دعا الحاخام الصهيوني العراقي الأصل أوفاديا يوسف، أن "ينزل الله الطاعون على الفلسطينيين البغضاء الذين يضطهدون إسرائيل". ودعا الله أن "ينتقم من العرب ويبيد ذرّيتهم
دعا الحاخام الصهيوني العراقي الأصل أوفاديا يوسف، وهو أحد كبار رجال الدين في الكيان الإسرائيلي، في إحدى عظاته الأسبوعية، العام الماضي، أن "ينزل الله الطاعون على الفلسطينيين البغضاء الذين يضطهدون إسرائيل". ودعا الله أن "ينتقم من العرب ويبيد ذرّيتهم ويسحقهم ويخضعهم ويمحوهم عن وجه البسيطة". وأوصى اليهود بالشدة مع العرب "ممنوع الإشفاق عليهم، يجب قصفهم بالصواريخ بكثافة وإبادتهم. إنهم لشريرون".
وهو بتلك التعبيرات يقترب بشكل مباشر من روايات الثأر والانتقام والاعتداء والقتل التي تطغى على كلّ ما يرد في النصوص التوراتية والتلمودية المتداولة حالياً، وهي لا تخلو من الغدر والخيانة والحضّ على الاستعلاء والعدوان والتسّلط والعزلة وضرورة التوّجس من الأغيار والتّرفع عنهم، وهو ما اتخذته الصهيونية منهجاً رئيساً وأعادت تشكيله بما يتّفق والواقع الراهن. قد لا يثير هذا الكلام استغرابنا لما ينم عنه من عنصرية حاقدة وثقافة فاشية يتميز بها قادة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. ولكن الغريب عندما نعرف أن المجتمع الإسرائيلي تلقف ما قاله هذا الحاخام الحاقد بتفهم كبير وتضامن أكبر وهذا ما يثير التساؤل لدينا عن طبيعة هذا المجتمع الذي يشكل الدين فيه عنصرا رئيسياً طاغياً على اختلاف تكويناته الأخرى.
وكلنا نؤمن بالعدائية التي تحكم علاقتنا مع هذا المجتمع الهجين، ولكن قلة ربما يعرفون طبيعته الاجتماعية وكيفية تكوّن طبقاته الدينية والنفسية. فإن أحببت أخي القارئ أن تتعرف عن كثب عن طبيعة المجتمع الصهيوني، وهو عدونا الأول والأخير، ننصحك باقتناء هذا الكتاب "الدين والسياسة في إسرائيل:دراسة في الأحزاب والجماعات الدينية في إسرائيل ودورها في الحياة السياسية" للدكتور عبد الفتاح محمد ماضي، الصادر عن مكتبة مدبولي في القاهرة العام 1999.
البنيان الاجتماعي في "إسرائيل" :
علاقة الديني بالسياسي في الكيان الإسرائيلي علاقة ملتبسة جدا ومعقدة، ففي الوقت الذي تعد "إسرائيل" نفسها دولة ديمقراطية ومدنية، إلا أنها أيضا على الناحية الأخرى دولة يحكمها العسكر دائما، فطيلة تاريخها السياسي كان رؤساء وزرائها من المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يؤكد أن ثمة علاقة بين العقيدة العسكرية والعقيدة الدينية، وهذا ما يفسر الحضور الكبير لشخصيات دينية "حاخامات"في السياسة الإسرائيلية. فالعامل الديني يمثل المقوم الأساسي لما أسمته الحركة الصهيونية "القومية اليهودية" في "إسرائيل". وتكاد هذه الأخيرة تنفرد دون غيرها من الدول القومية المعاصرة بإستنادها إلى ذلك المقوم بصفته عاملا مهيئا لتجانسها "القومي".
لقد استندت الحركة الصهيونية؛ في القرن التاسع عشر؛ إلى عنصر الدين جاعلة منه ركيزة أساسية في بناء دولتها المنشودة، وراحت في الآن نفسه تقتنع بالإيمان بفكرة "الولاء القومي" التي كانت تجلب لهم الإساءة في المجتمعات الأوروبية بسبب إنتمائهم الديني. ذلك فضلا عن إتخاذ الحركة الصهيونية من هذه الفكرة مبررا تؤيد به مطالبها بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ومن هنا يبدو التناقض العميق بين المرتكزات الفكرية التي قامت عليها الصهيونية وبين فكرة القومية. في هذا الكتاب يقدم تفاصيل كل هذه التناقضات مستعرضا بتحليل واف من المعلومات هذه الحقائق في باببين أساسيين. الأول يتخصص في البناء الإجتماعي- الاقتصادي والسياسي في "إسرائيل" وفيه فصلان. الفصل الأول عنوانه في البنيان الإجتماعي والاقتصادي في "إسرائيل"، والفصل الثاني في قوى الحياة السياسية في "إسرائيل". يقدم الكاتب معلومات غنية حول تكون المجتمع الإسرائيلي واختلاف طبقاته الاجتماعية والدينية. فهم يتوزعون أولا على اليهود الإشكناز وهم اليهود الغربيون (الأوروبيون والأميركيون).
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفئة التي عانت من الاضطهاد والتمييز في أوروبا قدّم روادها الأوائل الأسس الفكرية التي قامت عليها الحركة الصهيوينة. وهم لا يشكلون أغلبية السكان ألا أنها الفئة المسيطرة سياسيا وعسكريا واقتصاديا. ثانيا اليهود الشرقيون، وهم ما يعرفون باليهود السفارديم، القادمين من بلاد الشرق والدول العربية ودول أفريقيا. ويشكلون إجمالي المستوطنين في فلسطين المحتلة وتتسم هذه الفئة عموما بإنخفاض المستوى الثقافي والحضاري والاقتصادي. وثالثا يهود الصباريم، والمقصود بهم يهود فلسطين، ولكن في ما بعد هم ليسوا مواليد فلسطين ، وإنما هم بالتحديد الشباب الإسرائيلي أصحاب الحضارة الأرقى والمكانة الأرفع والبشرة البيضاء، إنهم أبناء الإشكنازيين. رابعاً العرب، وهم العرب الفلسطينيون "المقيمون"في "إسرائيل" ويمثلون ما تبقى من أصحاب البلاد الأصليين. وبجانب الفئات الرئيسية السابقة يتعايش في المجتمع الإسرائيلي جماعات أخرى ، تعد – من الناحية الدينية -فرقا دينية يهودية، وتتضاءل إعداد هذه الجماعات بشكل لا يجعل لها دورا يذكر في الحياة السياسية، ومنهم السامريون، القراءون والفلاشا وغيرهم.
فلم يكن غريباً على مجتمع شيد بنيانه عن طريق هجرة جماعات يهودية من شتى أصقاع الأرض أن يشهد العديد من الأزمات والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يقف في صدارتها التمييز بين الطوائف والفئات المختلفة. فمن ناحية، ثمة تمييز بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين، ومن ناحية أخرى ثمة تمييز ضد العرب من قبل اليهود الغربيين والشرقيين على السواء. هذا بجانب التناقض والصراع الدائر والدائم بين اليهود المتدنيين واليهود العلمانيين.
الأحزاب الدينية ودورها في الحياة السياسية :
الباب الثاني ينقسم بدروه إلى خمسة فصول تتحدث عن الجذور الإيديولوجية للأحزاب الدينية وغير الدينية وتطورها التنظيمي وعن دورها في الدولة والكنيست بالتفصيل. باختصار يهدف الباب الثاني إلى التعرّف على دور القوى الدينية في الحياة السياسية في إسرائيل، إذ إن القوى الدينية تلعب دوراً فاعلاً ومميّزاً في بناء الدولة الصهيونية ورسم الحياة السياسية في إسرائيل. كما أن الدراسة اعتمدت المنهج التاريخي ومنهج تحليل المضمون، فقد تناولت مختلف مراحل تطور دور القوى الدينية في الحياة السياسية، ومدى تأثيرها في صانع القرار السياسي في "إسرائيل".
وتظهر هذه الدراسة دور القوى الدينية قبل قيام الدولة وبعد قيام الدولة الصهيونية من خلال ثلاثة عوامل رئيسة: الأول يتناول تعريف مفهوم القوى الدينية ودورها في بناء الدولة الصهيونية، بحيث كان للقوى الدينية في إسرائيل دورٌ فاعل وكبير في تحديد ملامح العلاقة القائمة ما بين الدين والدولة، من خلال تسخير القوى الدينية لطاقاتها وجهودها وإرثها العقدي لمحاولة بناء دولة إسرائيل على أسس دينية، والثاني يُناقش إشكالية العلاقة بين الدين والصهيونية والدولة، والثالث يبيّن دور القوى الدينية في الحياة السياسية في إسرائيل من خلال مشاركتها وتمثيلها في مختلف المؤسسات الإسرائيلية، مثل الحكومة والبرلمان والمؤسسة العسكرية وغيرها. وأخيرا يمكن القول بأن نفوذ القوى الدينية قد تعاظم في الفترة الأخيرة. ولكن هذه العملية مرتبطة بجملة متغيرات محلية ودولية تؤثر فيها وتؤكد قدسيّة العلاقة بين الله والشعب اليهودي.
وتتسم أمامنا من خلال القراءة والتحليل المعمقين اللتين يقدماهما الكتاب أن "إسرائيل؛ في حقيقتها؛ كيان إستعماري إستيطاني عنصري عسكري توسعي، عميل للقوى الاستعمارية الكبرى، وهي تُسخر فوق ذلك مقولات دينية توراتية وتلمودية وإدعاءات تاريخية في خدمة أهدافها ومطامعها. بهذا التصور يجب أن ننظر إلى كافة الأمور المتعلقة بـ"إسرائيل" من أفكار وسياسات ومنظمات وأحزاب ومؤسسات وغيرها. ولكن يجب أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أنه يجب التمييز بين الصهيونية بصفتها حركة سياسية وبين ما عرف بالدين اليهودي.
فالصهيونية حركة سياسية ظهرت بين يهود أوروبا حلا لمشكلة محددة واجهتهم مع المجتمع الأوروبي الذي كان يتوق للتخلص منهم فنشأت فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بدعم القوى الاستعمارية الكبرى. أما الديانة اليهودية فلم تكن في يوم من الأيام تدعو إلى قيام دولة لليهود في فلسطين قبل مجيء المسيح،والمتمسكون بهذه الديانة؛ على قلتهم الشديدة لأن معظم اليهود هم معتنقو الصهيونية؛ ينظرون إلى "إسرائيل" إلى أنها خروج عن الدين وكفر بالشريعة.