25-11-2024 06:51 AM بتوقيت القدس المحتلة

"قيامة البنادق" .. دراما "مقاومة" تقلب معايير كتّاب تاريخ لبنان

هل يمكن أن تُصحّح الدراما مساراً تاريخياً ما زلنا نختلف نحن اللبنانيون حتى على العهد القريب منه؟!! اليوم البعض يصف المقاومةبـ"ميليشيا" فهل كنا نأمل أن ينصف كتّاب التاريخ "أدهم خنجر"؟!..

لقطة من مسلسل قيامة البنادق جنود بثياب الجيش العثماني وبينهم الممثل مجدي مشموشيهل يمكن أن تُصحّح الدراما التلفزيونية مساراً تاريخياً ما زلنا نختلف نحن اللبنانيون حتى على العهد القريب منه؟!!.. المقاومة التي نعيش في ظهرانيها يصفها بعض "أبناء الوطن" بأنها "ميليشيا" فهل كنا نأمل أن ينصف كتّاب التاريخ مثلاً "أدهم خنجر"، و"صادق حمزة" حين وصفهما بأنهما "قطاع طرق"؟!! إسقاطات الحاضر تملي بنفسها على ماض عمره تقريباً مئة عام من تاريخ جبل عامل في لبنان، ليس على وقع الحياة اليومية الحقيقية فحسب، بل بدأت أخيراً تترسم بين خيوط الدراما، لتخرج من عباءة التاريخ العاملي العريق الذي ظُلم طويلاً ووضعوه في زوايا معتمة ..

 لكن إشراقة الشرف والكرامة التي حملها أبناؤه عبر التاريخ أبت إلا أن تضيء تلك الزوايا وتخرج عملاقة حين فجرّ أحفادهم الدبابات الإسرائيلية في وادي الحجير.. فكان مقبرة للغزاة .. هذا الوادي الذي انطلقت منه شرارة الثورة الأولى ضد الاحتلال الفرنسي وضد تقسيم الوطن العربي العام 1920.

"قيامة البنادق" حصرياً على "المنار" في شهر رمضان المبارك :

لقطة من مسلسل قيامة البنادق جنود بثياب الجيش العثماني فدفاعاً عن التاريخ المقاوم في بلادنا العربية، وفي جبل عامل تحديداً، يحضرني هذا الحديث لأخبركم عن مسلسل "قيامة البنادق"، في تحقيق هو الثاني من نوعه، من تأليف الكاتب اللبناني محمد النابلسي، وإخراج السوري الشاب عمّار رضوان، وتمثيل نخبة من الفنانيين اللبنانيين، ومن صناعة "مركز بيروت الدولي للإنتاج"، والذي سيعرض على شاشة قناة المنار في شهر رمضان المبارك.

"قيامة البنادق"، هو قيامة فعلية تنقلب على ظلم التاريخ، ويحكي قصة مجموعة مقاومة من الشبان، في قرية "المالكية" المحتلة في جبل عامل، وانطلاقاً منها الى بلاد الشام، بحيث يُتخذ من الجنوب اللبناني وشخصياته الثورية والعلمية والعسكرية نقطة ارتكاز تتمحور حولها بقية الأحداث للارتباط الجوهري في ما بينهما. وأبرز خطوط المسلسل تتمحور حول أوضاع جبل عامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بروز المخطط الصهيوني حيال فلسطين، وبداية تكوّن نواة المستوطنات ودور الاستعمارين الفرنسي والانكليزي على هذا الصعيد، الثورات التي تمظهرت في أشكال عدة حتى سنة 1926، والاستعمار الذي كان من نتائجه ضم جبل عامل الى دولة لبنان الكبير.

المخرج عمار رضوان : يجب أن نظهر أعمالا أيضاً تبين انتصاراتنا..

ولكن إلى أي حد يمكن أن يتوفق نص درامي في الغوص عميقاُ بقاع المجتمع بشخصياته المتناقضة ليضيء على مرحلة تاريخية محددة؟.. المخرج عمّار رضوان، يبدي إعجابه الكبير بنص الكاتب محمد النابلسي، وأن فكرة هذا النص كانت قد عرضت عليه منذ ثلاث سنين، ثم عادت إليه، وهذا ما أثار استغرابه الشديد، خصوصاً أنه كان يتوق لإنجاز عمل يحكي عن تلك الحقبة التاريخية "وعن شخصيات كانت موجودة وأنا لم اقرأ عنها فقط بل أعرفها وعايشت ظروفها، كيف لا ونحن أبناء سورية وجبل العرب.. هذا الجبل الذي عشق سلطان باشا الأطرش، وادهم خنجر وصادق حمزة، والثورة السورية الكبرى، فأنا أعرف أخبارها .. فعندما قرأت النص عشقت تفاصيله. في الواقع الكاتب النابلسي أغنى النص بتفاصيل شيقة وغاص عميقاً مبيناً القهر، وسلط الضوء على مختلف الطبقات الاجتماعية فكان العمل خارج الفئوية تماماً، خصوصاً أنه أنذاك لم يكن هناك من متاريس بين تلك الطبقات والملل ومن وضعها فعلا هو المستعمر .. ".

المخرج السوري عمار رضوان يدير دفة العملوالعمل بالنسبة إلى المخرج عمار رضوان، هو أكثر من مجرد رسالة أو تحد جديد يقوم به، كونه التجربة الأولى له التي يتعرض فيها لنص تاريخي يحكي عن المقاومة، إنه "يسلط الضوء أكثر على خصوصية المنطقة ابتداء من جبل عامل امتدادا إلى فلسطين وصولاً إلى سوريا الكبرى، التي لم تكن مقسمة آنذاك بل كانت بلداً واحداً.. لذا نحن نقوم بإعادة ترتيب الأمور من خلال "قيامة البنادق" .. نحن نقول إن قيامة البنادق هي قيامة وجدان وقيم وعزة وكرامة.. فلقدحاول المستعمر عبر 400 سنة طمسها داخل الوجدان العربي .. نحن نعيد الحديث عن هذه القيم من جديد في ظرفنا الراهن وما فيه من حراك سياسي واجتماعي كبير .. ما يحدث الأن هو الحاجة إلى هذه القيم، والتي بات يفتقر إليه معظم القطر العربي، نقول لهم يا جماعة هناك وجدان ما زال موجوداً فينا تعالوا نصحيه من جديد ونقول من هو المستعمر الحقيقي الذي كان خلف طمس هذه القيم..".

هي ليست التجربة الأولى للمخرج السوري في التعامل مع لبنانيين، ولكنها الأولى مع "مركز بيروت الدولي للإنتاج"، وهي تجربة تتسم بالنجاح المميز إلى الان، بفعل تعاون وتفهم الحاج بلال زعرور مدير المركز، وحرصه الشديد على تلبية متطلبات المخرج بما يكفل أفضل صورة للعمل.

ومهما حاول الطاقم المحلي الدرامي في لبنان تأمين متطلبات العمل الدرامي، يبدو أنه من الصعوبة أن يكفل نضوجاً كاملاً لأكثر من سبب " لأن طبيعة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي هي صعبة بالأساس وبحد ذاته عملية مركبة ومعقدة، من هنا دائما هناك معوقات .. والثاني أننا ما زلنا نحن العرب ضمن دائرة الانتاج العربي عموما، لم ننضج نضوجا كاملا على كل المستويات، بالمقارنة مع التجربة الغربية الأميركية أو السوفياتية .. هناك تقينيات عديدة مطلوبة لكي يكتمل العمل في صورة أفضل وكي ينتقل من الحال المحلية إلى الحال العالمية، رغم إبداع الممثل".

المخرج عمار رضوان في حوار مع مراسلة موقع المنار زينب الطحانوهل هذا يخلق عوائق أمام ترويج وتسويق هذا النوع من الأعمال الدرامية؟.. يرى المخرج أن هذا يعتمد على شركات الانتاج والمحطات، وما لها من علاقات عامة وخارجية. "أتمنى أن أوصل ثقافتنا العربية للغرب وأقول لهم تعالوا لمشاهدة تاريخنا المشرق وفق رؤيتنا نحن.. وكما يقول أحد المفكرين " ليس هناك من أمة هزمت في كل تاريخها"، من هنا نحن لا نقول إننا انتصرنا في كل مراحل تاريخنا، في الوقت الذي تظهر بعض الأعمال هزائمنا يجب أن نظهر أعمالا أيضا تبين انتصاراتنا"..

كل الممثلين الفنانين الذين التقى بهم موقع المنار، أشادوا بإريحية المخرج السوري، وقدرته على إخراج مكامن القوة التمثيلية عند الممثل، وهم يتوقعون للعمل نجاحاً مضاعفاً بفعل هذه الفعالية بينهم وبين المخرج.

الممثل باسم مغنية : قيامة البنادق رؤية لثقافة المقاومة نأمل أن تؤثر بالأخر
الممثل القدير الشاب المتألق بأدواره "باسم مغنية" لا يخفي هذه الحقيقة، ويسعده أن يشارك المخرج السوري عمار رضوان في تنفيذ هذا "العمل المقاوم"، وينقلب السؤال إليه، لم باسم مغنية، يؤدي دور أدهم خنجر، مصر على المشاركة بهذا النوع من الدارما؟.. هو يراه خياراً طبيعياً لأنه يمتلك ثقافة المقاومة، فهو ابن الجنوب، وليس ضرورياً حمله سلاحاً ليثبت هذا الانتماء. ويعزّ عليه انقسام المجتمع اللبناني حول مفهوم المقاومة وثقافتها، وكيف لا يمكن للبعض أن يقدورا  تصدي أهل الجنوب حاليا، وجبل عامل موضوع المسلسل في العام 1920، للاحتلال الذي كان ينكل بأبنائهم ويغتصب أرضهم..

الممثل باسم مغنية في دور ادهم خنجر في مسلسل قيامة البنادقويبدى استغرابه أن يكتب بعض المؤرخين في كتب يقرأها الأجيال أن أدهم خنجر ورفاقه هم مجموعة "قطاع طرق" !!.. "فإذا كان كذلك فلماذا قتله الفرنسيون؟! من حرصهم على الأمن؟! بالطبع لا.. بل لأنه كان يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة إليهم فأعدموه، وهو الذي حاول اغتيال جنرال الاحتلال الفرنسي غورو مؤسس دولة لبنان الكبير.. وليس "خنجر" الوحيد الذي ظلمه التاريخ، هناك للأسف أبطال شرفاء كثر حكي عنهم بالسوء" . ويعتقد مغنية أن دراما من هذا النوع يمكن أن تقرب اللبنانيين من بعضهم البعض وتوحد صفوفهم، وتريهم أن لديهم تاريخاً مشتركا في الحقبة التاريخية التي يغطيها المسلسل..إذ يأمل أن يعمل ما وصفه "بالغضة" ليدفع ببعض الناس إلى مراجعة التاريخ..


ولا يبدي مغنية أهمية كبرى لانتشار المسلسل عربياً أو عالمياً، رغم أنه يتمنى ذلك بكل تأكيد، خصوصاً أنه يقدم تاريخاً مشرقاً عن المقاومة في لبنان، ويقلب المعايير، ألا أن ما يعنيه بدرجة أولى هو اعتزازه بتمثيل دور "أدهم خنجر"، فهي "فرصة نادرة، وأنا لي الحظ بتأدية هذا الدور، كما ليس هناك من عمل أخر يمكن أن يحكي عن هذا المقاوم العاملي.. ونحن بصفتنا ممثلين، نؤدي أدوارا تاريخية في قيامة البنادق، ليس إلا عبارة عن توصيل رؤية معينة حول ثقافة المقاومة نأمل أن تؤثر بالأخر..".

الممثل باسم مغنية مع مراسلي موقع المنار زينب الطحان ومحمد علوش

فريق من ممثلي قيامة البنادق

لقطة من مسلسل قيامة البنادق جنود بثياب الجيش العثماني

 تصوير : محمد علوش - زينب طحان