تستعد أكثر من 12 شخصية سياسية ودينية لبنانية للقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف
ناصر شرارة
تستعد أكثر من 12 شخصية سياسية ودينية لبنانية للقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي سيصل إلى بيروت قبل نهاية الشهر الجاري. الدّب الروسي يرى في لبنان مدخلاً مهماً لدوره الجديد ــ القديم في شرقيّ المتوسط. لا تغيب عن عيون روسيا مسألتا النفط المستجدّ والخوف من تمدّد الجهاديين من سوريا إليها.
علمت «الأخبار» أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف سيصل الى لبنان في ٢٦ الشهر الجاري، في زيارة تصفها مصادر روسية بأنها مكثفة، وتدوم يومين، ويلتقي خلالها بأوسع نطاق من الطيف السياسي اللبناني من كل الأطراف، إضافة الى كبار المسؤولين.
الزيارة كانت مقررة سلفاً. لكن بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي ودخول حكومته مرحلة تصريف الاعمال، برز رأي في الخارجية الروسية يقترح تأجيلها، ريثما تشكل حكومة جديدة. لكن موسكو قررت إبقاءها في موعدها. وبالفعل يوجد حتى الآن على أجندة لقاءات بوغدانوف في لبنان ١٢ موعداً مع شخصيات رسمية وسياسية ودينية.
وتبدو موسكو معنية بالتوقيت السياسي الذي تتم فيه الزيارة، وهذا ما دفعها إلى عدم تأجيلها، علماً بأنها كانت قبل أسابيع بادرت إلى تأجيل مؤتمر في بيروت كانت تعد له منذ العام الماضي، وعنوانه «حماية مسيحيي الشرق». وتعزو المصادر الروسية تأجيل المؤتمر الى الخريف المقبل «لأسباب تقنية»، مع إصرارها على أن المؤتمر تم «تأجيله» لا «إلغاؤه».
مظلة علاقات مشرقية
وتتجه موسكو، بحسب مصادر روسية، إلى بلورة وجهة نظر جديدة حيال لبنان، مؤداها أنها تريد تسجيل حضور سياسي فيه، وذلك لعدة أسباب، أبرزها أنها شريك متقدم في التنقيب عن الغاز في المثلث الذهبي المكتشف حديثاً والذي يجمع غاز لبنان وفلسطين المحتلة وقبرص، ولاحقاً سوريا. منذ نحو ثلاثة أسابيع حصلت الشركة الروسية «غاز بروم» على امتياز التنقيب عن الغاز في الحقول المقابلة للشواطئ الفلسطينية. وخلال حزيران المقبل ستبدأ العمل. وفي قبرص تسعى لتجاوز اعتراض تركيا لحصولها على الامتياز عينه تقريباً. وفي لبنان، توجد اليوم بين الشركات المؤهلة لدخول مناقصات الاستثمار في غازه. أما في سوريا الأغنى بالغاز من بين كل دول المشرق، فلم تخف موسكو في محادثاتها الاوروبية أنها ستمتلك هذا الامتياز وحدها الى حد كبير. ومن المفيد الاشارة إلى أن سبب سعي موسكو لامتلاك نسب ريادية في امتيازات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، لا يعود الى رغبتها حصرا في تحسين مردودها في هذا القطاع، إذ إن كل ما تستخرجه الحقول الإسرائيلية الخمسة من الغاز لا يساوي سوى ١ في المئة مما تنتجه «غاز بروم» حول العالم. لكن ما يهم موسكو الحفاظ على موقعها كمصدر عالمي رئيس للغاز عبر الأنابيب الى أوروبا الغربية، ما يحتم عليها إثبات حضورها في إدارة أي منافسة دولية حول الغاز في العالم.
والواقع أن حاجة موسكو إلى إثبات حضور مهم لها في اللعبة الدولية لهندسة إنتاج غاز المتوسط وخطط تصديره على نحو لا يؤذي مصالحها الاستراتيجية العالمية في هذا المجال، تحتم عليها إنشاء مظلة من العلاقات السياسية المشرقية. وهي ضمن هذا السياق، تتجه لتصبح معنية بإعادة إنتاج نظرتها إلى لبنان، انطلاقاً أولاً من مكانته المشرقية، وثانياً من صلته الوثيقة بالتجاذب الدولي والإقليمي الحاصل في سوريا.
رئيس حكومة «بدسم» سعودي أقل
استبقت موسكو وصول بوغدانوف الى بيروت بإصدار بيان أيّد تكليف الرئيس تمام سلام لتشكيل الحكومة العتيدة. وثمة معيار آخر يقف وراء إصدار البيان، وهو أن الخارجية الروسية تؤيد للرئاسة الثالثة شخصية اعتدالية في مواقفها من الاحداث السورية. وكانت موسكو قبل خروج الدخان الابيض بتكليف سلام، ترغب في أن يعاد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي. والتبرير الذي تعطيه مصادرها المطلعة هو أن «الدسم السعودي فيه أقل نسبة» من الرئيس سعد الحريري. وبنظرها، فإن مصالح ميقاتي الاقتصادية موزعة عبر العالم ولا تتركز بشكل كلي في المملكة العربية السعودية.
تتحسّس موسكو من الدور السعودي في لبنان، ربطاً باحتمال أنه قد يساهم في تغذية اعتبار لبنان ساحة خلفية للمعارضة المسلحة السورية. وكانت الخارجية الروسية بعد اغتيال اللواء وسام الحسن أوحت بهذا المعنى في سياستها اللبنانية، إذ نقلت لرئيس الجمهورية ميشال سليمان رسالة شفهية عبر مسؤول لبناني، مفادها أن موسكو تحذر من أن يكون هناك طرف داخلي أو خارجي في لبنان يسعى لاستغلال اغتيال الحسن، لملاقاة ما يعتقده اقتراب انتصار المعارضة في سوريا.
وداخل أجندة موسكو اللبنانية اهتمامات جدية على صلة بألا يتم استخدامه من قبل الجماعات الروسية الاسلامية المتشددة كملاذ آمن لها، تخطط وتتدرب فيه للإساءة إلى الأمن القومي الروسي. وغير مرة لفتت مصادر تابعة للخارجية الروسية المسؤولين اللبنانيين الى مدرسة الجنان الشرعية في طرابلس التي تستقبل مواطنين روساً مسلمين يأتون اليها من دون المرور عبر السفارة الروسية في بيروت. كذلك يهم روسيا التي تدرك أن مجموعات شيشانية إسلامية متشددة تقاتل في سوريا، خصوصاً في ريف حمص، أن ترى لبنان يتشدد في تتبع حركة هذه المجموعات التي لديها شركاء بين سلفيي شمال لبنان، إذ إن هذه المجموعات لديها «أجندة جهاد»في روسيا وليس فقط في سوريا.
البعد الأرثوذكسي
يعتبر عنوان حماية مسيحيي الشرق أحد العناوين البارزة في حركة الدب الروسي المستجدة في لبنان، وتحديداً بعد الاحداث السورية. فالبعد الأرثوذكسي داخل السياسة الروسية الشرق أوسطية عاد إلى الحياة بقوة في الفترة الاخيرة. وتحرص موسكو على إيجاد تعبيرات عن ذلك، سواءً على مستوى الشكل أو المضمون. فبحسب قرار يعود إلى سنوات خلت، كان يفترض أن يتم نقل السفارة الروسية في بيروت من مكانها الحالي في كورنيش المزرعة الى منطقة أخرى. لكن هذا القرار ألغي، وذلك ربطاً بالحرص على الرمزية الأرثوذكسية لهذا المكان. فعمر مبنى السفارة الروسية يعود إلى مطالع القرن الماضي. وكانت ملكيته بدأت روسية، عن طريق استخدامها كمقر لبعثة إرسالية تعليمية أتت من موسكو قبل أكثر من 100 عام. لكنها أقفلت مع بدء الحرب العالمية الأولى لأسباب ذات صلة بالحرب بين روسيا والامبراطورية العثمانية التي كانت تحتل بيروت آنذاك. ويفاخر الروس هذه الايام برمزية مقرهم العريق، ويشيرون في مجال امتداحه إلى أنه يقع في حي يمتاز بالاختلاط الطائفي. ويشيرون أيضاً الى أن الإرسالية المسكونية الروسية التي نشطت انطلاقاً منه لم تتوسل كالإرساليات الغربية تحقيق نفوذ سياسي في البلد، بل مجرد نشر التعليم فيه، ولذلك لم تدرّس لغة بلدها الأم (الروسية) بل اللغة العربية فقط.
وليست هذه الصحوة الأرثوذكسية داخل الخطاب الروسي الرسمي الموجه إلى لبنان من دون خلفيات. فهي تركز على البعد الأخلاقي في مواقف موسكو، لتسفيه حملة وصف تأييدها للنظام السوري بأنه انتهازية أخلاقية. ومن ناحية أخرى يؤشر الى دور روسيا الثقافي والسياسي الذي تعتزم الاضطلاع به لحماية تنوع المشرق الديني، والمتوقع أن يتم تدشينه عملياً وعلنياً، خلال الخريف المقبل مع عقد مؤتمر «حماية مسيحيي الشرق» برعايتها في بيروت. وجدير بالذكر أن لائحة المدعوين إليه تشمل عشرات النخب المسيحية من كل المنطقة، وسيقتصر الحضور فيه على الطوائف المسيحية، أي إن عقده لن يكون مرهوناً بحضور أطراف إسلامية، كما حصل في محاولة سابقة لعقد مؤتمر مماثل في بيروت، لكنه فشل لأن جهات في الأزهر وضعت شروطاً للمشاركة فيه. والرسالة أن مؤتمر حماية المسيحيين في بيروت سينعقد بإرادة مسيحيي المنطقة التي تعبر عن تمسكهم ببقائهم فوق أرضهم، «وهذا حق ليس مرهوناً بشروط من أحد».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه