29-11-2024 02:34 PM بتوقيت القدس المحتلة

العالم يشتهي نفط لبنان (1/3)

العالم يشتهي نفط لبنان (1/3)

بدأ العدّ العكسي، أو بتعبير جبران باسيل «صرنا جاهزين ولم يعد بإمكاننا تجاهل أهميتنا». أسبوع واحد فقط يفصلنا عن كشف أسماء الشركات المؤهلة للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية


الشركات الأميركيّة تتهافت لحجز تذكرتها


حسن شقراني

بدأ العدّ العكسي، أو بتعبير جبران باسيل «صرنا جاهزين ولم يعد بإمكاننا تجاهل أهميتنا». أسبوع واحد فقط يفصلنا عن كشف أسماء الشركات المؤهلة للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية. نبدأ عرضها بتلك القادمة من القارّة الأميركية.

إنّه السبت الأخير من آذار 2013. يومها بدأ ضخّ الغاز الطبيعي من حقل «تامار» قبالة شواطئ فلسطين. سلكت إسرائيل طريق الاستقلال في هذا القطاع، تحديداً عن مصر التي كانت تستورد منها 43% من حاجتها. يحتوي ذلك الحقل على 9.7 تريليونات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي. سيُشكّل الدعامة الاستراتيجية الأساسية للدولة العبريّة في قطاع الطاقة حتّى عام 2017، حين يبدأ إنتاج حقل «ليفايثان» الذي يحوي تقريباً ضعف كمية الحقل الحالي.

ولكن تزامناً مع مراسم الإطلاق ــــ والاعتذار السياسي الذي لحقها لأنّها حلّت في اليوم الحرام اليهودي (!) ــــ كانت هناك حركة موازية في شمال منطقة المشرق في قطاع النفط أيضاً، فقد تمّ الإعلان عن الشركات التي قدّمت طلبها لدورة التأهيل التي تخوّلها المضي قدماً في مسيرة لبنان النفطية.
52 شركة حضرت من الصين شرقاً إلى الولايات المتّحدة غرباً، ترغب في حجز تذكرة على الرحلة اللبنانية. ومع هذا الحضور يُطرح سؤال أساسي: لماذا تتهافت بهذا الشكل وبهذه النوعية على هذا البلد الصغير؟

«لدينا ضعف تامار»

بداية، أكثر ما يلفت في تشكيلة الشركات المتقدّمة، والتي ستعلن المؤهّلة بينها في 18 نيسان المقبل، هو الأميركية منها. يركّز وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، وهو المسؤول الأول عن هذا القطاع، على وجودها إلى درجة أنّها «تُفضّل لبنان» على باقي بلدان حوض المتوسّط التي تشتمّ رائحة النفط والغاز في مياهها، وبينها إسرائيل. لماذا؟ «يكفي تلك الكميات الواعدة التي كشفها. فبعد مسح 60% من المنطقة الاقتصادية الخالصة، توصّلنا إلى وجود غاز وإلى احتمالات عالية جداً جداً إلى درجة التأكيد بوجود النفط أيضاً» يشرح الوزير. يؤكّد حجّته بالكشف أنّ «أحد المواقع يحوي وحده ضعفي الغاز المقدّر في حقل تامار». هذا يعني قرابة 20 تريليون قدم مكعبة في مكان واحد.
ولكنّ هناك أسباباً أخرى دفعت الشركات إلى التقدّم وجعلت وضع لبنان تفاضلياً في المعادلة النفطية في الحوض الشرقي للمتوسط، وفقاً للوزير. أوّلاً، توضح البيانات حتّى الآن أنّ لبنان يملك الكميات الأكبر بين البلدان الأخرى، وتحديداً إسرائيل وقبرص وسوريا. ثانياً، يتمتع هذا البلد بموقع جغرافي مميّز يُسهّل التواصل بين البر والبحر. فقبرص مثلاً معزولة بحراً. ثالثاً، أظهر لبنان، رغم كلّ الظروف المعقّدة، سرعة ومهنيّة بارزتين في إدارة الملف النفطي واستطاع إحداث خرق عالمي، كما أظهر جدية جذبت أكبر الشركات.
وهناك معطيات تظهر لاحقاً يُمكن أن توطّد وضعية لبنان على خارطة النفط الدوليّة، وهي «كيفيّة إدارة الموارد وعائداتها» برأي الوزير؛ فالإدارة الحسنة تعني مزيداً من التقدّم، ولكن لا يُمكن تجاهل أن لعبة السياسة قد تُطيح التقدّم.
اليوم «يُمكننا القول إنّنا من أكثر البلدان التي أجرت مسوحات لمياهها الإقليمية، أكانت ثنائية أم ثلاثية الأبعاد، قياساً بالمساحة الإجمالية»، أي المنطقة الاقتصادية الخالصة، يشرح باسيل. فكلما جرى تحليل إضافي للبيانات «نكتشف شيئاً إضافياً».
وأخيراً وقّعت وزارة الطاقة والمياه ــــ ومعها هيئة إدارة قطاع النفط ــــ عقدين جديدين لإجراء مزيد من المسوحات باستخدام تقنيّات أكثر تطوّراً لإعادة تقدير المسوحات نفسها وتحديد الأعمال المطلوبة والتكوينات والكميات المتوقعة. «المسح الإضافي يساعدنا لصياغة توجهات استراتيجية واضحة في التلزيم؛ تلك الاستراتيجية، أي الخطوط العريضة للتطوير والاستخراج، تتوقّف على مستوى المعلومات المتوافرة، لذا نحن بحاجة دوماً إلى لتعرف إلى مواردنا».

مساحة تُغري الشركات

تبلغ مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في البحر الأبيض المتوسط 22 ألف كيلومتر مربّع. ويقع جزء مهمّ من الموارد البترولية المتوقعة فيها على عمق يراوح بين 800 متر و2200 متر تحت طبقة كثيفة من الملح تصل سماكتها إلى 1500 متر في بعض الأماكن.

ويؤكّد خبراء النفط في وزارة الطاقة أنّ هذه المعطيات توجِب استخدام تقنيات خاصة وحديثة، إضافة إلى خبرات عالية للوصول إلى المكامن التي توجد تحت طبقة الملح هذه، وذلك بأسلوب صديق للبيئة يمنع وقوع الكوارث البيئية التي قد تنجم عن تسرب الموارد البترولية.

ورغم أنّ باسيل يمتنع حتّى الآن عن تقديم تقدير مباشر لقيمة الثروة الموجودة في البحر على قاعدة أنّه «ليس مناسباً الآن الحديث عن معطيات كهذه» (مع العلم بأنّ التقديرات حالياً تدور حول 120 مليار دولار)، فإنّ الكنز مغرٍ إلى درجة أنّ الشركات من كلّ مناطق العالم تريد حصّة منه (باستثناء شركات المملكة العربية السعودية وهي مسألة غريبة).
من القارّة الأميركية وحدها تقدّمت ثماني شركات؛ واحدة من كندا وأخرى من البرازيل والباقي من الولايات المتحدة. لهذه الشركات بصمة واضحة في قطاع النفط عالمياً. فعلى سبيل المثال تحمل شركة «ExxonMobil» الرقم القياسي العالمي لأعمق بئر حيث يصل عمقها إلى 12.4 كيلومتراً تقريباً في حقل شايفو في منطقة سخالين الروسيّة. تحلّ هذه الشركة في المرتبة الرابعة عالمياً على لائحة «أكبر 25 شركة نفط» لناحية الإنتاج اليومي من البراميل، التي تُعدّها مجلّة «Forbes».

شركة «Chevron»، التي تحلّ تاسعة على اللائحة المذكورة، تقدّمت أيضاً بطلب للعمل في لبنان. تُنتج هذه الشركة النفط من 11 حقلاً موزعةً بين أنغولا، البرازيل، خليج المكسيك، أندونيسيا ونيجيريا حيث يصل عمق المياه إلى2120 متراً.

من الولايات المتّحدة أيضاً هناك شركة «Anadarko» التي اكتشفت أضخم الحقول الغازية خلال العقد الماضي، وذلك في المياه البحرية مقابل الموزامبيق في أفريقيا.

إضافة إلى هذه الشركات العملاقة، تبرز من القارّة الأميركية أيضاً شركة «Petrobras» البرازيلية التي سجّلت خلال السنوات العشر الماضية 11 اكتشافاً من أصل 35 اكتشافاً عملاقاً في العالم.
(يُمكن الاطلاع على تفاصيل الشركات الست الأكبر القادمة من القارة الأميركية عبر شروحات واردة في الأسفل، باستثناء شركتي «Geopark/Petroleb» و«Levantine Exploration» الأميركيتين اللتين تُعدّان صغيرتين نسبياً).

اللحظة المنتظرة

بعد أسبوع تماماً سيُكشف عن أسماء الشركات المقبولة، وهي لحظة مهمّة تمهّد للتفاوض معها نحو تشكيل كونسورتيوم (مجموعة من ثلاث شركات في الحدّ الأدنى تعمل على التنقيب والاستخراج تحت اسم واحد) للبدء بالعمل الفعلي عام 2015، وصولاً إلى انطلاق عمليّة استخراج الموارد الطبيعية في العام اللاحق.
المهمّ اليوم في ظلّ الأجواء السياسية المشحونة أنّ ملفّ النفط يمضي قدماً بمعزل عن التطوّرات على صعيد تشكيل الحكومة، إلّا إذا شهدت البلاد تطوّرات دراماتيكيّة مرتبطة بالأحداث الدائرة في سوريا، وهو تصوّر لا يُمكن تخيّله أو حتّى توقّع تداعياته فعلاً.

غير أنّ حضور الشركات الكبرى، وتحديداً من الولايات المتّحدة، وبهذه الكثافة، يُشكّل إشارة إلى أنّ ما يُحاك دولياً يشي بتوقّع استقرار نسبي في لبنان. وهو ما يأمله شعب هذا البلد الذي انتظر طويلاً لحظة دوليّة تؤمّن هدوءاً مستداماً. ولكن الأمل معلّق أيضاً على حسن إدارة الموارد المرتقبة. إدارةٌ لن يكشف شفافيتها إلا الوقت ومعدّلات التنمية.

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه