أثار التوتر الدولي بين الكوريتين اهتمام العالم بأسره، وذلك إثر تهديد الدولة الشمالية لجارتها الجنوبية بهجوم نووي، وانشغال العالم بتخفيض هذا التوتر بعد تهديدات أميركية مقابلة
حلمي موسى
أثار التوتر الدولي بين الكوريتين اهتمام العالم بأسره، وذلك إثر تهديد الدولة الشمالية لجارتها الجنوبية بهجوم نووي، وانشغال العالم بتخفيض هذا التوتر بعد تهديدات أميركية مقابلة. ودفع هذا الأمر بعض المعنيين ـ خصوصاً عندما ثبت أن الجزء الأكبر من التهديدات يتعلق بصواريخ تحمل أسلحة تقليدية أو غير تقليدية ـ إلى التساؤل عن سبب غياب الاهتمام بمنظومات الدفاع الصاروخي التي طورتها إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة.
ولم يسمع أحد أن حكومتَي كوريا الجنوبية أو اليابان سارعتا إلى طلب عروض أو شراء بطاريات من إسرائيل، خصوصاً أن حشد بطاريات صواريخ الباتريوت، مثلاً، لم يتوقف. وبديهي القول إن إسرائيل كثيراً ما عرضت منظوماتها العسكرية على كوريا الجنوبية، وكثيراً أيضاً ما تبادلت معها الصفقات والخبرات العسكرية.
وقد أثير التساؤل عموماً بسبب تعاظم الخطر الصاروخي الكوري الشمالي من ناحية، والقدرة الاقتصادية الكورية الجنوبية من ناحية أخرى. ولكن ما هو أهم من ذلك أن عاصمة كوريا الجنوبية سيول التي تحوي ما لا يقل عن 11 مليون نسمة، لا تبعد عن خط الحدود مع كوريا الشمالية أكثر من 55 كيلومتراً فقط. وبالإضافة إلى كل هذا، هناك الحماس الإسرائيلي لتصدير منظومة «القبة الحديدية» من أجل تقليص تكلفة إنتاجها من ناحية، ولنيل اعتراف دولي بكفاءتها من ناحية أخرى. وهذا ما جعل السؤال أشد وضوحاً: كوريا بحاجة ماسة إلى منظومة صاروخية مضادة للصواريخ من النمط الذي طورته إسرائيل، والأخيرة تواقة لبيع هذه المنظومة، فلماذا لا تناقش مثل هذه الصفقة ولماذا لا تتم؟
والواقع ان هذا السؤال طُرح في موقع مجلة «فورين بوليسي» الأميركية. وجاء الجواب الأولي أن الثمن الباهظ للمنظومة الإسرائيلية يشكل العائق المركزي لتصديرها، لكنه ليس العائق المهم الوحيد. فليس مؤكداً أن المنظومة الإسرائيلية تصلح للرد على التهديدات الكورية الشمالية. وتكشف المجلة عن أن إسرائيل عرضت المنظومة خلال مباحثات مع كوريا الجنوبية حول صفقة من هذا النوع، إلا أن الصفقة باءت بالفشل، ما دفع بالكوريين إلى البحث عن طرق أخرى، من بينها تكثيف بطاريات الباتريوت على البر، ونصب صواريخ «إيجيس» على مدمرات بحرية، فضلاً عن نشر منظومة صواريخ محلية. فقد حاولت كوريا الجنوبية، من دون نتيجة، مقايضة بطاريات قبة حديدية من الإسرائيليين مقابل منظومة أسلحة وطائرات تدريب كورية جنوبية.
والحقيقة هي أن الخبراء الكوريين الجنوبيين يعتقدون أن منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية لا تصلح في الواقع الكوري. فمنظومات الصواريخ المتوفرة لكوريا الشمالية وأعدادها لا تشبه ما هو قائم في فلسطين، ولا ذلك الذي حولها، الأمر الذي يعني أن مواجهتها تتطلب أعداداً هائلة من منظومات القبة الحديدية من أجل حماية سيول وحدها. وفي هذه الحالة، وحتى لو كانت منظومة القبة الحديدية بالنجاعة التي يدعيها الإسرائيليون، فإن الاستثمار فيها مكلف جداً بشكل غير مبرر.
ولكن لا خلاف البتة حول التكلفة، فيما تأكد الخلاف حول الجدوى. فمنظومات الصواريخ المضادة للصواريخ بعيدة المدى تشبه في تكلفتها منظومات الصواريخ ذاتها، ما يعني تكلفة متشابهة تقريباً على الطرفين، وهذا ليس حال منظومة القبة الحديدية. فتكلفة إطلاق قذائف مدفعية أو صواريخ لمدى قصير تقاس بـ«القروش» مقارنة بالتكلفة الباهظة للقبة الحديدية. ومعروف أن تكلفة كل بطارية «قبة حديدية» تقدر بحوالى 50 مليون دولار، فيما تكلفة كل صاروخ تطلقه يقدر بـ50 إلى 80 ألف دولار. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأميركية ساهمت في تمويل القبة الحديدية الإسرائيلية بـ270 مليون دولار حتى العام 2010، ومن المتوقع أن يصل تمويلها حتى 600 مليون دولار قريباً.
غير أن الأمر، تحت السطح، يرتبط بمدى ثقة الكوريين بصدق ادعاء الإسرائيليين أن منظومة «القبة الحديدية» أفشلت 80 في المئة من الصواريخ، التي أطلقت من قطاع غزة خلال عدوان «عمود السحاب» في العام الماضي. ومعروف أن الكثير من خبراء الصواريخ في العالم يعترضون على الإدعاء الإسرائيلي هذا برغم تأييد البنتاغون الأميركي له.
وكان الخلاف قد تفجر الشهر الماضي في إسرائيل والولايات المتحدة أيضاً، حول مدى جدوى ودقة إصابة صواريخ القبة الحديدية، وقد وصلت بعالم أميركي إلى حد وصف المنظومة الإسرائيلية بأنها «قبة الأوهام». فقد كتب عالم الصواريخ اليهودي الأميركي المشهور البروفيسور ثيودور بوستول من جامعة «إم آي تي» انه «إذا كان تعريف الاعتراض الناجح للقبة الحديدية هو تدمير الرأس الحربي للصاروخ المهاجم، فإن نسبة الاعتراض الناجح خلال عملية عمود السحاب كانت متدنية جداً، وربما خمسة في المئة فقط». وجاء هذا الاستخلاص من بوستول، المتخصص في الدفاع ضد الصواريخ، ضمن أبحاث أجراها مع اثنين آخرين من العلماء أحدهما الدكتور الإسرائيلي مردخاي شيفر، وآخر لم يُكشف عن اسمه، ويعمل في شركة إنتاج صواريخ «باتريوت». وتوصل الثلاثة إلى خلاصة واحدة هي أن النتيجة التي يعرضها الجيش الإسرائيلي، والتي حدد نسبة نجاحها بـ84 في المئة، ليست صحيحة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه