نستعرض في الجزء الثاني من التقرير، كيف تمكنت سورية من تسيير شؤونها رغم الدمار الواسع الذي أصاب بناها التحتية ومرافقها الحيوية، هذا فضلا عن سيل العقوبات العربية والغربية والحصار المفروض عليها
صادق خنافر وحسين ملاح
نستعرض في الجزء الثاني من "لماذا لم.. ولن يسقط الاسد؟؟"، كيف تمكنت سورية، دولة ومؤسسات من تسيير شؤونها رغم الدمار الواسع الذي أصاب بناها التحتية ومرافقها الحيوية، هذا فضلا عن سيل العقوبات العربية والغربية والحصار المفروض عليها منذ الشهور الاولى للازمة.
ولعل الحقيقة الدامغة ان سورية تنزف جراء النزاع المسلح الذي اريد له تدمير بلدٍ بنى أول وحدة عربية في التاريخ الحديث مع مصر، ووقف معها ضد العدوان الثلاثي 1956، ومع ثورة تحرير الجزائر من المستعمر الفرنسي، وامتدادا لوقوفه في وجه الاحتلال الصهيوني لفلسطين منذ بدايته، والذي تجلى بالوقوف في قلب محور المقاومة، وخاصة بعد اخراج مصر عبر معاهدة كامب ديفيد والتدمير الممنهج للعراق.
سورية.. النظام
لاشك أن حجم الضغط الذي مُورس ولايزال على سورية وجيشها، كان كفيلاً بإسقاطها منذ الشهور الاولى، لكن مرت أكثر من سنتين وبقيت، رغم الجراح التي حلت بالبشر والحجر.
فمنذ بداية الأحداث (درعا آذار/مارس 2011) وحتى الآن بدا واضحاً ان الوضع السوري متجه نحو تصعيد ممنهج، رغم إقرار القيادة بأحقية بعض مطالب المتظاهرين (في بداية الأزمة)، وبحصول اخطاء على المستوى السياسي، واستعدادها للحوار واجراء اصلاحات، الا ان الامور اخذت شكل كرة الثلج المتدحرجة، بعد دخول أطراف خارجية على الخط، واستجلابها أدواتها من دكة الإحتياط الى الأرض السورية، وربطها "انهاء" الازمة بتنازلات تقدمها دمشق على رأسها فك ارتباطها بمحور المقاومة.
وضعٌ أدركته سورية وحلفاؤها واختارت التحدي، لكنها قدمت بالتزامن خطوات اصلاحية عدة، كاقرار دستور جديد واجراء انتخابات نيابية ومحلية شاركت فيها قوى معارضة للمرة الاولى. كل ذلك لم يرضِ أطرافا معارضة والقوى الإقليمية والعالمية، وأتبع بحملة إعلامية غير مسبوقة على سورية، وضغط دبلوماسي عربي وأُممي تمثل في إبعاد دمشق من الجامعة العربية، وصولاً الى اعطاء مقعدها للائتلاف المعارض، فيما نجحت روسيا والصين ومعهما اعضاء مجموعة البريكس في التصدي لمحاولة عزل سورية دولياً.
منظومة متماسكة.. سورية بامتياز
لم تكن لتصمد سورية لولا منظومة سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية ظلت متماسكة، رغم الانشقاقات المحدودة. وفي هذا الاطار يقول معاون وزير الاعلام السوري خلف المفتاح في مقابلة مع موقع المنار ان "الدولة والمؤسسات في سورية صناعة سورية بإمتياز لذلك لم تتأثر بالعامل الخارجي، ولو كانت مصنوعة خارجياً لانهارت.. وكونها انتاج محلي حافظ على هويته".
ويؤكد المفتاح "ان القيادة السورية استطاعت أن تدير اللعبة السياسية والأزمة بحكمة لا متناهية"، مضيفاً ان "الثبات النفسي عند الرئيس بشار الاسد وقدرته على ان اعطاء قيمة مضافة للعامل العسكري والمجتمعي، فضلاً عن تمكنه من الامساك باللعبة الدولية والاقليمية، ساهم في حشد دعم اقليمي ودولي قوي، وخلق نوع من التوازن حمى الدولة السورية من السقوط".
ومن أبرز العوامل التي ساعدت سورية على الصمود في وجه الأزمة:
- عرفت كيف وعلى من تراهن في الخارج.
- عدم السماح بتمرير مؤامرة خارجية فضحت نفسها بعد فشل أدواتها.
- شخصية الرئيس بشار الأسد التي لم تكن مكروهة.
- البديل المطروح ليس بحجم أحلام وامنيات الشعب السوري.
- تماسك المنظومة العسكرية والسياسية والإقتصادية.
- النظام ما زال يتمتع بشعبية واسعة، وفق احصاءات غربية وعربية.
سورية.. الإقتصاد
تخوض سورية مواجهة لا تقل ضراوة عن المعارك الدائرة ضد المسلحين، تتمثل في التصدي للحصار الإقتصادي الغربي والعربي عليها، والإستمرار بتسيير عجلة الاقتصاد وتأمين الموارد المالية وإيصال الخدمات من طبابة وكهرباء وطاقة.. الخ الى المواطنين.
ورغم العقوبات وتشديد الضغط، نجحت الحكومة السورية في تقليل الخسائر عبر اعتماد سياسة الاتجاه شرقا، والاستفادة من الخبرات، الامر الذي مكن السوريين من الاستمرار من تسيير شؤون الدولة، بالرغم من ارتفاع وتيرة النزوح الى داخل وخارج البلاد، وحافظت مؤسسات الدولة على عملها، رغم الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية والمرافق الحيوية، من محطات توليد الكهرباء وتكرير النفط وشبكة الطرقات العامة، الا أن ذلك لم يمنع الحكومة من ان تحافظ على حد ادنى من الاستقرار النقدي والمالي.
بين الانفتاح والإكتفاء الذاتي
قبل العام 2000، اعتمدت سورية طيلة العقود الماضية سياسة اقتصادية شكلت الدولة فيها المحور الأساسي. فالقيادة السورية ومنذ الرئيس الراحل حافظ الاسد لم تربط اقتصادها بالمساعدات الغربية او ما يعرف بالنظام الرأسمالي بل اتبعت سياسة الاكتفاء الذاتي زراعيا ونفطيا والى حد ما صناعيا، وقننت الاستيراد من الخارج وأعطت الاولوية للانتاج المحلي.
ولكن بعد العام 2000، عمدت سورية وخاصة في السنوات الاخيرة قبل الازمة الى الانفتاح الإقتصادي على جيرانها من ايران والعراق وتركيا وحتى دول خليجية، اضافة الى مجموعة البريكس، ودول أمريكا الجنوبية، وحتى بعض الدول الاوروبية، ووقعت العديد من الاتفاقيات معها، لكن دون ربط اقتصادها بالمعايير الغربية.
تنوع وانتاج
وفي هذا السياق، يرى معاون وزير الإقتصاد السوري حيان سليمان لموقع المنار ان "الاقتصاد السوري من خلال طبيعته متنوع وانتاجي.. وسورية من اقل دول العالم مديونية، ولها علاقات مع دول وازنة كروسيا والصين والجمهورية الايرانية، جعلتها تتمكن من مواجهة الأزمة التي كان لها تأثيراً ولكن أقل من المتوقع".
ويؤكد سليمان أنه "لا توجد مؤسسة أو موقع إقتصادي تأخر عن سداد رواتبه، والدليل على ذلك ان الموازنة السنوية لعام 2013 قد زادت عن عام 2012، وعن كل الموازنات السابقة، ولدينا من الاحتياط النقدي ما يكفي، والان نسعى للتأقلم الايجابي مع ظروف هذه المؤامرة والحرب الحقيقية". ويضيف أن "العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول العربية موجودة، وتتجذر مع ايران ومع روسيا والصين، وغيرها من الدول الصديقة".
