ما حصل في سوريا قبل أيام ليس تفصيلاً عابراً. عدوان جديد لا يمكن أن يحتسب على أنه غارة إضافية. المسألة ليست تطوراً كمّياً، بل نوعيّ يقلب الموازين ويغيّر المعادلات
محمد صادق الحسيني
ما حصل في سوريا قبل أيام ليس تفصيلاً عابراً. عدوان جديد لا يمكن أن يحتسب على أنه غارة إضافية. المسألة ليست تطوراً كمّياً، بل نوعيّ يقلب الموازين ويغيّر المعادلات. صحيح أن قصفاً شبيهاً استهدف دمشق قبل أشهر في ما عرف بعدوان جمرايا. وقتها، رسمت خطوط حمر، جرى إفهام العدو الصهيوني بأن تجاوزها مجدداً لن يمر مرور الكرام. يبدو أنه لم يفهم. أو على الأقل، فهم وتغابى. وربما اعتقد أنه قادر على فرض معادلة جديدة، ظاناً أن محور المقاومة مشغول بإجهاض المغامرة الصهيو ـــ أميركية في سوريا.
لا شك في أنه مخطئ. وسرعان ما سيكتشف خطأه، ويندم على خطيئته. حراك الأيام القليلة الماضية نتائجه ستتظهّر خلال ساعات، أو أيام على أبعد تقدير، وستحدد أطر القمة المنتظرة بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين، والتي يفترض أن تحدد هندسة العالم كما يراها ثلاثي المشهد الدمشقي بالتوقيت الإيراني ـــ السوري ـــ اللبناني الجديد.
وبغض النظر عما أعلن من مواقف، وما تم تسريبه من معطيات مذ اهتزت دمشق على وقع الغدر الصهيوني، يبدو واضحاً أن محور المقاومة قد حسم خياراته، على مستوى أركانه الثلاثة، بسلسلة من القرارات التي بوشر العمل بترجمتها على الأرض. لعل القرار الأول هو ذاك الذي اتخذته القيادة السورية بتقديم الدعم النوعي والاستراتيجي اللامحدود للمقاومة الإسلامية اللبنانية ووضع كل إمكانات الجيش العربي السوري في خدمة قيادة حزب الله. تلاه طبعاً قرار سوري ثانٍ حاسم ونهائي، ظهرت بعض ملامحه خلال اليومين الماضيين، بفتح باب الجهاد لمن يريد من العرب والمسلمين انطلاقاً من الأرض السورية وتحويل الجولان الى «مقاومة لاند». واللافت في هذا القرار، الذي يمكن اعتباره الرد الأقوى والأكثر عمقاً وتحولاً في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أنه جاء خلاصة توافق استراتيجي بين مطابخ صناعة القرار في عواصم محور المقاومة الرسمية والشعبية.
وعلى ما بات معروفاً، كانت الخطوة الثالثة تحذيراً واضحاً ومباشراً للأردن من الانزلاق الى فخ يحوله الى ضحية مؤامرة أميركية ـــ إسرائيلية تشطب هذا البلد من خريطة المنطقة وتطيح العرش الهاشمي، في ظل معلومات مؤكدة عن أن الملك الأردني مستاء جداً من الدورين التركي والقطري، ومتخوف من اجتياح جبهة النصرة وأخواتها لحكمه.
لم يأت التحذير معزولاً، بل مرفقاً بإعلان إيران استعدادها لتقديم كل ما يلزم لإخراج الأردن من هذا المنزلق، بالتعاون مع العراق، على شكل إسناد شامل من النفط والاستثمارات المتعددة الأشكال، مع تعهدات بمساعدته على تجاوز تداعيات الحرب العالمية على سوريا إذا ما قرر الانضمام الى محور الممانعة. ولا داعي هنا للتأكيد أن الأسد يرحب بالخطوة الإيرانية، وهو على تواصل دقيق ومباشر مع عمان.
والموضوع القطري ليس بعيداً عن اهتمامات طهران التي يظهر أنها قررت أن ترفع البطاقة الحمراء في وجه الدوحة، مرفقة بتحذير صارم: إن وقت استخدام المال للعبث بأمن المنطقة العربية والإسلامية قد وصل الى نهاياته.
في المقابل، فإن الجمهورية الإسلامية تستعد لأن تعرض على السعودية تفاهماً إيرانياً ـــ سعودياً لإعادة الأمن والاستقرار في المنطقة، بعيداً عن محور الحرب العالمية على سوريا أو التحول الى ذيل تابع لسياسات قطر وتركيا الأطلسية الأميركية. كذلك يبدو أن إيران مصممة على عرضها على مصر المساعدة لعودة الدور المصري القوي الى الساحتين العربية والإسلامية، بعيداً عن العبث الأميركي ـــ الإسرائيلي بمصائر دولها. المعطيات المتوافرة تشير إلى أن القاهرة تفكر جدياً بالخروج من الدائرة التركية ـــ القطرية، وخاصة في ظل حالة من الاستياء الكبير تسود مطبخ صناعة القرار المصري من دور هاتين الدولتين في استغلال فضاءات ما بات يعرف بالربيع العربي لغير صالح شعوب المنطقة.
أما في ما يتعلق بالحماقات الإسرائيلية و/ أو الأميركية التي يمكن أن يتم من خلالها التعرض لأمن محور المقاومة، فإن إيران وسوريا جادتان في مواجهتها بحزم وقوة رادعتين، بل إن «أمر النار» قد نقل من القيادة العليا الى الميدان، وما على المشككين في ذلك إلا اختبار جاهزية هذا الميدان. وهنا بيت القصيد، ذلك أن دمشق وطهران تتحركان في الميدان الدبلوماسي والعسكري على أساس أن من يصنع سقف التسويات أو التوافقات الدولية هي معادلات الواقع على الأرض وليس العكس.
يحصل ذلك كله في ظل اتفاق، يضم سوريا وإيران وحزب الله، على تجنيب لبنان أي تداعيات تعرّض سلمه الداخلي الأهلي للخطر ومنع حدوث فتنة سنية ـــ شيعية على أرضه وتقديم كل ما يلزم له، حكومة وشعباً ومقاومة، بما يعزز دور الدولة اللبنانية القادرة والعادلة والمستقلة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه