28-11-2024 09:55 AM بتوقيت القدس المحتلة

"الإنسان يفكر والإله يضحك" ..!!

جونسون قرر أنه إنسان يفكر، في المقابل، الشعب الذي يعيش جونسون في فضاء جغرافيتهم ومملكتهم الفكرية والثقافية اللاهوتية يضحكون لبراءة جونسون- الإنسان، لأنه لا يدري ماذا ينتظره أيضا من محن أخرى تفرض عليه

مارتن لوثر كينغ محرر السود في أميركاكايل الكساندر، وهو من مواليد ديترويت يبلغ 22 سنة، يذكر كيف قام طالب أبيض بانتقاده علانية لأنه بدا متشبثاً برأيه بشكل مفرط. قال الكساندر :"قال لي لمّا كان الطلاب السود هم الضيوف هنا، عليّ الالتزام بالصمت. لو لم أتابع- يكمل الكساندر- تلك الدورة الصيفية، كنت سأنتقل إلى جامعة أخرى".


قصص التمييز العنصري في أميركا :
أن نقرأ هذه القصة، التي يحدث مثلها كل يوم في أميركا "العظيمة الحضارة" في ضوء فكفكة الاستعمار، على سبيل التدليل على بقاء التمييز العنصري فيها إلى اليوم رغم انقضاء عهد العبودية منذ قرون، لخطأ أشد فداحة بكثير من أن نقرأها مسلوخة عن توجهاتها وانتماءاتها إلى حقائق القوة التي أفعمتها ونفحتها بالمقدرات العلمية الاكاديمية والاجتماعية في قلب المجتمع الأميركي وفي كل ولاياته، يورد الصحافي "بيتر بيلي" قصصا أخرى في مقال تعليقي له في صحيفة NEWS WEEK في عددها المترجم الصادر في 12-8- 2003 تحت عنوان "بداية مبكرة في الجامعة- برامج الأقليات تزيد نسب المتخرجين، بعض منتقديها يعتبرونها غير منصفة".


ويقول "بيلي" أيضاً في مقاله "وقف فنزويل جونسون 18 عاما، بكنزته الصوفية والوشم في حرم جامعة كولغيت الواقع في شمال ولاية نيويورك الريفي، غير أن هذا الطالب الجامعي لا يضايق الطلاب الجدد القادمين من ديتونا بيتش في ولاية فلوريدا. فهو سيعمل بجد في الصف خلال فصل الصيف لأنه يعلم أن المدرسة في بلدته لم تحضّره جديا لما سيواجهه خلال الخريف المقبل، قال :" علي أن أقوم باللازم كي أحصل على تعليم لائق".


تمييز عنصري واضح ضد التلاميذ السود في اميركاالتحضير الجدي قد تعتقده للوهلة الأولى وأنت تقرأ قصة جونسون متعلقا بالقدرة على مدى التكيف الاجتماعي بأزمته الطبيعية عند الانتقال من مجتمع إلى أخر، ولكن تستدرك على الفور أن المقصود بذلك التحضير هو العمل الجاد والمثابرة في التقدم في المناهج الاكاديمية كي يصبح بمستوى الطلاب الذين سينتقل إلى مشاركتهم في صف واحد، والذين قد يتضايقون من تخلفه عنهم بحال لم يكن بالمستوى المطلوب من "الفهم والذكاء" مثلهم !!.. كما يسعى لأن يتأهل للتكيف مع كل ما يمكن أن يتعرض له ممن مضايقات في أن يتقبلها برحابة صدر في سبيل متابعة تحصيله العلمي الذي من شأنه رفع مستواه الاجتماعي وتحسين نظرة هؤلاء إليه، وفي أن يسمحوا له بالانخراط في مجتمعهم الراقي !...


برنامج لتأهيل الطلاب السود :
والكاتب الصحفي "بيلي" يورد في مقاله حالة تقريرية لهذا الوضع الموجود في البلاد الأميركية دون تدخل منه في إعطاء الرأي أو التحليل، لكنه لا يحدد أي أقليات هم المعنيين بمقاله، فهو يسرد قصصاً عن السود في مختلف الولايات الأميركية، فأي سود هؤلاء الولايات الأميركية، فأي سود هؤلاء الذين جُلبوا إلى أميركا كعبيد في القرون الماضية، أم أولئك السود الذين تزداد نسبة هجرتهم إلى الولايات المتحدة بعد انهيار أنظمة الاستعمار في أفريقيا؟. يوضح "بيلي" في مقاله أن المجتمع الأميركي (بأبنائه البيض والسود) منقسم حول مدى أهمية أو جدوى "برنامج كولغيت" الذي يستمر خمسة أسابيع في معظم الجامعات وغرضه الوحيد تأهيل الطلاب السود – الأقليات- "بالرغم من الجدل الحاد القائم حول مسألة برامج نسب حقوق الأقليات عند الدخول إلى الجامعة يشعر عدد كبير من الأساتذة بقبق أكبر على الطلاب المنتمين إلى الأقليات بعد دخولهم إلى الجامعة، فطلاب الأقليات معرضون لخطر التسرب من الجامعة مرتين أكثر من البيض بسبب مزيج من المشكلات الأكاديمية والاجتماعية...".


في أميركا كي تكون مقبولا في المجتمع عليك أن تقبل دائما بأن الأبيض أفضل منكما يذكره "بيلي" يبين كيفية التركيز على مساعدة الأقليات للتخلص من الاحساس بالعزلة الذي يفرضه عليهم الطلاب من الفئات الاجتماعية العالية- الراقية أو من أهل البلد الجغرافي، لأنهم ما زالوا يعتبرون هؤلاء السود ضيوفاً!... إن إيماءاتهما، سواء برنامج "كولغيت" أو الصحافي كاتب المقال، ليست من أعراض الثقة العالية بالنفس لدرجة إنها تحس بمشاكل الأخر وتحاول مساعدته في مشاكل هي لم تختبرها من قبل، بل الاعتلال المتربص، الذي كثيراً ما لا يجري الاعتراف به. ذلك أنك إذا كنت تنتمي إلى مكان ما فليس لزاما عليك أن تظل تردد ذلك وتظهره، فأنت منه وكفى، ولكن يبدو أن المصادرة الاستعمارية، اي الجغرافية، تقتضي نبرات معربة إصرارية كهذه. وتلك التأكيدات هي العلامة المائزة للثقافة الإمبريالية المتأصلة في روح الأجيال، التي باتت تتوراثه في الغرب الأميركي، وهي تعيد نفسها لنفسها ومن أجل نفسها. ومن الغريب أيضاً أن كاتب المقال لا يشرح لنا أو يبين لماذا هذا الانقسام في الرأي حول برامج "كولغيت" تلك الأسباب الخلفية العميقة.. ذلك أنك تشك في أن أي رجل أبيض أو امرأة بيضاء عاشا ضمن مدار الأمبريالية الأوروبية – الأميركية ونسيا مرة أن التفاوت في القوة بين الحكام البيض والرعايا الأصلانيين كان تفاوتاً مطلقا، وهذا ما يراد له أن يكون لا متغيرا ومتجذرا في الواقع الثقافي والسياسي والاقتصادي.


غسيل دماغي لحقائق التاريخ:
يكمل "بيلي" في مقاله "ففي الخريف الماضي نشر أستاذ اللغة الانجليزية فيليب ريتشارد، وهو أسود، مقالا في النشرة الخاصة بالدروس العليا جادل فيه أنه لا يجب على جامعة كولغيت أن تقبل السود من الأسر ذات الأجور المنخفضة الذين يحتاجون إلى مساعدة إضافية، وبعدما تسبب هذا المقال بنزاع حاد أكد المسؤولون في الجامعة التزامهم بمبدأ التنوع، قد يأتي التهديد الأكبر من المعارضين لبرنامج حقوق نسب الأقليات الذي يقولون إنهم سيرفعون دعوى قضائية للمطالبة بإيقاف هذه البرامج في حال لم تفتح أمام كل الأعراق".


في إحدى الجامعات الأميركيةالمثير للغرابة أكثر أن يرتفع صوت "أسود"- مؤكد انه ناضل بدوره ليأخذ هذه المكانة في مجتمع البيض_ مطالباً بإيقاف هذه البرامج ليس لأنها تقرر بشكل فعلي عملية التمييز العنصري وتقره أكاديمياً واجتماعيا وتعطي مبررا للمتعالين على مجتمع الأقليات "العاجز" عن التعاطي بشكل حضاري مع المجتمع الأم" بل لأنه بساطة هو قلق على ما يمكن أن تتكلفه الجامعة من مساعدات إضافية بحال استمرت بقبول السود من الأسر ذات الأجر المنخفض؟.. لا ريب أنه ذلك الاحساس الذي يرافق – بعض- السود أو أية "أقليات أخرى" بالشعور بالامتنان للمتفضلين عليهم، حيث يعتريهم إحساس بالذنب إن هم كلفوهم أكثر مما ينبغي، هذا من جهة، وبإحساس ضائع في مؤسسة متاهية هائلة واحدة لا يستطيعون الفكاك منها ولا فهمها من جهة أخرى..! أو أنه ذلك "الغسيل الدماغي" لحقائق التاريخ حيث يدفع بالمريض إلى تقبل ان يكون هو المجرم، الذي تبحث عنه نظرية العقاب والجريمة في عالم لاهوتي مزيف".


يتابع "بيلي" :"غير أن هذا الجدل لم يحل دون أن يقرر جونسون تكريس طاقته التامة للدراسة في كولغيت وفي أحدى الأمسيات شاهد جونسون منظر غروب الشمس على وادي شينانغو. قال "أعلم أنني سأنجح هنا، أما الذين لا يعتقدون ذلك فعليهم أن ينتظروا إلى حين إعلان النتائج". على كل "بيلي" يعترف مع قومه بأسلوب غير مباشر وفذ أن هؤلاء يملكون القدرة على التصميم، ولكن يلفتك أنه اعتراف على قاعدة المثل اليهودي "الإنسان يفكر والإله يضحك"، جونسون قرر أنه إنسان يفكر، في المقابل، الشعب الذي يعيش جونسون في فضاء جغرافيتهم ومملكتهم الفكرية والثقافية اللاهوتية يضحكون لبراءة جونسون- الإنسان، لأنه لا يدري ماذا ينتظره أيضا من محن أخرى تتطلب منه الثبات في موقع يظل يثبت فيه أنه إنسان ويدافع عن كونه "يفكر"..؟ لا غرابة أن تقف "ثقافة شعب الله المختار" وراء كل تمييز عنصري في العالم عندما تسترجع حركات الاستبداد الاستعماري في التاريخ وترى أن أهم رموزه هم من اليهود...