كان العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أول من نبّه، منذ عقود، إلى ظاهرة التكفير والتطرف في العالم العربي والإسلامي، ولم نكن نتوقع أن هذا الرجل الفذ يمكن أن يقتل على أيدي هؤلاء التكفيريين أنفسهم !!
كان العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أول من نبّه، منذ عقود، إلى ظاهرة التكفير والتطرف في العالم العربي والإسلامي، ولم نكن نتوقع أن هذا الرجل الفذ يمكن أن يقتل على أيدي هؤلاء التكفيريين أنفسهم !!.. منذ يومين كان أربعين الشهيد العلامة البوطي، بهذه المناسبة الأليمة عقد معهد المعارف الحكميّة للدراسات الدينيّة والفلسفيّة ندوة بعنوان "صحوة فكر وربيع شهادة" في مركزه في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت.
وردت إلى المركز بهذه المناسبة رسائل عديدة من علماء من العالم الإسلامي تتحدث عن مناقبية الشهيد الكبير. وكان أبرز هذه الرسائل من مستشار الإمام السيد علي الخامنئي أية الله محمد علي التسخيري، الذي أشاد بدور الراحل في سوريا وتحدث عن الأثر التبليغي فيها وكيف ساهم بقوة في تحويل المشهد في سوريا إلى حال من التدين والالتزام بالإسلام.
حاضر في الندوة فضيلة الشيخين ماهر حمود وحسين شحادة وأدارها الزميل الإعلامي محمد شري. وسبق عقد الندوة كلمة لأمين عام حركة الأمة الشيخ ناصر الجبري. ومما جاء فيها :" أن الشهيد البوطي كان نموذجا معطاء في العلم الذي درسه ومن خلال المدرسة التي نشأ فيها وهي مدرسة أبيه العلمية الصوفية وعلى أيدي علماء بلاد الشام". وتابع الشيخ الجبري أن العلامة الراحل لم يضع نظريات فلسفية وعقدية فحسب بل مارس قناعاته عملياً في مسيرته الطويلة، وما زلنا نذكر كيف باع بيته وقدّم ماله هدية للمقاومة في قطاع غزة".
الشيخ حسين شحادة : البوطي اكتشف مبكرا خطر التطرف
"البوطي كما عرفته"، عنوان المداخلة التي ألقاها فضيلة العلامة الشيخ حسين شحادة، وقال إن الراحل الكبير ببصيرته الفذة لفت إلى أن ما يعيق وحدة الأمة الإسلامية هو الاستعمار وفلوله من جهة، وانهيار العالم العربي من جهة أخر. وأن الحملة المعادية للإسلام بدأت منذ اللحظة التاريخية لانهيار الاتحاد السوفياتي. وسموه "الخطر الأول على الغرب". فأشعلت الحرب في أفغانستان مرورا بالضغوط على إيران وتصنيفها بمحور الشر تمهيدا لإخضاع الشرق الأوسط للتفكيك لاحقاً.
وهذا ما وعاه البوطي مبكراً ونبّه إليه وقال إننا نتعرض إلى مؤامرة كبرى، حتى استشهد بواحدة من فتاوى التكفير". وأضاف العلامة شحادة :"لا يسع الناقد الذي درس سيرة البوطي إلا أن ينظر إلى أعماله مجتمعة، إذ يلاحظ أنه عمل بجهد كبير على إبراز محاسن الإسلام ودوره في الفكر والتنمية والحضارة. فقد أول انجازاته العلمية بأن كتب عن الجهاد وموارده الحقيقية.". وأوضح العلامة شحادة أن البوطي كان وفياً للسلف الصالح وعلمائه وأنه لم يستبدل التقوى والعمل بأمر الله بالمناصب والمال، كما يفعل غيره من العلماء اليوم".
الشيخ ماهر حمود : الشهيد البوطي تمنى الشهادة منذ أربعين عاما
إمام مسجد صيدا فضيلة الشيخ ماهر حمود، حاول التحدث عن "الوسطية في فكر الشهيد البوطي" ، ولكنه بعيدا عن هذا العنوان، حدّث الحضور بعفوية جميلة عن ذكرياته حين كان تلميذا للبوطي في الشام وقال "تعرفنا عليه طلابا في جامعة دمشق في السبيعينات، فقد كنت أنتهز الفرصة لأحضر محاضراته، فقد كان أكثر الأساتذة بروزاً بين أقرانه".
وتابع الشيخ حمود :"كنا نراه دائما يأتي بالنص الديني إلى الواقع ليضيء به عبرة وحكمة، فقد كان فكره منخرطا في الحياة بكل تفاصيلها. وتصدى انذاك لظاهرة الالحاد التي كانت تنتشر بين الشباب، وألف كتابا يبرهن فيه وهم الالحاد ويثبت وجود الخالق..وكان يتجمهر حوله أعداد كبيرة من الشبان". ولفت الشيخ إلى أن البوطي كان فكره إخوانياً بالمعنى الإسلامي ولكنه لم ينخرط أبدا تنظيمياً، حيث كانت الساحة السنية انذاك منقسمة بين الفكر الوهابي وفكر الإخوان المسلمين، الذين نزلوا إلى الساحة السياسية، فمنهم من قدم نموذج الإرهاب ومنهم من انغمس بمفاسد السياسة، فما كان منهم أن أعطوا صورة مشوهة عن الدين الإسلامي".
وأضاف الشيخ حمود أن العلامة البوطي بيّن أن السلفية هي مرحلة تاريخية، وليست مذهباً وأن ما يسمونه السلف الصالح قصدوا به تجاوز سيرة الشيخين الكريمين (عمر وأبو بكر الصديق)، فيما أن السلف الصالح هو هؤلاء أنفسهم إضافة إلى الصحابة جميعاً. ويتذكر الشيخ حمود العلامة البوطي أنه كان رقيق القلب حلو المعشر وأنه "ختم حياته بهذه الوقفة المشرفة لقد نال ما قد سمعناه عنه منذ أربعين عاما أنه يتمنى الشهادة في سبيل دين الله".
تصوير: وهب زين الدين وزينب الطحان