29-11-2024 02:54 PM بتوقيت القدس المحتلة

قراصنة طرابلس: أقوى من الحريري

قراصنة طرابلس: أقوى من الحريري

أفلتت ميليشيات طرابلس من عقالها. استشعر قادتها نشوة القوّة، فخرجوا بالفيحاء على الدولة




رضوان مرتضى

أفلتت ميليشيات طرابلس من عقالها. استشعر قادتها نشوة القوّة، فخرجوا بالفيحاء على الدولة. الأمر لهم. الخوّات تُجمع لصالح «المجهود الحربي ضد الجبل»، أو دعماً لـ «الجهاد». أما أجهزة الدولة فإما متواطئة أو لا تجرؤ على الاقتراب.

لم يسلم الرئيس رفيق الحريري نفسه من فارضي الخوّة. احتلّ عبد الهادي حسّون قطعة أرض تعود لورثته بالقوّة. لم يُذعن للمطالبة بإخلائها، فادّعى عليه أيمن رفيق الحريري أمام القضاء. لم يزحزح ذلك حسّون. وكما في كل مرّة، لم يجرؤ عناصر قوى الأمن على تبليغه بالدعوى إلى زيارة مخفر الشرطة. أقام الرجل في الأرض الموجودة في أبي سمراء موقفاً عمومياً ومغسلاً للسيارات، ثم أنشأ فيها خيمة جهّزها بكاميرات مراقبة لمسلّحيه، واستخدم جزءاً منها لتخزين صخور يستخرجها من مقلع يملكه في الضنّية.

لم تنفع الطرق القانونية، فكان أن دفع آل الحريري لحسون «خلوّاً» قيل إنه وصل الى 800 ألف دولار. «اقتنع» حسون بالمبلغ المرقوم وترك أرض الحريري ليحتلّ أرضاً عائدة لدائرة الأوقاف في طرابلس. لم يعبأ بدعوى رفعتها إدارة الأوقاف ضده، فأقام عدداً من الإنشاءات على أرض الوقف في محلة زيتون أبي سمراء رافضاً مغادرتها. مآثر حسّون المطلوب بأكثر من ٨ مذكرات توقيف كثيرة. وفضلاً عن إنشائه مكتباً على أرض تابعة لبلدية طرابلس، احتلّ بناءً يعود لآل اليمق، وطلب نصف مليون دولار مقابل إخلائه.

لن تجد أحداً في طرابلس لا يعرف حسون. «أكبر شبّيحة طرابلس» عمل سابقاً مع الاستخبارات السورية. يقول عارفوه إنه انتقل بعد ذلك إلى كنف الوزير سليمان فرنجية قبل أن يبتعد عنه إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليعمل تحت إمرة الرائد نبيل السامرجي المعروف بـ«أبو أحمد» الذي كان مسؤولاً عن «أفواج طرابلس»، تجربة الجناح المسلّح لتيار المستقبل، ويتولى قيادة «أفواج أبي سمراء». وبعد تولّي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، تقرّب منه، وهو يُعد اليوم أحد أبرز كوادره إلى جانب أبرز قادة المحاور في باب التبانة سعد المصري. يتنقل في موكب مؤلف من خمس سيارات، ويحيط نفسه دائماً بالمسلّحين. يتردد أن في حقّه ٨ مذكرات توقيف، إلا أنه لم يُستدع يوماً للتحقيق. يُجالس
معظم القادة الأمنيين، وكان قريباً جدّاً من المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وتربطه علاقة طىبة بمدير الاستخبارات في الشمال العميد عامر الحسن.

«ضرائب» و«رسوم»

حال ورثة الحريري، بالتأكيد، أفضل من باقي أبناء طرابلس الذين يحكمهم «قراصنة» الميليشيات، فيما الأجهزة الأمنية، كلها، لا تُمارس سُلطتها إلا على الضعفاء. العاصمة الثانية تئنّ، اليوم، تحت طائلة «الضرائب» و«الرسوم» التي يفرضها قادة الميليشيات المتحكمون بأبنائها.

جديد هؤلاء «ضريبة» فرضها قائد إحدى المجموعات المسلّحة سعد المصري، الذي يلقّب بـ رجل الميقاتي»، على معظم التجّار في المدينة تحت اسم «دعم المجهود الحربي ضد الجبل». لا يقتصر «الرسم» على العلويين من السكّان. التجار السنّة باتوا مستهدفين أيضاً. «رسم العلويين» يشبه الجزية، أما «رسم السنّة» فـ«دعمٌ للجهاد». ومن يعترض فـ«ذنبه على جنبه»: قد يُحرق متجره أو تطلق النار على منزله أو عليه أو على أحد أفراد عائلته. حصل ذلك مع صاحب أحد المولدات الذي فرض عليه حسّون «رسماً» شهرياً قدره ١٥٠٠ دولار، ولمّا رفض أن يدفع، تعرّض منزله ومنزل عمّه للرصاص ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف العائلة. كما اعتدي بالضرب المبرّح على أحد العاملين لديه (ح. غ.) إمعاناً في الإرهاب.

المصري الذي أجبر تجار سوق الخضر وبائعيه على اصدار بيان ينفي فرضه أي خوّة عليهم، أمر أحد قادة المجموعات المسلّحة زياد علّوكة بفرض خوّة مماثلة تتراوح بين ألف دولار وخمسة آلاف تسدّد نقداً أو بالتقسيط، على سوق القمح تحت الاسم نفسه. وبعد الضجة التي أثارها الأمر، سُمع المصري يتحدث هاتفياً مع أحد الضباط الأمنيين الذي بدا أنه يعاتبه على ما قام به من دون ابلاغه، فقال: «والله يا سيدنا القصة صارت المسا. تاني يوم صارت بالجريدة وما كان معي خبر إنّ حا تصير بالجريدة». وعلمت «الأخبار» أن المدعو عزم شعبو يتقاضى «الخوّات» لصالح المصري.

«عائدات» مسلحي طرابلس تشمل أيضاً فرض «رسوم» على الصهاريج المحمّلة بالمازوت تحت شعار «منع دعم نظام بشار الأسد». لكن «الشعار النبيل» سرعان ما يختفي إذا ما دفع مالكو الصهاريج «المعلوم»ّ وفي هذا السياق، نشب أخيراً خلاف بين المصري وقائد احدى المجموعات المسلّحة في منطقة البدّاوي المعروف بـ«عامر أريش». فبعد حرق عدد من صهاريج المازوت، قبض «أريش» مبلغ 25 ألف دولار للسماح بإعادة مرور الصهاريج، لكن المصري أصرّ على منعها قبل أن يعود ويوافق. وفي هذا السياق، اتهمت مصادر طرابلسية المصري و«أريش» بـ«عقد صفقات مع النظام السوري». ولفتت المصادر إلى اعتراض «أريش» على قطع متظاهرين الطريق احتجاجاً على تأخير دفع التعويضات للمتضررين من الاشتباكات، ومحاولته إعادة فتح الطريق بالقوة، مدرجة ذلك ضمن «تسوية حصلت برعاية قادة أمنيين، تضمن مرور الشاحنات مقابل ضريبة تُدفع لمسؤولي المسلّحين».

يعد حسّون والمصري وأريش وعلّوكي أبرز فارضي «الخوّة» الذين يتمتعون بغطاء سياسي وأمني يحول دون توقيفهم. لكنهم ليسوا الوحيدين، إذ إن هناك آخرين باتوا يحذون حذوهم. من هؤلاء عبدالله الصبّاغ وأبو خليل حلّاق اللذان يشكو أحد تجار التبانة من قيامهما بإحراق متجره بعدما رفض دفع «الخوّة». يقول الرجل إنه اتّصل بضابط في استخبارات الجيش شاكياً من أن مسلّحين هدّدوه بإحراق متجره، فـ«نصحه» الأخير: «أعطهم ما يُريدون. لا يمكننا أن نفعل لهم شيئاً». تاجر آخر لم يجد بداً من إقفال متجره يقول لـ«الأخبار»: «إذا حطيت فردي على خصري توقفني الاجهزة الأمنية عالحاجز، أما المسلّحون الزعران فإن أحدا لا يجرؤ على توقيفهم لأنهم محميون من الأجهزة الأمنية».

الاحتقان في طرابلس بلغ أشده. موجة استياء عارم تسود المدينة. الوُجهاء والمشايخ يدينون هذه «الأعمال المشينة التي تؤلّب الأهالي علينا». ولهذه الغاية، عُقدت سلسلة اجتماعات أبقيت مفتوحة لمحاولة استيعاب ما يجري. وفي أحد الاجتماعات الذي عُقد في منزل النائب محمد كبارة، في حضور كل من الشيخ سالم الرافعي والحاج حسام الصبّاغ والشيخ حسام صيادي، جرى بحث مسألة الخوات التي فرضها المصري على تجار سوق الخضار في باب التبانة. وقد أقرّ كبارة بأن المسألة بدأت «تخرج عن سيطرتنا كنواب، والأمر سينعكس سلباً على الاقتصاد وعلى سمعتنا في المدينة»، مستغرباً اعطاء شرعية للعمل الذي قام به المصري من قبل بعض المشايخ بذريعة أنّ الخوّة المفروضة هي من جيب التجار السوريين. وقد تم الاتفاق على وضع حد لهذه الظاهرة.

وفي اجتماع آخر في منزل أحد المشايخ، اتّفق على معالجة موضوع الخوات، بعدما أبدى الحضور استياءهم من الأمر. وقرّر المجتمعون اللقاء بفارضي الخوات، خصوصاً المصري وعلوكة واريش المقرّبين منهم، مهددين بعقد مؤتمر صحافي يتبرّأون فيه من هؤلاء ويدعون الجيش الى معالجة الموضوع، وفي حال لم يقم الجيش والقوى الأمنية بدورهم «فسنتدخل لمنعهم بالقوة».

 

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه