الطبيعية العامة.. ويمكن لأي قانون جديد يرفع رسوم استغلال هذه الثروة لمستويات اقتصادية، أن يضيف لمصر نحو25 مليار جنيه سنويا، حسب تقديرات الهيئة العامة للثروة المعدنية.
*إصلاح أسعار فائدة إقراض البنوك للحكومة على أذون وسندات الخزانة، وإجراء تسوية للفوائد القديمة المتراكمة بحيث لا يزيد سعر الفائدة بأكثر من نقطة مئوية عن سعر الفائدة الذي يعطي لأصحاب الودائع في الجهاز المصرفي. وهذا الإجراء يمكن أن يخفض ربع المدفوعات العملاقة البالغة 133 مليار جنيه على الديون الداخلية المتراكمة.
*إجراء تغيير حقيقي وجوهري في نظام الضرائب نحو نظام متعدد الشرائح وتصاعدي يعفي الفقراء ومحدودي الدخل من الضريبة، ويفرض ضرائب عادلة على الأثرياء، ويفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية في البورصة وعلى فوائد البنوك والتداول العقاري. والحصيلة المتجددة سنويا لهذا التغيير لنظام الضرائب يمكن أن تتجاوز في عام واحد قيمة قرض صندوق النقد الدولي.
*إحكام نظام التحصيل لمنع التهرب ولتحصيل المتأخرات المتراكمة ومنها63 مليارا مستحقة على كبار العملاء وحدهم. وتحصيلها يغني الدولة عن الاقتراض من الصندوق أو غيره.
بالإضافة إلى إجراء تغييرات حاسمة لأسعار تصدير الغاز المصري، لتتساوي مع الأسعار العالمية وتتغير تبعا لها، على أساس أن عقود بيع الغاز المصري بأسعار بالغة التدني وثابتة لأسبانيا وتركيا والأردن، هي عقود فاسدة أبرمها نظام لم يكن يعبر عن مصالح الشعب المصري. ولو حدث هذا التغيير فإن مصر يمكن أن تضيف ما يقرب من 15 مليار جنيه كإيرادات عامة إضافية سنويا.
*فرض ضريبة ثروة ناضبة على كل الشركات المصرية والأجنبية العاملة في قطاع النفط والغاز لاسترداد حقوقنا منها، لأن غالبية عقود المشاركة في الإنتاج أبرمت عندما كان سعر النفط نحو17 دولارا للبرميل في تسعينيات القرن الماضي، وما زالت كما هي بعد أن تجاوز سعر البرميل 100 دولار، ولابد من استرداد حق مصر من هذه الزيادة من خلال هذه الضريبة على غرار ما فعلته دول أخرى مثل الجزائر.
واختتم بقوله: يعد إصلاح الدعم والتحويلات، مدخلا رئيسيا لإصلاح الموازنة العامة للدولة في مصر، نظرا لضخامة هذا البند في الإنفاق العام وتوجيه غالبيته الساحقة للطبقة الرأسمالية عموما والشريحة العليا منها بصفة خاصة، بصورة متحيزة وبعيدة عن المنطق الاقتصادي والأخلاقي.