التهويل الاعلامي والمبالغات في الحديث عن معارك يخوضها حزب الله في سورية، وعن اعداد شهداء تُسقط له وقتلى يكبدها للطرف الآخر، جعل من الموضوع مثار تساؤل: هل يُقاتل الحزب حقاً في سورية؟ ولماذا؟..
التهويل الاعلامي والمبالغات في الحديث عن معارك يخوضها حزب الله في سورية، وعن اعداد شهداء تُسقط له وقتلى يكبدها للطرف الآخر، جعل من الموضوع مثار تساؤل: هل يُقاتل الحزب حقاً في سورية؟ ولماذا؟.. تحت أي عنوان: هل للقتال بُعد طائفي غرقت فيه المقاومة التي لطالما حذرت من الفتنة؟
أسئلة مشروعة في ظل صيت طيب بناه الحزب وعززه على مدار أعوام تمكن خلالها من قلب المعادلة وفرض موازين قوته في وجه الاحتلال الاسرائيلي، وفي ظل حملة اعلامية شعواء بات يحتل موضوع "قتال" الحزب عناوينها الأولى والأبرز.. وتحريض اعلامي لم يهدأ منذ سنتين، يستسهل إعطاء الصراع بُعداً طائفياً.
يقول هؤلاء إن الحزب يرسل المقاتلين تحت عنوان حماية المقدسات وهو بالتالي وقع في فخ الفتنة، ويزعمون أن المعركة بمشاركة الحزب أخذت بُعداً سنياً-شيعياً، فماذا يقرأ من هم خارج سطوة التحريض؟
لحزب الله سِجل، ألمح إليه أمينه العام في خطابه أول من الأمس، كفيل بأن يقدم إجابات على ما يُثار. الحزب المحذر في مواقفه المتكررة من نار الفتنة الطائفية، لم يُعلن الجهاد المقدس يوم انتهكت مقدسات العراق وفجرت أضرحة لمعصومين. لم يقف حزب المقاومة داعماً لمطالب بحرينية تجاوزت سقف المناداة بإصلاحات سياسية لتنادي بـ "إسقاط الملك" بعد هدم السلطات لما يزيد عن 30 مسجداً للطائفة الشيعية وتخريب عشرات دور العبادة هناك عدا عن احراق نسخ من القرآن الكريم.
في كل الأحداث السالفة الذكر، كرر الحزب تحذيره من الفتنة متفهماً في كل مرة مشاعر جمهور الطائفة، ومؤكداً أن المقدسات ليست حكراً على فريق دون آخر من المسلمين.. ليشدد على أن بوصلة "الجهاد الأكبر" في مكان آخر حيث الاحتلال الصهيوني.
سياسة الحزب لم تتغيّر، تماماً كما أن مشاعر وانفعالات الجماهير تجاه مقدساتها لم ولن تتغيّر. لكن للصراع في سورية بُعداً آخر يفطنه القاصي والداني إلا من أخذته الدعاية الاعلامية المعروفة الأهداف بعيداً.
حزب الله الذي أعلن منذ بداية أحداث سورية تفهمه للمطالب الاصلاحية المرفوعة، وقدم مبادرات مع حلفاء له لتخفيف جو التوتر.. قرأ بُعداً آخر لما تشهده سورية. فحذر من ركوب الموجة، وتحدث عن مؤامرة تستهدف سورية ودورها في المنطقة، وعن عملية تصفية حسابات تخوضها أنظمة ضد النظام السوري لما قدمته من دعم لحركات المقاومة. كما قرأ في الأحداث عملية استهداف لمحور بأكمله يُعد الحزب ركيزة أساسية فيه.
ويؤكد الحزب أن للصراع في سورية بُعد دولي مرتبط بخيارات انتهجها النظام في قضية المقاومة والممانعة، ويعتبر نفسه الهدف التالي. ولعل قضية المدنيين المختطفين في اعزاز ساهمت بتعزيز رؤية الحزب وترسيخها لدى جمهور الحزب. إذ بات الانتماء الطائفي –بحسب الجمهور- كفيلاً بأن يشكل مبرراً للاستهداف والابتزاز في بازار الصراع الدولي مع المقاومة، أدواته مجموعات مسلحة محسوبة على أجهزة استخبارات لدول كانت لاعباً أساسياً في تصعيد الأزمة، دون أن تستنفر جريمة خطف مدنيين مواقف من أيّد "الثورة السورية" كونها "تنشد الحرية".
تسود اليوم قناعة ان أي نجاح في عملية تفكيك محور المقاومة عسكرياً، من خلال اسقاط النظام السوري، لن يكون حزب الله وغيره بمنأى عنها.. خصوصاً بعد فشل مساع دبلوماسية سابقة في ابعاد سورية عن المحور. يعي جمهور الحزب أبعاد المعركة ويفطن خلفياتها، ويُتَرجم ذلك في الرضى الشعبي عن سقوط شهداء للحزب صدوا عمليات عسكرية استهدفت قراهم وممتلكاتهم على المناطق الحدودية.. ارتضى مؤيدو حزب الله أن يخوضوا تلك المعارك ليقوموا كما في السابق بحماية أراضيهم وممتلكاتهم، بعد أن نأت الدولة بنفسها عن القيام بهذا الواجب.
في الدعاية الاعلامية التي باتت تختلق الخبر لتنتج ردة الفعل، يدفع حزب الله وجمهوره ثمن قراءتهم الواعية لما بين السطر وخلف الحدث، فبات الدفاع عن النفس بمقاييس الدعاية "قتالاً" و"جريمة حرب".
ولعل من نتائج هذه الدعاية أن يغدو من استنكر بالأمس "الديمقراطية العراقية التي فرضتها الدبابة الأميركية" هو نفسه من يستدعي هذه الدبابة مجدداً ولكن إلى سورية... دبابة الإدارة "الراعية للديمقراطيات" في المنطقة، هي نفسها التي رفضت الاعتراف بحكومة أنتجتها إرادة شعبية في قطاع غزة عام 2006، لمجرد أنها حكومة مقاوِمة!