بكلّ صراحة، لم تكن تشبه "جامعةً" للدول العربية بأي شكل من الأشكال.
كتب: د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله
بكلّ صراحة، لم تكن تشبه "جامعةً" للدول العربية بأي شكل من الأشكال.
وهي أيضاً لم تحقّق الكثير، بل على العكس فإن "القمم" المترفة، التي يزيد عددها على عشرين قمة، تقدّم الخطاب المضخّم وغالباً ما ترمي حساباتها إلى تحييد الشعب العربي عن قضيته المركزية وهي فلسطين.
وهذا بالرغم من الآمال الكبيرة على امتداد العالم العربي عندما وقّع القيمون عليه ميثاقاً في 22 آذار/ مارس عام 1945 وأقسموا قسماً رسمياً بمنع سرقة فلسطين من قبل المستعمرين الأوروبيين. إلا أن مفاهيم العدالة الأساسية تتطلّب منا أن نقرّ بأن الجامعة العربية، وهذا من إنجازاتها، حاولت تحقيق أقلّ الإنجازات على صعيد التعاون بين الدول العربية في القضايا المتعلقة بالشؤون الإقتصادية والمالية، والعلاقات التجارية، والجمارك والعملات، والأمور الزراعية والصناعية، والمواصلات بما فيها السكك الحديدية والطرقات والطيران والملاحة والخدمات البريدية والشؤون الثقافية، فضلاً عن الجنسية وجوازات السفر وتأشيرات الدخول، بالإضافة إلى تنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين، وحتى القليل من الأمور المتعلقة بالشأنين الإجتماعي والصحي.
وبرغم مرور سنين على الوعود بإبطال ضرورة تأشيرات الدخول على غرار تأشيرة الشنغن الأوروبية، تجدر الإشارة إلى أن واحدة فقط من هذه الدول العربية قد تنازلت عن تأشيرة دخول إخوانها وأخواتها العرب على المستوى الدولي.
وهذه الدولة هي الجمهورية العربية السورية.
إنها سورية، إلى جانب فلسطين، من أصل 22 دولة عضو في الجامعة العربية، التي تمثّل بكل ثبات واستمرار القومية العربية والمقاومة العربية للإحتلال والأهداف الموضوعة والمعلنة منذ 66 عاماً، أي منذ تأسيس الجامعة العربية.
وكثيرون هم الذين يسألون لماذا تفشل الدول الأعضاء في الجامعة العربية باستمرار في التصرف حيال ما يحدث في فلسطين، ولماذا لم تفِ أبداً بوعدها بتعليق عضوية الدول التي تستضيف على أراضيها السفارات الإسرائيلية رغماً عن إرادة شعوبها.
ففي يوم من الأيام البعيدة البعيدة، كانت دول الجامعة العربية تحاول تحرير فلسطين. أو ربما زعمت هذه الدول القيام بذلك. وفجأة، أصبحت الجمعية تضمّ 20 دولةً تدّعي التزامها بحلّ قضايا فلسطين ولبنان. وبعد ذلك بقليل أصبحت الجامعة العربية تضمّ 19 دولةً تحاول حلّ قضايا فلسطين ولبنان والصومال.
عجباً كيف نتغيّر كلّنا مع مرور الزمن. فهذا الأسبوع، وخلال "القمة العربية" الرابعة والعشرين التي ضمّت 11 دولةً فقط، والتي تعرّضت لضغوطات مصالح خارجية بالتوازي مع الرؤى الجيوسياسية المهيمنة في المنطقة، زعم المجتمعون أنهم يريدون حلّ مشاكل الحياة بالنيابة عن الأعضاء الآخرين.
فإذا عُقِدت قمّة عربية بعد عشر سنوات من الآن، ماذا سيتضمّن جدول أعمالها؟
وفي هذا الأسبوع أيضاً، ارتأى المجتمع الدولي أن ميثاق الجامعة العربية وقانونها لم يعُد يُحتَرَم أو يطبّق على صعيد الأزمة السورية منذ بدايتها بالرغم من مهمة الجامعة في جمع العرب في ما بينهم. فعلى العكس قامت الجمعة ببذل جهود للحؤول دون اجتماع العرب خصوصاً حول الموضوع السوري.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه المنظمة قد أبصرت النور في وقت كانت معظم الدول تكره الدولة الصهيونية العنصرية، ولكن جامعة الدول العربية قد تأسست لمنع المشروع الصهيوني الذي كان يروّج له في ذلك الحين من أن يصبح حقيقة، مهما كلّف الثمن. وكان أول قرارات الجامعة مقاطعة أي منظمة يهودية تساهم في سرقة فلسطين من قبل الحركة الصهيونية الممولة أوروبياً.
أما اليوم ولسوء الحظ، وربما على نحو قاتل للجامعة العربية، تمّ الأمر على أكمل وجه. فالجامعة العربية، بشتّى الطرق، تدعم احتلال فلسطين في وقت تسمح لنفسها بالإستباق والظهور كأنها أداة بيد السياسة الغربية الخارجية التي تحيك المؤامرات ضد أعضائها وبينهم بالنيابة عن مرافقيها. فبعيداً عن سبب وجودها المتمثّل بالتركيز على تكاتف أعضائها، بحسب ميثاق الجامعة، فهي تقوم بكلّ ما يقوي رغبات المحتلين الصهاينة لفلسطين بالتزامن مع تقسيم العرب والحؤول دون أي شكل من الوحدة الحقيقية في ما بينهم.
وبقدر ما حشدت الولايات المتحدة وحلفاؤها لمجلس الأمن الدولي واستبقته، اختطف عملاؤها جامعة الدول العربية وخمس منظمات إقليمية أخرى. وهذا موجود الآن في مواقعهم بحسب ما ذكره مصدر في الكونغرس متابع لهذه القضية. وإحدى هذه المنظمات الدولية التي باتت محطّ أنظار القوى الغربية المهيمنة هي حركة عدم الإنحياز التي ترأسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الوقت الراهن.
ويزعم بعض المحللين للجامعة العربية أنه لن يبقى إلا القليل من الجامعة العربية بحلول العام 2020. وفي إحدى الطرائف التي تدور في الكابيتول هيل يُسأل التالي: "ما الذي سينفجر أولا، هل هي الجامعة العربية أم قادتها، المحتلون الصهاينة لأرض فلسطين"؟ أما الجواب فيقول: "الأمران متقاربان".
وفي الأسبوع الماضي، كانت الإجراءات في الدوحة أقرب إلى الجرح الذاتي أو القاتل بالنسبة للجامعة العربية. فقد تلاشت شرعيتها عندما أعلنت الحرب على أعضائها المؤسسين واستبدلتهم بمجموعتها الممولة والمجهّزة والمسلحة مع انعدام ولو القليل من الإلتزام بميثاقها وضمنه المادة 8 التي تعتبر ركيزة أساسية في مفهوم جامعة الدول العربية وهي تنص على التالي:
"على كل دولة عضو أن تحترم أنظمة الحكومة المؤسسة لدى الدول الأعضاء الأخرى وتعتبرها ضمن الإهتمامات المحصورة ضمن نطاق هذه الدول. وعلى كل دولة أن تتعهد بالإمتناع عن أي عمل يراد منه تغيير النظام في تلك الدول".
وفي الخلاصة، ما من أمر في ميثاق الجامعة العربية يسمح باستبعاد سورية أو حتى معاقبتها. وفي الواقع، يعدّ القيام بذلك انتهاكاً لميثاقها. وكما رأينا تكراراً، ومؤخراً في ليبيا، فإن التدخل الخارجي ليس إنسانياً أبدا، وهو على العكس من ذلك فهو دائما جيوسياسي. والسوريون يستطيعون حلّ مشاكلهم الداخلية بعيداً عن تدخّل الغرباء.
أما الآن فهل يُترك الأمر لدول البريكس المتمثلة بالبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا للوقوف بوجه الجامعة العربية والمساعدة في حلّ النزاع في سوريا؟ وثمّة شعور متنامٍ في سوريا بأن مجموعة القوى الخمس الصاعدة قد تصبح مصدر أمل حقيقي للشعب السوري الذي عانى من التدخل الخارجي السافر في شؤون بلاده وعانى من قيام الجامعة العربية بما يتنافى ومصالحه. وأعضاء الجامعة العربية الذين صوّتوا لإقصاء سورية أو معاقبتها لا يرسمون إلا المسار الجيوسياسي لمصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان بنظر الرأي العام العربي ليستا إلا "عضوين غير رسميين" في الجامعة العربية.
ليس ثمّة مفرّ من أن نتيجة القرارات المتخذة في الدوحة هي أن الجامعة العربية قد رفضت تسوية سلميّة في سورية. واعتراف الجامعة العربية بأن يكون الإئتلاف الوطني الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري يتنافى وبيان جنيف، وينسف مهمّة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سورية الأخضر الإبراهيمي بحسب ما ذكر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي. وعلماً أن أحد مؤسسي ذلك، وهي الجامعة العربية، تزعم أن المعارضة الوطنية هي الحكومة الشرعية الوحيدة في سورية، وهي التي تدعو إلى تسليح القوى المعيّنة لإسقاط النظام، كيف يمكن أن تجري مفاوضات حول هذا الموضوع؟ إن هذا القرار القاضي بتزويد المعارضة السورية بالسلاح لا ينتهك القانون الدولي فحسب وإنما مجدداً كما يقول لافروف "هو تشجيع سافر لمواجهة قوات لا يمكن التوفيق بين طرفيها وجعلها تخوض الحرب حتى نهايتها المريرة".
يمكنكم التواصل مع فرنكلين لامب على بريده الإلكتروني
fplamb@gmail.com
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه