لم يعد لاقتراح القانون الأرثوذكسي علاقة بالمزايدات السياسية وابتزاز الفرقاء بعضهم لبعض. يضع قرار الرئيس نبيه بري عرض الاقتراح في أولى جلسات 15 أيار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع
غسان سعود
لم يعد لاقتراح القانون الأرثوذكسي علاقة بالمزايدات السياسية وابتزاز الفرقاء بعضهم لبعض. يضع قرار الرئيس نبيه بري عرض الاقتراح في أولى جلسات 15 أيار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أمام خياري تضييع حق المسيحيين بالمناصفة النيابية التي نصّ عليها الدستور، أو منح طائفته سلاحاً يحميها من تداعيات المخاض الذي تشهده المنطقة.
لا ساعة حائط في مكتب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. فقط أربع لوحات لمشاهد طبيعية من بشري. ولا ساعة في قاعة اجتماعات كتلة القوات وقاعة الاستقبالات الشعبية أو حتى في معصم جعجع. يقول أنصار الرجل إن ساعة دقيقة تدور في عقله، تغنيه عن ساعات الحائط أو حتى السؤال عن الوقت. ويضيف المطّلعون وسط الأنصار على ما يدور في ذلك العقل، أن صاحبه يضغط بكل ما في ساعدَيه من قوة على عقارب الساعة لتكمل دورانها الطبيعي دون العودة إلى الوراء. ففي الواقع، يمكن جعجع الاستماع إلى مطولات الرئيس فؤاد السنيورة بشأن مصلحة قوى 14 آذار الانتخابية في ما يخص قانون الانتخاب، ومشاركة الرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر وبعض نشطاء الفايسبوك أحلامهم في ما يخص التحول السياسيّ في سوريا، والمضي قدماً في محاولة إقناع نفسه بأن «الإخوان المسلمين» خير حليف لحزب «الوجود المسيحيّ الحرّ في الشرق»، لكن من يترقب نتائج رهاناته السياسية لأول مرة ليس كمن سبق له أن اكتوى بنارها.
حين يؤتى على ذكر سوريا أخيراً أمام جعجع، لا يبدي تراجعاً عن ثقته بـ«حتمية التغيير»، لكن نبرته خسرت الكثير من حماستها، مقارنة بما كانت عليه قبل 26 شهراً. ولم يَعُد يَعِد المستمعين إليه بمنٍّ وسلوى، بل بـ«جلجلة طويلة» و«آلام». هو لن يعلن دون شك تسرعه كثيراً في القول إن «زيت الرئيس السوري بشار الأسد خلص»، لكن الزيارات الدبلوماسية لمعراب المنقطعة النظير عددياً، واجتماعاته شبه اليومية مع السفراء الأجانب، لا توحي له بغير نتيجة واحدة: لا يمكن توقع نهاية للحرب السورية، ولدى الرئيس السوري مخزون مهم من الزيت، سواء السوريّ أو الإيراني أو الروسيّ. وبناءً عليه، يستمر جعجع في مدّ «الثورة» بالتأييد الإعلامي، لكن بينه وبين نفسه وفريق عمله الصغير لا مجال للانتشاء أكثر بوعود النائب عقاب صقر. الفرق بين جعجع والعماد ميشال عون أن الأخير كان يعرف دائماً وجهة «الإرادة الدولية»، فيسير ضدها، بينما جعجع يلتزم دائماً إشارات سيرها ليفاجأ بتكويعها من دونه قبيل الهاوية تماماً: أشرف الرجل في حصار دير القمر على أكبر ثمن يمكن مجتمعه أن يدفعه جراء تكويع المجتمع الدولي ممثلاً بإسرائيل في الشوف وشرق صيدا، وعودته أدراجه صوب الجنوب. ولم يلبث أن دفع أحد عشر عاماً من عمره سجناً جراء تراجع المجتمع الدولي ممثلاً بالسعودية عن تعهداته في الطائف بالحفاظ على المناصفة دون إعلام شريكه المسيحيّ. عام2005 «كوّع» المجتمع الدولي 90 درجة، فكان الاتفاق الرباعي. وعام 2009 وسّع المجتمع نفسه الكوع أكثر، فنام الحريري في سرير الرئيس السوري بشار الأسد، فيما جعجع في معرابه وحيداً. وبالتالي يحق لجعجع أن يقلق وأن يبحث عن طمأنات ويضمن وجود مخارج قبيل الهاوية، إن وجدت.
وفي الحسابات الانتخابية يعلم جعجع أن تجميد بكركي «الإجماع المسيحيّ» على اقتراح القانون الأرثوذكسي شهراً، كان هدفه الوحيد منح قائد القوات فرصة إقناع تيار المستقبل بقانون انتخابيّ آخر يؤمن للمسيحيين الجزء الأكبر مما يؤمنه الاقتراح الأرثوذكسي. لكن تيار المستقبل لم يبال بمساعي جعجع، ولم يبد النائب أحمد فتفت أي اهتمام عملي باقتراح زميله جورج عدوان الانتخابي، سواء داخل لجنة التواصل النيابي أو خارجها. ومعراب تعلم أن «الأرثوذكسي» يمكّنها من تأسيس كتلة نيابية مستقلة تماماً عن تيار المستقبل، يتجاوز عديد أعضائها اثني عشر نائباً، ولها تمثيلها الوازن في جبل لبنان. ومعراب واثقة من أن ما سيخسره «المستقبل» في دوائر ستربحه هي في دوائر أخرى. أما إسقاط جعجع «الأرثوذكسي»، فيدفع المجلس النيابي باتجاهين، لا ثالث لهما في ظل صعوبة الاتفاق على قانون مشترك، هما: إجراء الانتخابات بحسب قانون الستين، أو التمديد للمجلس النيابي عامين. وتحافظ الكتل النيابية بموجب الخيار الأول على أحجامها التمثيلية، تقريباً. فبغض النظر عن الاختراقات الصغيرة التي يمكن أن تحصل في الأشرفية والكورة لمصلحة التيار الوطني الحر وحلفائه، وفي طرابلس لمصلحة تيار المستقبل، ومعركتا زحلة وزغرتا، سيحافظ التيار الوطني الحر على فوزه بمقاعد جبيل الثلاثة وكسروان الخمسة وجزين الثلاثة وأربعة من مقاعد بعبدا الستة وستة من مقاعد المتن الثمانية. فالصوت الشيعي يضمن فوز العونيين بمقاعد جبيل وجزين وبعبدا، بغض النظر عن التفوق العوني المسيحي أو عدمه في هذه الدوائر الثلاث، وموازين قوى المتن وكسروان ما زالت ترجح الكفة العونية. وبناءً عليه، ستتحمل القوات أربع سنوات أخرى من عدم التمثل في جبل لبنان بغير النائب جورج عدوان الذي تشك في قبول النائب وليد جنبلاط ترشيحه على لائحته مجدداً، وسيحافظ تيار المستقبل على تحكمه بعديد النواب في كتلتها التي ستبقى أصغر بكثير من الكتلة العونية. ونتيجة الستين الرئيسية في حسابات معراب بقاء جعجع لاعباً ثانويّاً جداً، ولو مقارنة بجنبلاط، في ما يخص تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب والتأثير في القرارات المهمة وتسمية رئيس الجمهورية المقبل. أما التمديد، فلا نتائج الحرب السورية تضمن لجعجع ما سيحصل بعده، ولا أداء حلفائه الذين لن يعطوه في السلم قانوناً انتخابياً يصحح التمثيل المسيحي لم يعطوه اليوم رغم ضراوة الحرب.
أما الأهم مما سبق، فمعرفة جعجع ـ كما يكرر القول ـ أن المنطقة تمر بمخاض حقيقيّ، ومعرفته أيضاً أن جماعته الطائفية لا تملك سلاحاً تواجه به ما يمكن أن يخرج من هذا المخاض غير ذلك القانون البشع الذي يضمن لكل المكونات اللبنانية تقريباً تمثلها في النظام الطائفي. فمن يعدون الأيام لرؤية أيادي ستريدا جعجع وإيلي كيروز وأنطوان زهرا وجورج عدوان وفادي كرم وأنطوان أبو خاطر وجوزف معلوف وحتى شانت جنجنيان، في المجلس النيابي، لا يتوقعون أخذ جعجع التطورات الإقليمية باعتباره ولا توقفه عند عديد النواب في كتلته مقارنة بكتلة عون، لكنهم ما زالوا يراهنون على تعلمه من دروس الماضي الكثيرة واقتناعه بأن طائفته خسرت بسببه وغيره ما يكفي، وعلى نوابه رفع أياديهم مرة واحدة للحفاظ على ما بقي.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه