تراجع وزراء مالية مجموعة العشرين عن مساعي طويلة الأمد لتقشف حكومات الدول الغنية رافضين فكرة تبني أهداف صعبة لتقليص الدين العام
تراجع وزراء مالية مجموعة العشرين عن مساعي طويلة الأمد لتقشف حكومات الدول الغنية رافضين فكرة تبني أهداف صعبة لتقليص الدين العام مما يعكس المخاوف بشأن تباطؤ التعافي العالمي. وقالت مجموعة العشرين التي تضم اقتصادات متقدمة وناشئة إنها ستراقب الآثار السلبية المترتبة على سياسات التحفيز النقدي الضخم كالتحفيز الياباني في إشارة إلى مخاوف الدول النامية من أن تهدد تلك السياسات بإغراق اقتصاداتها بالأموال الساخنة ورفع قيمة عملاتها.
وقال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف خلال مؤتمر صحافي يوم السبت إن هناك مسؤولين في مجموعة العشرين يرون أن خفض الدين بشكل عام أهم من وضع أرقام محددة. وأضاف ‘اتفقنا على أن هذه ستكون ضوابط مرنة ونوعا من الأهداف الاستراتيجية التي قد يتم تعديلها أو ضبطها بناء على حالة اقتصاد كل دولة.’
وعبرت روسيا – التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين هذا العام – عن أملها في التوصل لاتفاق حول تحديد أهداف ثابتة لخفض الدين عندما يجتمع قادة المجموعة في سان بطرسبرج في أيلول/سبتمبر.
غير أن الولايات المتحدة واليابان عارضتا بشدة فكرة الالتزام بأهداف محددة لنسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي حيث تسعى واشنطن لإبقاء تركيز مجموعة العشرين منصبا على النمو. وقال وزير المالية الكندي جيم فلاهرتي ‘بصراحة كان من الممكن أن تكون اللهجة أكثر قوة ولكنها كافية للمضي قدما إلى الأمام.’
وقالت مجموعة العشرين في بيانها الختامي الصادر بعد اجتماع استمر يومين إنها ‘ستنتبه’ إلى الآثار الجانبية التي قد تترتب على فترات التحفيز النقدي الطويلة وهي عبارة أضيفت بعد تأكيد كوريا الجنوبية على ضرورة أخذ مخاوف الأسواق الناشئة في الاعتبار. وقال البيان ‘يجب توجيه السياسة النقدية نحو استقرار الأسعار المحلية والاستمرار في دعم التعافي الاقتصادي.’
وذكر وزير مالية اليابان تارو أسو إن السياسات الاقتصادية التي تبناها رئيس وزراء بلاده شينزو آبي أدت إلى انخفاض قيمة الين، ولكن في نفس الوقت أدى التحفيز إلى انتشال البلاد من براثن الانكماش.
وقال أسو لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن ‘من يقول إن انخفاض قيمة الين هو هدفنا يخطئ الفهم تماما.’ وأضاف ‘معدل التضخم الكبير يبلغ من الصعوبة والاستمرارية حدا يتعذر معه التخلص منه. وفي النهاية سيضر انكماش اقتصاد اليابان بالعالم أجمع.’ ولم يكن بنك اليابان هو الوحيد الذي يغرق اقتصاد بلاده بتمويلات رخيصة في مسعى لتعزيز معدل الاقتراض والإنفاق بل كذلك يفعل مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (البنك المركزي) وبنك إنجلترا إلى حد ما فضلا عن البنك المركزي الأوروبي.
وقال وزير المالية الهندي بي شيدامبارام في معهد بيترسون بواشنطن يوم الجمعة الماضي’نمو اليابان يصب في صالح الهند. وركودها ليس في مصلحة الهند. ومن ثم نريد لليابان أن تنمو.’
وقال وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيجا إن الجهود التحفيزية التي تبذلها اليابان ‘يمكن تفهمها’ نظرا لتاريخها الطويل في الانكماش ولكنه أضاف أنه ينبغي على مجموعة العشرين أن تظل متيقظة لأسعار الصرف.
وحث قادة العشرين منطقة اليورو على سرعة التحرك نحو إقامة اتحاد مصرفي للمساعدة على إنعاش اقتصاد المنطقة. ورغم ذلك أكدت ألمانيا موقفها السابق بضرورة تغيير قوانين الاتحاد الأوروبي قبل تأسيس الاتحاد المصرفي الذي يهدف إلى مساعدة البنوك المتعثرة مما يرجح تأجيل العملية.
وقال بعض المندوبين إن مشكلات منطقة اليورو هيمنت على مناقشات مجموعة العشرين في الوقت الذي فشلت فيه إجراءات التقشف الصارمة في انتشال المنطقة من ركودها الاقتصادي. وتستحث الولايات المتحدة أوروبا على تخفيف حدة التقشف في ميزانياتها. وقال مسؤول كبير بوزارة الخزانة الأمريكية للصحافيين طالبا عدم ذكر اسمه إن حزمة إنقاذ قبرص تظهر حاجة أوروبا إلى بذل المزيد من الجهد للتقدم نحو إقامة الاتحاد المصرفي. ومن المرجح أن تظل المناقشات بشأن منطقة اليورو مستمرة اليوم السبت حيث يلتقي وزراء مالية دول العالم مجددا لعقد اجتماع للجنة تابعة لصندوق النقد الدولي.
وجرى تخفيف أهداف التقشف الحكومي بسبب ضعف الاقتصادات التي تبنت إجراءات صارمة لتقليص العجز بما فيها بريطانيا التي تتجه نحو ثالث ركود لها في خمسة أعوام. وتظهر على الاقتصاد الأمريكي أيضا بعض علامات الإجهاد التي عزاها خبراء الاقتصاد إلى سياسة التقشف التي تتبناها واشنطن.
وفي الأسبوع الماضي خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي وأكد دعوته لبعض الدول الأوروبية بالتخفيف من مساعيها للتقشف.
وخفضت وكالة فيتش تصنيفها الائتماني لبريطانيا يوم الجمعة من ‘ايه ايه ايه’ إلى ‘ايه ايه زائد ‘نظرا لتوقعات بارتفاع الدين العام الحكومي إلى 101 بالمئة من الناتج المحلي الإِجمالي بحلول الفترة 2015-2016 بسبب ضعف النمو.
وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد في مقابلة مع تلفزيون بي.بي.سي إنه ربما حان الوقت لأن تفكر بريطانيا في التقليل من تركيزها على التقشف في ضوء الضعف الذي أصاب اقتصادها مؤخرا.
وقال وزير المالية الروسي أيضا إن هناك حاجة لمزيد من التنسيق مع صندوق النقد بشأن السيولة العالمية في ظل توقع صدور توصيات بحلول تموز/يوليو المقبل.
ودعا وزراء مجموعة العشرين مجلس الاستقرار المالي إلى مراقبة العمل على إصلاح معايير أسعار الفائدة قصيرة الأمد مثل سعر الفائدة بين بنوك لندن (ليبور) في أعقاب فضيحة عالمية للتلاعب بأسعار الفائدة. وطلبوا من مجلس الاستقرار المالي تقديم تقرير في تموز بشأن ما أحرزه من تقدم.
من جهتها قالت اللجنة التوجيهية لصندوق النقد الدولي يوم السبت ان الاقتصاد العالمي يظهر تعافيا غير منتظم وانه يتعين على صانعي السياسات ان يتخذوا المزيد من الخطوات لتعزيز نمو بخطى أسرع وخلق الوظائف.
واضافت اللجنة قائلة في بيان ‘نحتاج الي التحرك بحزم لتعزيز انتعاش تتوفر له مقومات الاستمرارية واستعادة قدرة الاقتصاد العالمي على استيعاب الصدمات.’
وقال بيان صندوق النقد الدولي واللجنة المالية انه ينبغي للبنوك المركزية في أكبر الاقتصادات في العالم ان تواصل سياساتها النقدية التيسيرية وان انسحابها من التوسع النقدي في نهاية المطاف ‘سيتعين ان يتم بطريقة حذرة وفي ترابط واضح.’
لكن البيان قال انه لا يمكن الاعتماد على مثل هذه المبادرات للتيسير النقدي وحدها لتقديم حوافز كافية.
‘وجود خطط جديرة بالثقة للاستقرار المالي للاجل المتوسط يبقى ضروريا خصوصا في الولايات المتحدة واليابان.’
وقال ثارمان شانموغاراتنام وزير مالية سنغافورة ورئيس اللجنة في مؤتمر صحفي عقب صدور البيان ‘الثقة هي السلعة الاكثر شحا في السوق الان.’