أن يختزل الصراع التاريخي على الأرض الفلسطينية المحتلة إلى مجرد سياقات هامشية لتبادل بعض الأراضي فتلك مأساة السياسات الهابطة غير المجدية .
محمد السودي
أن يختزل الصراع التاريخي على الأرض الفلسطينية المحتلة إلى مجرد سياقات هامشية لتبادل بعض الأراضي فتلك مأساة السياسات الهابطة غير المجدية .
دأبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة الرهان على عامل الوقت للتماهي مع السياسات اليمينية المتطرفة لحكومات الإحتلال فضلا عن توفير الدعم والحماية المطلقة لها ،مثلما أظهر وزير الدفاع الأمريكي "تشاك هيغل" الذي أثار ترشيحه لهذا المنصب حفيظة اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة على خلفية اراءه غير المطمئنة للطغمة المتنفذه ويبدو أن الرجل أراد تحسين صورته ببراعة فائقة على الطريقة الهوليودية وتبديد الشكوك لدى المحتلين من خلال رزمة المساعدات العسكرية السخيّة مايجعلها متفوقة دائما في الأقليم أثناء زيارته الأولى للمنطقة التي أعطى بها حكومة الإحتلال العنصرية بلا حدود باليد اليمنى ثم أراد استرداد أثمانها باليد اليسرى من أموال النفط العربي جراء عقد صفقات تسليحية تقدر بمليارات الدولارات لحماية نفسها من المخاطر الخارجية كما يدعي ، دون أن ينسى إزالة مخاوف حكومة نتنياهو تجاه الملف النووي الإيراني بما في ذلك إبقاء الباب مفتوحاً أمام التدخل العسكري الأمريكي المباشر كما فعل رئيسه ووزير خارجيته اللذان أكدا بأنه لايمكن السماح لإيران بأن تنتصر.
هذه السياسات الأمريكية ذات السقوف المرتفعة تجاه الحليف الإستراتيجي ليست جديدة على الإطلاق ولكن مايثير الريبة بالمقابل هبوط أسقف السياسات العربية التي سبق لها أن طرحت مبادرة للتسوية عام 2002 م ترتكز إلى أربع عناصر رئيسة قوامها ، الإنسحاب من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، حل عادل لقضية اللاجئين الذين طردوا من أرضهم وديارهم على أساس القرار الأممي 194 م ذات الصلة بالموضوع وهي صيغة فضفاضة خاضعة للمفاوضات النهائية ، تطبيع العلاقات الكاملة مع كيان الإحتلال وإقامة علاقات طبيعية ودبلوماسية ، مبادرة قوبلت بالتجاهل التام من قبل حكومات التطرف الأسرائيلة ، في حين جددّ القادة العرب مساعيهم لتحريك المسار السياسي بناءًعلى طلب فلسطيني رسمي بأرسال وفد سباعي من الجامعة العربية برئاسة الشيخ القطري جاسم بن حمد أل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية وأمين عام الجامعة العربية وأخرين نحو العاصمة الأمريكية الذين لم يستقبلهم الرئيس الأمريكي خشية الإلتزام بأي شيء محدّد قد يغضب اسرائيل كي يعيد هذا الوفد طرح المبادرة مضافا اليها القبول الرسمي بمبدأ تبادل الأراضي أي التجمعات الإستيطانية الكبرى التي تفصل مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني من كافة الإتجاهات مع أن هذا الموضوع سبق وأن تم بحثه في مناسبات عديدة ومع ذلك تجاهلت الولايات المتحدة وبعض الناطقين المبادرة بشموليتها ورحبت بجزئية القبول العربي لفكرة تبادل الأراضي بينما لم تصدر أي ردود أفعال من قبل "حكومة نتنياهو"بشكل رسمي باستثناء تسيبي ليفني" الوزيرة المسؤولة عن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني التي عبّرت بصفة شخصية عن رأيها بفرحٍ غامر قائلةً أخيراً أدرك العرب أن الحدود يجب أن تتغير ، كما خرجت بعض الأصوات من هنا وهناك ترحب بذلك التطور الذي يستدعي الجلوس الى مائدة المفاوضات دون أدنى استعداد لوقف البناء الإستعماري الإستيطاني أو التراجع عن اشتراطاتها التعجيزية ، بل على العكس من ذلك قامت بتصعيد عدوانها على قطاع غزة ،ووفرت الحماية على الدوام لمليشيات قطعان المستوطنين المدججين بالسلاح والعتاد بالعدوان عى الإنسان الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته في هجمة عنصرية لم يسبق لها مثيل ، وطردت مواطني الأغوارالفلسطينيين أصحاب الأرض من أماكن سكناهم تحت العراء بحجّة التدريب العسكري وهي محاولة متكررة لإفراغ الأغوار الشمالية من سكانها والسيطرة على أراضيهم بما يخدم مخططاتها الإستراتيجية للبقاء على الحدود الفاصلة مع الأردن لأسباب أمنية كما يزعمون ، يقابل ذلك استدعاء بعض كتائب قوات الإحتياط لأجراء مناورات عسكرية مفاجئة على الحدود مع لبنان وسوريا من أجل خلط الأوراق وصبّ الزيت على نار الأزمة في المنطقة التي تواجه عواصف عاتية لايمكن التنبؤ بما ستؤول اليها خواتم الأمور .
