يُنظر إلى المعلومات والخبرات، التي تتراكم في شعبة الاستخبارات وتتسرب منها لاحقاً إلى الاقتصاد المدني الإسرائيلي، على أنها حولت إسرائيل إلى إحدى الدول الرائدة في ميدان التكنولوجيا و«Big Data»
للمرة الأولى تجد أرقاماً تُوضح لك عملاً استخبارياً. فالأرقام في جوهرها قيمة عددية، تشير إلى الكم، ولكنها، خصوصاً عندما تزاحم بعضها وتتكثف، تتحول، وفق المنطق الهيغلي (الجدلي)، إلى قيمة نوعية. وللمرة الأولى تجد عنواناً في صحيفة «هآرتس» عن الاستخبارات يشدك رغماً عنك لقراءته، بالرغم من أنه يشير إلى قيمة كمية وليست نوعية. فهو يقول «مليار جيغا: سعة تخزين شعبة الاستخبارات العسكرية، وهي تشبه سعة تخزين غوغل وفايسبوك». وبعيداً عن معارف الأخصائيين تعرف أن مليار جيغا يعني أيضاً «إيكسا»، احفظوا هذا الرقم الجديد.
كتب حلمي موسى في جريدة السفير :
وأشارت مجلة «ذي ماركر» الاقتصادية التابعة لـ«هآرتس» أنه عندما تُقاس المعلومات الاستخبارية بالـ«تيرا بايت»، فإن شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي هي مركز تخزين المعلومات الأكبر في إسرائيل. ولمناسبة الذكرى الـ65 للنكبة الفلسطينية وإعلان دولة إسرائيل، نشر الجيش الإسرائيلي معطيات جديدة تشير إلى العمق التكنولوجي لورش التكنولوجيا العالية الدقة المحلية.
وهكذا فإن شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) لا تجند سوى واحد من كل خمسة مرشحين للخدمة فيها. وتختار واحداً فقط من بين كل 81 مجنداً للعمل في مجال السايبر (الانترنت). ويخدم فيها حالياً 430 جندياً حريدياً في إطار خطة خاصة. وتنظم الشعبة في قواعدها دورات خاصة يحضرها 14 ألف جندي وضابط سنوياً في نطاق 70 دورة أساسية، وأكثر من 160 دورة متقدمة.
وتتراوح أعمار 60 في المئة ممن يخدمون في شعبة الاستخبارات العسكرية ما بين 18 و21 عاماً، وهي سنوات الخدمة الإلزامية. أما متوسط عمر من يشغلون منظومات الأقمار الصناعية في شعبة الاستخبارات فهو 20 عاماً مقابل 35 في الدول الغربية. وعلى الأقل أنشأ خريجو شعبة الاستخبارات الإسرائيلية ما لا يقل عن 150 شركة تكنولوجيا عالية الدقة.
وبحسب الصحيفة، فإن عمليات شعبة الاستخبارات التي تتم غالباً بعيداً عن أضواء الإعلام وأعين الجمهور، أضفت على الشعبة والعاملين فيها مكانة غامضة. وحظي خريجو الشعبة بالمجد عندما أنشأوا شركات تكنولوجية استندت إلى الخبرات التي راكموها أثناء خدمتهم العسكرية، وباعوها بمئات الملايين من الدولارات. والمعلومات التي تكشف عنها الشعبة تظهر عمودّي أساس الشعبة: القوة البشرية النوعية ومنظومة تكنولوجية متطورة.
إن شعبة الاستخبارات الإسرائيلية، بين الشُعب الأكبر في الجيش الإسرائيلي، وهي تتكون من سلسلة من الوحدات التي لا يزال بعضها سرياً، وأخرى معروفة بأشكال مختلفة وبأسمائها الكودية، مثل «وحدة 9900» (استخبارات ظاهرية وجغرافية)، «وحدة 8200» (استخبارات الإشارة)، لواء الأبحاث أو لواء «حيتسب» (استخبارات علنية). وتتولى شعبة الاستخبارات مسؤولية جمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها، بهدف تكوين صورة وضع داعمة للقرارات السياسية والعسكرية. ويستفيد الشبان الذين يخدمون في هذه الشعبة وينخرطون بعد تسريحهم من الخدمة الإلزامية في الشركات التكنولوجة المحلية.
وتولي إسرائيل منذ تأسيسها اهتماماً خاصاً بالاستخبارات التي توفر لها تفوقاً استراتيجياً. وفي عهد تُقاس فيه المعلومات بالـ«جيغا بايت» والـ«تيرا بايت»، من الواضح أن شعبة الاستخبارات هي الجهة التي تملك أكبر سعة تخزين في إسرائيل، وهي سعة تزيد عن كل سعات شركات الإعلام والاتصال أو الانترنت.
وتملك الشعبة أكثر من 30 «آي بي» (IP) يستخدمها بشكل منتظم وتمثل شبكة التواصل الأكبر في الجيش. وتستخدم يومياً ما يعادل مئة «تيرا بايت» أي قدرة تعادل سعة 320 جهاز «آيباد» كل منها بحجم 32 جيغا.
كما أنها تملك مركز معلومات مستقلا يحوي ويدير أكثر من «هيكسا بايت» (مليار جيغا بايت) من المعلومات. وهي سعة تخزين تعادل أكثر من ملياري حاسوب بيتي. وبغرض المقارنة، فإن «غوغل» و«فايسبوك»، وهما شركتان تديران معلومات مليارات من المستخدمين، تحتفظان بمراكز معلومات مشابهة في سعتها.
كذلك، فإن واقع أن شعبة الاستخبارات هي مستهلك المعلومات الأكبر في إسرائيل، ولديه الحواسيب الأكبر، فإنه أيضاً مستهلك طاقة رئيسي بشكل يؤثر على قطاع الكهرباء في الدولة العبرية. وتستهلك الشعبة 132 مليون كيلو وات سنوياً.
ولكن يُنظر إلى المعلومات والخبرات، التي تتراكم في شعبة الاستخبارات وتتسرب منها لاحقاً إلى الاقتصاد المدني الإسرائيلي، على أنها حولت إسرائيل إلى إحدى الدول الرائدة في ميدان التكنولوجيا و«Big Data»، وهو ميدان يجذب مستثمرين من كل أرجاء العالم. ويتعذر على أي باحث أن يتخيل كيف كانت ستبدو الصناعات التكنولوجية الإسرائيلية من دون مراكز المعلومات التي نشأت في شعبة الاستخبارات في ميادين، مثل تأمين المعلومات أو شبكات الاتصال.
ويخلص تقرير «ذي ماركر» إلى أن 50 في المئة من ميزانية المشتريات في شعبة الاستخبارات مكرسة للوحدات الفنية. وقد توسعت هذه الوحدات بشكل هائل في العقدين الأخيرين. وعلى سبيل المثال، فيما لم يكن بوسع شعبة الاستخبارات في التسعينات تسجيل أكثر من 480 اتصالاً في الوقت ذاته يومياً، تمتلك الشعبة حالياً القدرة على تسجيل عشرات ملايين الاتصالات يومياً.