اكتفاء ذاتي
طبعا هذه السياسة كان لها ايجابياتها وسلبياتها، لكنها انتجت بلدا يتمتع بمقومات اقتصادية وعسكرية لا يملكها بعض الدول التي تتغنى بنعمة النفط.
وحول هذا الموضوع يقول نائب رئيس مجلس الشعب السوري خالد العبود لموقع المنار أن "العلاقة الرابطة بين الشعب وبين رأس المنظومة السياسية مقبولة اذا ما قيست بعلاقة شعوب المنطقة بقياداتها". ويضيف "لو عدنا الى مؤسسات الدولة لوجدنا مثلا على المستوى الاقتصادي رغم الحصار الذي مورس ضد سورية، ومحاولات التضييق طيلة العقود الماضية، لوجدنا العنوان في الاقتصاد والزراعة والصناعة يقول، يجب لهذا الشعب ان يأكل أقل مما ينتج ومما يزرع ويستثمر، بالتالي اصبح لدينا عنوان اسمه الاكتفاء الذاتي، سوريا تستطيع أن تقول بأنها دولة مكتفية ذاتيا، وأعتقد بانها الدولة الوحيدة على مستوى المنطقة مكتفية ذاتيا".
الصناعة.. تدمير وسرقة
وفي المجال الصناعي، وكما هو معروف فإن سورية كانت تعتمد بشكل كبير على مصانعها المحلية وشكلت مدينة حلب الرئة الاقتصادية، ووُصفت بانها العاصمة الثانية كونها تشكل قلب الحركة المالية والصناعية السورية. واللافت ان المدينة التي تضم زهاء مليونين ونصف المليون نسمة ظلت لفترة طويلة بعيدة عن الاحداث حتى الصيف الماضي حين تسلل اليها الاف المسلحين ضمن خطة مسبوقة للسيطرة على المدينة، وهو ما لم يتكلل بالنجاح مع عمليات الجيش السوري.
تقديرات سورية تشير الى ان التسلل الى المدينة تم بعملية استخباراتية نسقتها الحكومة التركية التي سرقت مصانع حلب، وتأكيداً يقول الخبير الإقتصادي حيان سليمان لموقع المنار "ان رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي يسعى الى تدمير المنشات السورية، وسرقة خطوط الانتاج خاصة في الصناعات التي تنافس الصناعة التركية، مثل الغزل والنسيج والمواد الغذائية والطبية، كذلك مصانع الاسمنت وبيعها كخردة بأبخس الاثمان". ويضيف "سورية تعرضت لسرقتين واضحتين السرقة الاولى عام 1865 حيث قام العثمانيون بنقل كل المهن والحرف الى الاستانة، وسرقة ثانية عام 2012 تمت بأوامر من رئيس مجلس وزراء تركيا وحزب العدالة والتنمية، حيث تم توجيه عصابات اجرامية لنقل وفك كل هذه الصناعات ونقلها الى اسطنبول".
ووفق سليمان فان "هذه القضايا لم تتوقف عند الصناعة بل اضرت الاقتصاد الوطني وأدلل على كلامي من خلال سرقتهم لابار النفط وحرقها وترك هذه العصابات تعيث فسادا ضد البشر والشجر والحجر، كما سرقوا مواسم الحبوب وقطعوا اشجار الزيتون وغيرها، كما سرقوا السلع من المستودعات". وحول ما إذا كانت الدولة التركية على علم بذلك، يجيب "لقد تم تصوير هذه الآلات حين ادخالها عن طريق معبر باب الهوى على الحدود التركية، وهذه الالات لا يمكن نقلها الا بسيارات كبيرة ذات اوزان شحن كبيرة ولا يمكن ان تمر الا من منافذ حدودية محددة"، مضيفاً "عملية السرقة لم تشمل الجانب الصناعي بل شملت كل مجالات الاقتصاد الاخرى وتقدر الخسائر بأكثر من 300 مليار ليرة سورية اضافة الى الخسائر المعنوية والبشرية والى الاضرار".
