عادت سوريا لتحتل مكاناً مركزياً في التصريحات الإسرائيلية، خصوصاً من جانب القادة العسكريين
بحث في الفرضيات.. من الكيميائي والنووي إلى التقسيم
حلمي موسى
عادت سوريا لتحتل مكاناً مركزياً في التصريحات الإسرائيلية، خصوصاً من جانب القادة العسكريين. ولا يلغي هذا التركيز على سوريا اهتمام إسرائيل أيضاً بإيران التي شكلت محور النقاشات، التي دارت مع وزير الدفاع الأميركي الجديد تشاك هايغل في زيارته للدولة العبرية. وبعدما ألمح وزير الدفاع موشي يعلون للمرة الأولى الى مسؤولية جيشه عن استهداف قافلة عسكرية سورية بذريعة أنها كانت متوجهة إلى «حزب الله» في لبنان، أبدى رئيس الأركان الجنرال بني غانتس استغرابه من الموقف الروسي الداعم للنظام السوري.
ومن جهة ثانية، اتهم رئيس لواء الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية العميد إيتي بارون الجيش السوري باستخدام غاز الأعصاب في الحرب الأهلية الدائرة. وأكد رئيس شعبة الاستخبارات السابق الجنرال عاموس يادلين أن إيران تجتاز هذا الصيف الخط الأحمر، الذي حدده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مشروعها النووي.
وقد استغل قادة إسرائيل العسكريون مؤتمر «البيئة الاستراتيجية المتغيرة تستدعي تفكيراً خلاقا» يومي أمس وأمس الأول، في «مركز دراسات الأمن القومي» في جامعة تل أبيب ليطلقوا تصريحات ويقدموا تقديرات. وفي كلمته أمام المؤتمر، وبشكل كان مستغرباً، حمل الجنرال غانتس بشدة على روسيا بسبب تدخلها في سوريا. وقال غانتس إنه «بشكل غريب هناك دعم روسي غير قليل لنظام الأسد». وأوضح أن «سيطرة الأسد في سوريا تتضاءل، ومقومات عدم الاستقرار تتعاظم. إيران وحزب الله غارقان حتى الرقبة وأكثر في محاولة الحفاظ على هذا المحور، في محاولة للحفاظ على نظام الأسد و/أو الاستعداد لليوم التالي، وهم يفعلون ذلك في وقته وبشكل جيد ومشترك على الأقل من ناحيتهم».
وشدد غانتس على أن الجيش الإسرائيلي يستعد لكل الاحتمالات في سوريا بما في ذلك احتمال تقسيمها. وقال «من الجائز أن تنشأ علويستان في شمال غرب الدولة. ومؤخراً سمعت تعبيراً هو افغانيخان. ونحن لا ننتظر أن يصلنا المستقبل ونستعد له منذ أكثر من عام». وأضاف رئيس الأركان الإسرائيلي «ليس مضجراً هنا، فلا يمر يوم لا يمكن أن يتحول من يوم هادئ إلى معركة على نطاق واسع. ينبغي أن نستعد لمعارك ستحسم بأقصر وقت ممكن. وفرحنا أننا نزلنا في عمود السحاب من أكثر من 20 يوماً إلى ثمانية أيام في غزة، ولا نية عندي للعودة إلى أكثر من شهر في لبنان».
وأشار غانتس إلى «أننا نحتفل بمرور 40 عاماً على حرب يوم الغفران، والسنوات الهادئة تمر وتختفي، ويزداد عدم الاستقرار. ونحن نستعد لمستقبل كهذا في هضبة الجولان بشكل عملاتي سواء لجهة جمع المعلومات أو بناء العراقيل أو استخدام القوات. هناك احتمال لفقدان الاستقرار على طول الحدود».
ولم يغفل غانتس الشأن الإيراني، حيث قال إن «الحجر الرئيس المركزي في مواجهة الجيش هو الخطر الإيراني. فإيران تواصل بمهارة عالية استغلال الحوار القائم معها، وتنفيذ التفاف استراتيجي على طريق اقترابها من امتلاك قدرة نووية عسكرية». واعتبر أنه «فضلاً عن ذلك هناك تأثيرات غير قليلة جراء العقوبات على إيران، عزلتها الدولية والضغط الذي قد يقود إلى تغييرها. فإيران تسعى للهيمنة الإقليمية، وفي كل مكان تتدخل فيه سيكون لذلك آثار. وواقع إيران نووية سيكون أخطر بكثير وبتأثير أشد. ولا ينبغي التنازل لها عن عملياتها الإرهابية في أماكن أخرى في العالم».
وأشار غانتس أيضاً إلى الواقع اللبناني، قائلاً «برغم أننا انتقدنا أنفسنا، أحياناً بحق، على عملياتنا في حرب لبنان الثانية، يستحيل تجاهل الهدوء الذي تحقق هناك قرابة سبعة أعوام والردع الواضح. وإلى جانب ذلك، عاظم حزب الله جداً من قوته، وهو التنظيم ــ ليس الدولة ــ الوحيد الذي يملك قدرات استراتيجية. وهناك احتمال لا بأس به، بسبب تصدع المحور مع إيران، أن يغدو حزب الله معزولاً في الحلبة. فهذا محور غامض يخضع لضغوطات أيضاً في الحلبة الداخلية اللبنانية. حزب الله يساعد الأسد ليضع يده على قدرات استراتيجية».
وقال غانتس عن تنقيط الصواريخ من غزة مؤخراً إن «أساس الردع قائم وحماس غير معنية بخسارة السيطرة، وتنتقد ما يجري في القطاع من ناحية سلطوية، لكنها ليست اللاعب الوحيد، وهناك جهات إرهابية أخرى تحاول العمل هناك وحماس تحاول كبحها. ولا يمكننا العودة إلى واقع ما قبل عمود السحاب ونضغط بحكمة على دواسة الرد أو عدم الرد. وإذا لم يسد الهدوء في الجنوب، فلن يبقى الهدوء في غزة، ولن نتردد في استخدام القوة إذا تطلب الأمر». واعتبر أن إطلاق الصواريخ على إيلات يشير إلى أن «سيناء تغدو منطقة أقل استقراراً، وآمل أن يواصل المصريون جهدهم كما فعلوا مؤخراً».
وفيما يختلف العالم حول ما إذا كانت الحرب الأهلية في سوريا شهدت استخدام أسلحة كيميائية أم لا، ومن هي الجهة التي استخدمتها، أشار رئيس لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية العميد إيتي بارون إلى أنه «وبحسب فهمنا فإن الأسد استخدم مواد حرب كيميائية قاتلة في سلسلة حالات ضد المتمردين، على ما يبدو بغاز من نوع السارين. واحتمال وصول هذا السلاح لجهات راديكالية مقلق جداً».
وفي كلمته أمام «مؤتمر مركز دراسات الأمن القومي» أمس، قال إن «استخدام السلاح الكيميائي تم في حادث وقع في 19 آذار، وفي حوادث أخرى تم استخدام مواد مشلة وليست قاتلة». وأضاف «رأينا علائم مثل الزبد في الفم والحدقات المتقلصة، التي تشهد على استخدام مواد حربية كيميائية». وأبدى بارون خشيته من أن تفكك سوريا سيقود إلى توزع ترسانة تحوي أكثر من ألف طن من السلاح الكيميائي، وآلاف القذائف الجوية والرؤوس الحربية، التي يمكن تحميلها بسلاح غير تقليدي. «فالنظام السوري يستخدم السلاح الكيميائي، ولكن العالم يميل إلى عدم التدخل ويستخدم فحوصاً قرائنية متشددة. هذه تطورات مقلقة. فمجرد استخدام سلاح كيميائي من دون رد مناسب أمر مقلق. هذا يشير إلى أن استخدام السلاح الكيميائي أمر مشروع»، بحسب قوله.
وتطرق بارون إلى مكانة «حزب الله» بالنظر للوضع الحالي للنظام السوري، وقال إن «هذا التنظيم يعيش في توتر. وهو خائف أن يستغل أحد الوضع ويمس به، حتى داخل لبنان». وأشار إلى أن منصات إطلاق صواريخ «SA-17»، التي اعترف وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون أمس الأول، للمرة الأولى بتدميرها في سوريا في كانون الثاني الماضي، كانت متجهة إلى «حزب الله».
وبشأن المخاطر العامة على إسرائيل والوضع في الشرق الأوسط، قال بارون إن هناك تعزيزاً للمعسكر السني في المنطقة. وفي نظره «هذا ليس وقتاً طيباً لإيران. فالمحور الراديكالي برئاسة إيران يصارع من أجل البقاء. وبموازاة ذلك هناك صعود في الوزن الديني في عملية اتخاذ القرارات في الدول التي نشبت فيها الثورات. وهذه نظرة تناقض وجود دولة إسرائيل، وهي نظرة لن تتغير». وبالرغم من ذلك لاحظ بارون أن «الإخوان المسلمين يبدون براغماتية تجاه التغيرات، وصعود المعسكر السني يتحدى فكرة المقاومة لإسرائيل بصيغتها السابقة. فشبان الثورة في ميدان التحرير لم يترجموا إنجازاتهم إلى رأسمال سياسي، وهذه الجماهير تطالب بتغييرات حالياً. والطبقة الوسطى العربية تنتظر حلولاً وصبرها ينفد».
وشدد بارون على أن المشروع النووي الإيراني يتعرض لضغوط لم يسبق لها مثيل، ولكن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي. واعتبر أنه ليس معقولاً أن تتوصل إيران لاتفاق مع الأسرة الدولية في العام المقبل تتنازل فيه عن السلاح النووي. وأضاف «لكن أقل معقولية أن تحقق إيران اختراقاً في مشروعها النووي في العام المقبل».
وخالف هذا الرأي رئيس «مركز دراسات الأمن القومي» الجنرال عاموس يادلين، الذي ترأس لسنوات شعبة الاستخبارات، حيث قال إنه «حتى الصيف سيجتاز الإيرانيون بالتأكيد الخط الأحمر الذي وضعه نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة (الجمعية العامة)». وبحسب كلامه، فإن بوسع إسرائيل أن تهاجم إيران منفردة، وأن تواجه عواقب هذه الخطوة العسكرية.
واعتبر يادلين أن «وقت الاختراق» الإيراني يقدر بحوالي شهرين، حيث النقطة المركزية هي موعد الانتخابات. وقال إنه «بوسعنا النوم شهرين حتى الانتخابات، وبعدها سيضطر الإيرانيون لاتخاذ قرار غير بسيط». وأضاف أن «الأميركيين يريدون الاستمرار بالديبلوماسية، ولكن إذا اختار الإيرانيون استراتيجية عدم الاختراق أو التسلل فسيضطر الأميركيون للوقوف خلف ما قاله الرئيس، أو تغيير سياستهم».
وبحسب يادلين فإن من ينبغي عليه اتخاذ القرار أولاً هم الإسرائيليون. فهم ليسوا طرفاً في المفاوضات، ولا ريب أن الإيرانيين حتى الصيف سيجتازون الخط الأحمر. و«هكذا، إذا وقف الأميركيون والإسرائيليون والإيرانيون خلف قراراتهم، فإننا في مسار صدامي حتى نهاية العام». وخلص يادلين إلى أن المشروع النووي الإيراني يتسع ويتعمق، «ولا أحد قادر على إيقافه».
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه