«الانتخابات تحتاج إلى الغموض البنّاء»
«الانتخابات تحتاج إلى الغموض البنّاء»
عماد مرمل
تتجمع الملفات الساخنة في عين التينة التي تنطلق منها وتعود اليها كل «قطارات التفاوض»، في رحلاتها على خطوط صياغة قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة وترسيم الحدود البحرية المتصلة بالثروة النفطية. وإذا كان الكثيرون في 8 و14آذار يحاولون الضغط على بري لاستمالته الى هذا الجانب او ذاك، إلا ان رئيس المجلس يتمسك بالعمل، وفق أجندته، وعلى توقيت ساعته السياسية حصرا.
ويقول بري لـ«السفير» انه عندما اقترح المشروع المختلط على اساس توزيع المقاعد مناصفة بين النظامين والنسبي والاكثري، كانت الفكرة ان هذا المشروع هو كل لا يتجزأ، وسلة واحدة تؤخذ كلها او ترفض كلها، لكن ما حصل لاحقا ان بعض الأفرقاء أصبحت قلوبهم معه وسيوفهم عليه، فإذا بهم يضيفون اليه او يسحبون منه ما يناسبهم، حتى أفقدوه جوهره الأصلي. ويضيف: لقد أرادوا إعادة تفصيل المشروع على قياساتهم، بينما هو مفصل في طبعته الاصلية على قياس الوطن.
ويعتبر بري ان فريق 14 آذار يريد فعلا إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، إنما وفق قانون يحقق له الاكثرية، والبعض في 8 آذار يفكر أيضا بالطريقة ذاتها، «أما أنا فأسعى الى بلوغ قانون يتسم بالغموض البناء، وبالتالي يوحي لكل من الطرفين بأنه قادر على انتزاع الاكثرية النيابية».
ويؤكد بري ان مسار تشكيل الحكومة قائم بذاته ولا يجب ربطه بمسار قانون الانتخاب، مشيرا الى ان هناك إمكانية لتأليف الحكومة قبل الجلسة العامة الفاصلة التي سيدعو اليها في 15 أيار المقبل إذا تعذر حتى ذلك الحين التفاهم على مشروع توافقي.
ويتابع بري مستدركا: إذا كان الربط غير حتمي وغير إلزامي، إلا ان ذلك لا يمنع ان الاسراع في إقرار قانون توافقي للانتخاب من شأنه ان ينعكس تلقائيا، بشكل إيجابي، على عملية التأليف، لان معظم الأطراف ستصبح في هذه الحال متساهلة في التعامل مع مسألة الاحجام والحقائب، على قاعدة ان الحكومة المقبلة ستكون انتقالية، وان حكومة ما بعد الانتخابات ستكون هي موضع الاهتمام.
والحرص على إجراء الانتخابات النيابية تبلغه بري من الموفد الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي تربطه ببري علاقة قديمة. كان بوغدانوف واضحا في تأكيد اهتمام موسكو بالحفاظ على الاستقرار في لبنان، والذي يشكل حصول الانتخابات أحد مفرداته البليغة.
ولا يخفي بري ارتياحه الى السلوك الروسي الإجمالي في المنطقة، ملاحظا ان روسيا تكاد تكون حاليا أهم من الاتحاد السوفياتي في عز أيامه. ويلفت الانتباه الى ان موسكو باتت بمثابة بيضة القبان في الساحة الدولية، وهي تصنع التوازن في مواجهة النزعة الاميركية الى الاحادية والهيمنة، واضعا زيارة بوغدانوف الى لبنان في هذا السياق.
وإذ يشدد بري على أهمية الموقف الروسي الاستراتيجي من الأزمة السورية، يستبعد ان تتمكن واشنطن في سوريا من إعادة استنساخ تجربة التدخل العسكري في العراق، لافتا الانتباه الى ان موسكو لن تأخذ كيفما اتفق بالادعاءات الاميركية حول استخدام النظام للسلاح الكيميائي، ولن تقبل بأقل من أدلة ثابتة وقاطعة، خصوصا ان هناك احتمالا بان تكون بعض الدول تزود المعارضة السورية بهذا النوع من الاسلحة لاستخدامه ومن ثم اتهام النظام باستعماله.
ويروي بري كيف ان الروس كانوا من أوائل الذين تحمسوا لإجراء مسوحات من أجل استطلاع إمكان وجود غاز ونفط في لبنان، لكن عرضهم لم يؤخذ بالجدية المطلوبة.
ومن هذه الواقعة، يطل بري على كيفية التعاطي الرسمي مع ملف النفط والحدود البحرية، مستغربا إهمال السلطات المعنية في الدولة حقوق لبنان وعدم خوض المعارك السياسية والدبلوماسية اللازمة لحمايتها، لا سيما في ما يتعلق بمساحة الـ 865 كلم مربعا المتنازع عليها في البحر مع العدو الاسرائيلي الذي يحاول وضع اليد عليها وضمها الى منطقته الاقتصادية، في حين انها جزء عضوي من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية.
ويتساءل بري: ألا يستحق هذا الامر ان نجعل منه قضية حية، وان نستخدم كل علاقاتنا وطاقاتنا من أجل إبرازه في المحافل الدولية؟
ويلاحظ بري ان رئاسة الجمهورية التي تملك صلاحية التفاوض والتوقيع على المعاهدات الدولية، ورئاسة الحكومة التي تمثل السلطة التنفيذية، لا تحركان ملف الحدود البحرية كما يجب ولا تبذلان الجهد المطلوب لمعالجته، الامر الذي دفعني الى ملء الفراغ وتأدية دور هو ليس من صلب صلاحياتي كرئيس لمجلس النواب، محملا الرئيس فؤاد السنيورة مسؤولية ارتكاب خطأ جسيم في الترسيم البحري، لا نزال ندفع ثمنه حتى الآن.
ويتوقف بري عند ما صدر مؤخرا عن أحد خبراء شركة «سبكتروم» العالمية حول وجود مخزون غازي في المياه اللبنانية يفوق ما لدى كيان الاحتلال، مشيرا الى ان الاميركيين أكدوا ايضا ان المخزون المتوافر في لبنان هو من بين الافضل في العالم.
ويضيف: لهذا السبب أؤكد انه لو لم تكن المقاومة موجودة، لكان من الواجب ان نوجدها الآن لحماية ثروتنا النفطية، حتى لا يصيبها ما أصاب مياهنا في السابق، حين كانت اسرائيل تستبيحها وتمنعنا من الاستفادة منها، مستقوية بضعفنا.