الاعلام.. تحديات ومواجهة
لا مبالغة في القول ان الاعلام كان أحد الاسباب الاساسية في تسعير الازمة السورية ودفعها الى ما وصلت اليه، حيث استخدمت أكثر من مئتين مؤسسة اعلامية عربية وعالمية، كأداة حربية في المعركة مع سورية، فكان من الطبيعي حصول اختلال كبير في التوازن، خاصة وان تلك المؤسسات مدعومة من دول وحكومات سخرت مليارات الدولارات لبناء "امبراطوريات اعلامية".
لذلك عانى الاعلام السوري (المرئي والمسموع والالكتروني) من ثغرات واضحة عند بدايات الاحداث، ووجد نفسه في معركة غير متكافئة وغير مجهزٍ لها، ولكن مع مرور الوقت استطاع تقليص الهوة في التغطية مع الاعلام المنافس، وفق الامكانات المتاحة.
بعد الازمة.. إعلام مختلف
معاون وزير الإعلام السوري خلف المفتاح يؤكد لموقعنا أن سورية "تخوض حربا اعلامية غير مسبوقة، فالاعلام المضلل تحرك في مناطق الفراغ التي تركها الاعلام الرسمي، ولكنه استطاع أن ينهض ويتكيف مع الازمة، ويستعيد جمهوره لقربه من الحدث، وايضا لتقديمه خبرا لا يغاير الواقع". ويضيف ان "الاعلام السوري رغم انه وجد نفسه في معركة غير متكافئة الا انه استطاع من خلال ارتباطه بالواقع ان يؤثر ويكتسب جمهورا واسعا".
المفتاح يشير الى "دور الاعلام المقاوم وكذلك الاعلاميين والمثقفين والكتاب العرب الذي ساهم في تنوير الراي العام وعدم ترك فراغ، ومواجهة هذه الحملة الدولية ومحاولة التأثير في الرأي العام العالمي الذي اصبح مؤثراً في اتخاذ قرارات على مستوى اقليمي ودولي... ولا ننسى شبكات التواصل الاجتماعي، وايضا الجيش الالكتروني السوري".
ويلفت معاون وزير الاعلام في حديثه لموقع المنار الى أن "المعركة هي بين المقاومة وقوى الهيمنة وأي شخص قادر ان يؤثر في ساحة المواجهة"، مضيفاً أن "معركة الوعي كانت هامة، وعي المعركة وابعادها ساهم في اختصار الطريق والتضييق عبر وسائل الاعلام التي تمتلك تقانة ومال ومع الاسف ابواقا قادرة على ان تؤثر في مساحات معينة".
دور الاعلام السوري في هذه المرحلة، دفع دوائر القرار في العالمين العربي والغربي الى التبنه، فتم عزل الفضائيات السورية عن الاقمار العربية والاوروبية، في وقت شنت حملات ترهيب واسعة ضد العاملين في القطاع الاعلامي، وتم استهداف عدد من الكوادر الاعلامية، وصولا الى تفجير في التلفزيون السوري وتدمير مبنى الاخبارية.
لأنها تختلف عن الجميع
سورية ورغم شراسة الهجمة على كافة الصعد استطاعت أن تصمد ولم تسقط، لأنها تختلف عن الجميع، وما يجري فيها يختلف عما جرى في غيرها.. فــ:
الثورة الروسية الشيوعية استغرقت: شهرين
الثورة الفرنسية الليبرالية: ثلاث اسابيع
الثورة الايرانية : 6 اشهر
وما سمي بـ"الربيع العربي"، فــ:
تونس: 15 يوما
مصر: شهرين
ليبيا: 10 اشهر
اليمن: سنة
أما
سورية = صامدة..
لماذا لم.. ولن يسقط الأسد؟؟ (1/7)
لماذا لم.. ولن يسقط الأسد؟؟ (2/7)
لماذا لم.. ولن يسقط الأسد؟؟ (3/7)
لماذا لم.. ولن يسقط الأسد؟؟ (4/7)
لماذا لم.. ولن يسقط الأسد؟؟ (5/7)
لماذا لم.. ولن يسقط الأسد؟؟ (6/7)
لماذا لم.. ولن يسقط الأسد؟؟ (7/7)