" كل ما يباغتك أو يقتحمك أو ينتشر فيك، لينشئ كيانه على حساب كيانك الخاص هو سرطان يجب إستئصاله بلا ضعف وبلا خوف وبلا تردد".
"كل ما يباغتك أو يقتحمك أو ينتشر فيك، لينشئ كيانه على حساب كيانك الخاص هو سرطان يجب إستئصاله بلا ضعف وبلا خوف وبلا تردد".
عرفت حياة نبيل تمام، الاستشاري أنف وأذن وحنجرة، غزوات ومواجهات مع سرطانات مختلفة. تمام المصاب بسرطان الغدد اللميفاوية، شارك فلسطينيي غزة في العامين 2009 و2012 في مواجهة سرطان من نوع آخر هو الاحتلال الاسرائيلي، بعد أن زار القطاع متضامناً وعارضاً خدماته. وعام 2011 دخل الطبيب البحريني الجنسية "تجربة غزو سرطاني آخر لا يزال يعايشها"، عازماً على استئصالها والانتصار عليها كما جاء في سيرته التي نقلها كتاب "شوكة الأطباء.. محنة الكادر الطبي في ثورة البحرين".
الانتقام المكارثي
بسماحة وبشاشة يستقبلك وجه تمام، المثقل بما يحمله من مسؤولية تجاه قضية الكادر الطبي المعتقل في سجون النظام البحريني.
يتحدث تمام، في لقاء خاص مع موقع قناة المنار، عن تجربة اعتقاله في نيسان/ أبريل 2011، التي جرت بحكم كونه أحد الكوادر الطبية التي تطوعت في الخيمة الطبية التي نُصبت في دوار اللؤلؤة مع إنطلاق أحداث شباط/ فبراير في العام نفسه، وتواجده الدائم في مجمع السلمانية الطبي للإسعاف الجرحى.
وبحكم تواجده الدائم في المستشفى وضع تمام وزملاؤه خطة لاستقبال الجرحى الذين أخذت أعدادهم تتزايد بعد دخول القوات السعودية إلى البحرين، "كنا نعلم أنه سيسقط شهداء وجرحى ونستعد لذلك" يقول نبيل تمام.
وفي 16 آذار/ مارس 2011 عايش رئيس قسم الأنف والحنجرة في مجمع السلمانية محاصرة المستشفى بالدبابات والأسلحة، فيوضح: "بقيت محجوزاً مع الآخرين لمدة 4 أيام.. ولم يتسنَ لي الخروج إلا في اليوم الخامس وبعد أن تأكدت من خروج جميع الطاقم الطبي الذي كنت مسؤولا عنه".
"كنا ننقل ما يحدث في المستشفى وما هو موثق بالصوت والصورة، والعمل الميداني داخل المستشفى جعل بين أيدينا وثائق تبين جرائم رجال الأمن".
كان ذلك كفيلاً لاقتراب ما وصفه تمام بـ "الانتقام الأسود المكارثي"، اعتُقل نبيل تمام وعدد من زملائه. كان جُرم مساعدة الجرحى من المتظاهرين إضافة إلى ما تقدم من إطلاع الأطباء على "جرائم قوات الأمن" سبباً كافياً للاعتقال.
المشاركة في "تجمعات غير شرعية" و"بث أخبار كاذبة" على مواقع التواصل الاجتماعي كانت تهماً "معلبة وجاهزة لتُلصق بالجميع".
السرطان قد يكون سبباً للنجاة
لم يساعد وضع نبيل تمام الصحي السلطات على اعتقاله لأكثر من ثلاث أيام، وخصوصاً أن حالة ضعف المناعة التي عانى منها كادت تودي به إلى الموت. ولم يكن بمقدور السلطات البحرينية أن تضيف إلى سجل ضحاياها الذين قضوا في المعتقل ضحية أخرى. فكان الإفراج عنه في 13 نيسان/ أبريل 2011.
دام إعتقال تمام لأيام ثلاث فقط، "كانت قاسية جداً نتيجة عدم النوم والضرب المبرح والإهانات اللفظية، وانتزاع الإعترافات تحت وطأة التعذيب"، يقول تمام لموقع المنار.
"لأول مرة اكتشف أن الابتلاء بمرض خطير كالسرطان، قد يكون سبباً للنجاة من بلاء أشدّ خطورة وضراوة هو الموت تحت التعذيب".
غزة.. تضامن مشترك
في زيارته الأخيرة إلى قطاع غزة عقب العدوان الأخير عام 2012، وجد الطبيب البحريني أن صورة الحراك الذي تشهده جزيرته ضبابي لدى أهل القطاع. في غزة من كان يعي حقيقة ما تشهده في البحرين، وفيها من رأى تمايزاً في حراك البحرين الشعبي عن ذلك الذي شهدته تونس ومصر، ومن تأثر بالدعاية الإعلامية التي صوّرت ما جرى على أنه حراك طائفي مدعوم من الخارج.
ورغم أن بيان اتحاد العمل الصحي في القطاع كان سباقاً في مساندة الطواقم الطبية البحرينية بعد حملات الاعتقال التي طالتها، إلا ان زيارة الوفد الطبي من البحرين التي لقيت ترحيباً في القطاع ساهمت في توضيح حقيقة ما يجري في المملكة.
وجد تمام ومن معه ان هناك تلازماً بين مساعدة فلسطينيي القطاع وبين شرح معاناة الشعب البحريني لمن يجهلها منهم. ومن جملة اللقاءات التي أجراها الوفد البحريني، كانت زيارة إلى وزير الصحة في القطاع تحدث الوفد البحريني باسهاب عما شهدته بلادهم، وما أُلحق بالكادر الطبي جراء إلتزامه بالحياد الطبي في مساندة المصابين، ليعبر الوزير الفلسطيني عن تضامنه الصريح مع "قضيتهم الانسانية".
لم تقف الأمور عند هذا الحد، بعد شهرين زار الوزير الفلسطيني البحرين، وأجرى إتصالاً بتمام ليكرر موقفه المتضامن مع قضيتهم.. ليتبيّن أن زيارة غزة أثمرت!
معركة الحياد الطبي
اليوم يقود نبيل تمام وعدداً من أفراد الطواقم الطبية في البحرين مشروع إطلاق اليوم العالمي للحياد الطبي. يسعى هؤلاء لدفع الأمم المتحدة إلى تبني المشروع، بهدف وضع قوانين تحد من انتهاك الطواقم الطبية في اي بقعة في العالم.
يعتقد تمام ومن معه بأن حكومة البحرين ستسعى جاهدة لإفشال المشروع، خصوصاً أنها أنفقت مليون دولار لإنشاء مؤسسات علاقات عامة في الولايات المتحدة ودول أوروبية لتجميل صورة الوضع في البحرين. ويؤكد أن التعويل اليوم على منظمات حقوق الإنسان وعلى العاملين في المجال الطبي محلياً وإقليمياً، بأن ينظروا بعين الانسانية إلى ما حدث للطواقم الطبية في البحرين.
أطلقت السلطات العنان لسياستها الانتقامية، ودفعت سياسة الإفلات من العقاب إلى التمادي في الانتهاكات، وهوما إرتد سلباً على النظام نفسه، فقد سلطت قضية الطواقم الطبية في البحرين إهتمام الخارج على ما يجري داخل المملكة.
خلقت معاناة أطباء البحرين سواء في الاعتقال أو في فصلهم عن العمل تقارباً فيما بينهم وجواً من التكافل الاجتماعي. بعد عامين يجد نبيل تمام أن "حاجز الخوف إنكسر"، فاليوم " لاعمل ولا تراجع.. بل صمود".
تصوير: وهب زين الدين