إن سياسة الهروب إلى الأمام والإستجداء من خلال السقوف السياسية التائهة لن تعيد الحقوق الفلسطينية لأصحابها حيث يعلم الجميع علم اليقين أن حكومات الإحتلال غير مؤهلة لتسوية تاريخية عادلة لأسباب موضوعية تتعلق بطبيعة الصراع واختلال الميزان الدولي لصالحها ، بينما يكتفي المجتمع الدولي بإدارة الوضع القائم منذ ست عقود ونيف وتستثمراسرائيل الوقت الذي توفره الإدارة الأمريكية من أجل فرض حقائق جديدة على أرض الواقع تتغير فيها المعالم الجغرافية والديمغرافية كل يوم يمضي دون حساب ، السيد بايدن نائب الرئيس الأمريكي الذي كلف نفسه عناء حضور اللقاء بين الوفد العربى ووزير الخارجية كيري لمدة نصف ساعة شكرالرئيس الفلسطيني على المساهمة الفاعلة لإنجاح المساعي التي تقوم بها إدارته من خلال عدم الذهاب الى المنظمات الدولية الأممية للحصول على عضويتها ، إذن هي وقاحة السياسات الأمريكية نفسها المنحازة لأسرائيل فماذا ينتظر العرب والفلسطينيون من وراء هذه الزيارات غير الإستخفاف بعقول الناس والهوان؟ لقد كان الأجدى من مؤسسة القمة العربية تنفيذ مقررّاتها المتعلقة بدعم صمود القدس الذي تعهدوا به ويبدوا أن مصيره سيكون مصير قرارات الدعم السابقة وشبكة الأمان الموعودة ، كما ينبغي العمل على انهاء حالة الإنقسام لااحتضانه وتغذيته .
لقد حان الوقت لأن تتم المراجعة النقدية للسياسات المتّبعة وتقييم الأداء الفلسطيني بعد مرور عقدين على متاهة المفاوضات دون طائل ، للإنطلاق نحو أفاق المستقبل والتأشير على مكامن الخلل ، هكذا تفعل الأمم والشعوب والدول لرسم خططها واستراتيجياتها يشارك به القادة السياسيين ونخبة المثقفين ومراكز البحث والدراسات والشخصيات الوطنية والإقتصادية التي تمثل شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني، لايمكن أن يبقى الشعب الفلسطيني رهينة الإنقسام المدمر لمشروعة الوطني من جهة والإنتظار إلى مالانهاية ، وعدوان الإحتلال وممارساته الوحشية وضياع الأرض والمقدسات من جهة أخرى ، ثمة مكوّن أصيل من الشعب الفلسطيني يتعرّض لكارثة إنسانية في مخيمات اللجوءوالشتات يتطلب بذل الجهود الحثيثة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية بكونها الممثل الشرعي والوحيد وعلى كل المستويات لإنقاذه من التشريد إلى اللامكان وحمايته من عمليات القتل بدم بارد بالرغم لأن سياسة النأي بالنفس التي لم تعد تجدي نفعاً ولم ينفع معها المناشدات وبيانات الشجب والإستنكار ...
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه