الحراك الشعبي السوري الذي بدأ في آذار 2011 سرعان ما تمت مصادرته من الولايات المتحدة وحلفائها, حتى وصل الحال أن أصبحت الأزمة في سوريا في جوهر توازن القوى الإقليمي.
حسام مطر
الحراك الشعبي السوري الذي بدأ في آذار 2011 سرعان ما تمت مصادرته من الولايات المتحدة وحلفائها, حتى وصل الحال أن أصبحت الأزمة في سوريا في جوهر توازن القوى الإقليمي. الأميركيون والصهاينة والخليجيون المثكولون بهزائم العراق ولبنان وغزة وجدوا في الحدث السوري قشة خلاص, لذا كانت كلما تقدمت الأزمة السورية كانت تبتعد عن مبرراتها الداخلية نحو صراع المحاور الإقليمية, وبناء عليه تطور موقف حزب الله وإيران بشكل تدريجي الى حد التصريح الأبرز لأمين عام حزب الله في خطابه الأخير : إن لسوريا أصدقاء في العالم والمنطقة لن يسمحوا لها أن تسقط بيد واشنطن وتل أبيب.
بعد ساعات من رسم الأمين العام لحزب الله خطاً أحمر في الشأن السوري, سارع المحور المقابل الى تكليف إسرائيل برسم خط أحمر مقابل, وومفاده عدم سماح واشنطن وتل أبيب بسقوط المعارضة ميدانياً أو تلقيها خسائر إستراتيجية. لم تكن الحملة السياسية والإعلامية خلال الأسبوع الفائت بشأن السلاح الكيميائي السوري إلا تمهيداً لغارة الأمس. منذ بداية الأحداث تمت توسعة نطاق الصراع عند كل فشل للمعارضة السورية , فبعد التسليح, تم الإنتقال لفتح الحدود اللبنانية ثم التركية ثم العراقية وأخيراً الأردنية بموازة التدرج الغربي والعربي في الخطوات السياسية لعزل النظام.
أمام كل ذلك كان المحور المقابل يقوم بالإستجابة المتدرجة أيضا, سفن روسية وإيرانية على الشواطىء السورية, دعم لوجيستي وتقني روسي _ إيراني متزايد, موقف سياسي متقدم وأكثر جرأة لحلفاء دمشق, ظهور دور حزب الله في القصير وحي السيدة زينب, وهذه الأخيرة أتاحت انتصارات هامة لصالح الجيش السوري في القصير وريف دمشق وبدا أن "معركة دمشق" التي لطالما جرى الترويج لها أصبحت من الماضي.
هنا لم يكن بإمكان الأميركي والإسرائيلي ترك الأمور فقط للتركي والخليجي بعد عامين من الفشل , كان لا بد من دور مباشر في محاولة لإعادة التوازن الى الصراع. هل يؤدي التدخل الإسرائيلي المباشر الى نشوب حرب؟ هل هذه الحرب من ضرورات التسوية السورية؟ الأميركيون والروس ليسوا معنيين بنشوب معركة إقليمية, الصهاينة وإيران كذلك وإن بدرجة أقل, ولكن في المقابل كلا المحورين ليس في وارد القبول بهزيمة في سوريا, لذا على الأرجح أن تتزايد الإحتكاكات المباشرة ولكن بظل حسابات دقيقة قدر المستطاع. من يعتقد بإمكانية الإستفراد بسوريا وحزب الله يتجاهل الإمكانات المذهلة الكامنة في طهران, والمفاجآت المعقولة من غزة والعراق, الأميركيون والصهاينة يعون ذلك على ما يبدو.
ما أنتجته الضربة الإسرائيلية أنها كشفت بشكل واضح كعين الشمس حقيقة ما وصل إليه الصراع في سوريا, حقيقة الدور المطلوب من المعارضة السورية المسلحة, حقيقة الإنقسام السياسي وليس المذهبي في سوريا. ستتيح الضربة هامش اوسع لدور حزب الله وإيران لأن سردية الخلفيات المذهبية تتراجع أمام التدخل الإسرائيلي ويصبح الرأي العام العربي والإسلامي أكثر أدراكاً لما كان يكرره حزب الله منذ أشهر طويلة حول الأزمة السورية ودور الخارج في مصادرة حراك شريحة من السوريين بفعل بعض قيادات المعارضة المغفلة او التابعة.
الرد على الغارة الإسرائيلية ليس قراره في دمشق فقط, بل في طهران بداية ثم في موسكو, فهل يتم تجاهل الغارة مقابل تعزيز الجهد الميداني في الداخل؟ أم تجري محاولة لوضع خط أحمر أمام الدور الإسرائيلي برد موضعي؟ الرد على الغارة يبدو ملحاً لعل فيه الصدمة التي تفتح المسار نحو التسوية السورية وربما تفتح أيضاً بعض البصائر والقلوب العربية وتخرجها من رومنسيتها الثورية الساذجة. في الجوهر لم تكن الغارة الإسرائيلية على دمشق بل على "لن يسمحوا" التي أعلنها السيد نصر الله, هكذا تتجلى الصورة الحقيقية للصراع, فانظروا أين أنتم منه.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه