ولدى إلقاء نظرة عابرة على العالم المعاصر، يتبين أن المرأة قد دخلت في ميادين العلوم، والأبحاث والتقانة وحققت مكاسب علمية باهرة، ودخلت كذلك في مجال الفنون والمهارات الصناعية
"عمَل المَرأة/ مقاربات دينيّة واجتماعيّة" عنوان كتاب جديد لمجموعة من المؤلفين، إشراف وإعداد: ليلى سادات زعفرانتشي، ترجمة: محمود سبكار، وهذا الكتاب الصادر في ط.أولى 2013 عن (مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي – بيروت).
ويطرح هذا الكتاب مسألة عمل المرأة في هذا العصر؛ لاستخراج موقف الفكر الإسلامي والفقه منها، من باب لزوم ما لا يلزم؛ وذلك لأن النصوص الدينية حافلة بما يدلّ على حق المرأة في العمل وحقها في كسب يمينها دون أن يجوز لغيرها كائناً من كان ظلمها هذا الحقّ أو الافتئات عليها في مصادرة ما كسبته بيمينها، ويكفي في هذا قوله تعالى: {ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماًْ} [سورة النساء: الآية 32].
ويُضاف إلى النص الإسلاميّ التجربة الإسلاميّة التاريخية التي حفلت بحضور المرأة في ميادين العمل على أنواعه سواء في ذلك ما كان بقصد الكسب أو غيره.
ويزداد الأمر وضوحاً عندما نلاحظ الواقع الاجتماعي للمجتمعات المسلمة المعاصرة؛ إذ يجد المراقب أنّ حضور المرأة في ساحات العمل لا يدع مجالاً للشكّ في جواز حضورها في سوق العمل. وبعد هذا ما الذي تبغي هذه المجموعة من الدراسات قوله؟.
في الجواب عن السؤال أعلاه نقول إن هذه الدراسات تريد أن تؤكّد ما يأتي:
أولاً: إن مساهمة المرأة في سوق العمل وحضورها فيه، من الأمور التي أقرّتها الشريعة بشكلٍ واضح ومثل هذا الأمر لا مجال للنقاش فيه.
ثانياً: لا ينبغي التعامل مع عمل المرأة بقصد الكسب على أنه قيمة من القيم العليا التي تقدّم على ما سواها من القيم، في حال التعارض بينها.
ثالثاً: تأثير المرأة ودورها في المجتمع لا يتوقّف على إنتاجها الاقتصادي المباشر فما يمكن أن تنجزه المرأة من عمل غير مأجور لا يقلّ في أهميّته الاجتماعيّة عن الأعمال المأجورة.
رابعاً: إن كثيراً من الأعمال التي تؤدّيها المرأة في المنزل هي أعمال لها طابع اقتصاديّ حتى لو لم تتلقّ عليها أجراً. وبالتالي إنّ ثنائية المرأة العاملة وربّة البيت ليست ثنائيّة دقيقة؛ لأنّها توحي ببطالة ربّة البيت.
خامساً: إنّ عمل المرأة وإن كان مهمًّا وله أثر في دورة الاقتصاد، إلا أنّ له تبعاتٍ سلبية على الأسرة ودورتها الحياتيّة. ومثل هذا الأمر لا ينبغي أن يُغفل أثناء الحديث عن عمل المرأة خارج المنزل.
سادساً: تقدم بعض هذه الدراسات طروحات مجدية تجمع بين حضور المرأة في الأسرة وبين حضورها في سوق العمل ما يخفّف التبعات السلبية للعمل النسويّ.
ولدى إلقاء نظرة عابرة على العالم المعاصر، يتبين أن المرأة قد دخلت في ميادين العلوم، والأبحاث والتقانة وحققت مكاسب علمية باهرة، ودخلت كذلك في مجال الفنون والمهارات الصناعية والتقنية المهمة حتى أنها أحرزت قصب السبق في بعض الميادين، وانتزعته من أيدي الرجال. ومن جهة أخرى، فإن الحكومات الجديدة تبنّت ودعمت مجال عمل المرأة وحمته، وأخذت هذه الحكومات وكذلك المؤسسات الأهلية الخاصة على عاتقها الكثير من مهام الأسرة، مثل دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس، وقلَّ عدد الأنشطة الأسرية بسبب وجود وسائل متطورة وصناعية، وبالنتيجة توافر المزيد من أوقات الفراغ لدى المرأة في البيت، ما أدى إلى توجه المرأة إلى العمل خارج المنزل والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية جنباً إلى جنب مع الرجل.
إن التغييرات والتطورات الحاصلة في حياة المرأة، هي من بين مجالات تطور الحياة الاجتماعية في العصر الحديث. فهذه التغييرات والتطورات تشتمل في حد ذاتها على مجالات واسعة ابتداء من تغيير المعتقدات والتصورات الاجتماعية حول المرأة إلى تغيير أدوارها على الصعد الفردية، الأسرية والاجتماعي. إلا أن عمل المرأة – كما جاء في مقدمة الناشر الإيراني – له أهمية ودور خاص في ظل جميع هذه التطورات والتغييرات.
وتضمن الكتاب دراسات لمجموعة من الكتّاب: إضافة إلى مقدمة الناشر الإيراني، "عمل المرأة": الأسباب والتوجهات والآثار (من منظور الإدارة الاجتماعية) لمحمد رضا زيبائي نجاد، "دور وسائل الإعلام في مسيرة عمل المرأة" لحورية سادات برهاني، "عمل النساء في النظام الدولي نظرة في الآليات وفي المنظمات الدولية لمريم فرهمند، "عمل المرأة وأثره على الأسرة الأطفال نموذجاً" لآمنة بختياري، "العمل بدوام جزئيّ بوصفه أسلوباً للحد من بطالة النساء" لعلي رضا أميني وزهرة حجازي آزاد، "عمل المرأة ودوره في تطوير النظام الإسلاميّ" لزهرة عطائي آشتياني، "عمل المرأة في إيران دراسة حالة" لليلى سادات زعفرانتشي، "النساء المتزوجات: العمل والقيم" لمهشيد جليل وند، "عمل المرأة في الفقه الإسلامي والمصادر الدينية" لمريم أحمدية، "عمل المرأة وهواجسه الثقافية الاقتصادية" – حوار مع الدكتور إبراهيم رزاقي، "عمل النساء" – حوار مع الدكتورة ثريّا مكنون.
يأمل مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي أن يكون في هذه الدراسات إضافة نافعة إلى المكتبة العربية الإسلامية.