مرّة أخرى تنجح قيادة حزب الله في تحويل التهديد الإسرائيلي الى نقلة استراتيجية في مسار الصراع الطويل مع الكيان المحتل.
* حمزة الخنسا
مرّة أخرى تنجح قيادة حزب الله في تحويل التهديد الإسرائيلي الى نقلة استراتيجية في مسار الصراع الطويل مع الكيان المحتل. فقد شكّل خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بالأمس، نقطة تحوّل كبيرة في مسار المواجهة الدائرة بين قوى المقاومة من جهة، وبين الاحتلال الإسرائيلي والمحور الداعم له في الجهة المقابلة.
أثار السيّد نصرالله في كلمته بمناسبة اليوبيل الفضي لإذاعة النور، ثلاثة نقاط استراتيجية، جعلت الأوضاع الإقليمية على مفترق طرق حاسم، لا سيمّا في قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، وأضافت بعداً جديداً لقواعد اللعبة التي تحكّمت فيها إسرائيل لفترة طويلة من الزمن.
النقطة الأولى (السلاح الكاسر للتوازن) حيث قال السيّد نصرالله "نحن في المقاومة في لبنان نعلن أننا مستعدون لأن نتسلّم أي سلاح نوعي ولو كان كاسراً للتوازن، ومستعدون أن نحافظ على هذا السلاح، وجديرون بأن نمتلك هذا السلاح، وسندفع بهذا السلاح العدوان عن شعبنا وبلدنا ومقدّساتنا".
أراد السيّد نصرالله من خلال هذا الإعلان توجيه رسالة حاسمة الى العدو تتعلّق بقدرات المقاومة على المبادرة والردّ في أي مواجهة مقبلة. خاطب العدو من الزاوية التي يخشاها، والتي حذّر منها مراراً وتكراراً، من أنه ممنوع على المقاومة امتلاك أسلحة كاسرة للتوازن. أسقط بذلك كل خط أحمر جهد العدو على رسمه في هذا السياق، كما أسقط "المحرّمات" الذي حاول قادة العدو وضعها على نوعية السلاح المسموح بتزوّد المقاومة به.
وفي هذا السياق، برز تساؤل حول كميّة الأسلحة الكاسرة للتوازن التي وصلت بالفعل الى مخازن المقاومة في لبنان، ونوعيتها، وعن موجبات استخدامها. وهو ما شرع الإعلام الإسرائيلي بمحاولة الإجابة عنه منذ لحظة انتهاء خطاب السيّد نصرالله، بل حتى قبل ذلك بشهور عدة.
النقطة الثانية (فتح جبهة الجولان) حيث أعلن السيّد نصرالله دعم قرار القيادة السورية فتح جبهة الجولان المحتل أمام عمل فصائل المقاومة، قائلاً "كما وقفت سوريا الى جانب الشعب اللبناني ودعمت مقاومته الشعبية مادياً ومعنوياً حتى تمكنت هذه المقاومة من تحرير جنوب لبنان، فإننا في المقاومة اللبنانية نعلن أننا نقف الى جانب المقاومة الشعبية السورية ونقدم دعمنا المادي والمعنوي والتعاون والتنسيق من أجل تحرير الجولان السوري".
حمل قرار المقاومة في لبنان دعم المقاومة الشعبية السورية بالمال والسلاح والتدريب، إشارات واضحة الى جيش الاحتلال الإسرائيلي فضلاً عن الطبقة السياسية. نقل المعركة الى حيث لا يتوقع العدو، هي أبرز تلك الإشارات. أبدى السيّد نصرالله بذلك استعداد المقاومة لفتح جبهة جديدة ضد العدو، في مكان يمثّل نقطة ضعف بالنسبة له ونقطة قوة بالنسبة لقوى المقاومة. كما أعلن عن جهوزية المقاومة لإشغال العدو على أكثر من جبهة، وإنهاكه من خلال عملية استنزاف تراكمية تؤدي الى نصر استراتيجي.. لا يزال العدو الإسرائيلي يذكر 25 أيار/مايو 2000 جيداً جداً.
وفي هذا السياق، برز تساؤل أيضاً عمّا إذا تم مسبقاً إعداد خلايا مقاوِمة للعمل على تحرير الجولان السوري من الاحتلال الإسرائيلي. وعمّا إذا كان قرار استخدام الأسلحة الكاسرة للتوازن قد شمل هذه الخلايا. وأسئلة أخرى تتعلّق بتوقيت عمل تلك الخلايا وموجباته.
النقطة الثالثة (تعاظم القوة)، وهو الأمر الذي أشار إليه السيّد نصرالله في خطابه، وغلّفه بغلاف المفاجآت التي اعتاد العدو الإسرائيلي على القلق منها. فضلاً عن أن عملية تعاظم قوة المقاومة أمر لم يتوقف منذ اللحظة الأولى على انتهاء حرب تموز/يوليو 2006. ويعتقد في هذا المجال أن الإستراتيجية التي كانت المقاومة تتبعها تقوم على ما تملكه من كم صاروخي وأسلحة دفاعية. وهي استراتيجية وضع منهاجها العلمي والعملي الشهيد القائد الحاج عماد مغنية.
في المقلب الآخر، وفيما كان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله يضع ما أعلنه من قرارات استراتيجية في خانة ردّ حلفاء دمشق على العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا، مستكملاً قرار القيادة السورية مدّ المقاومة اللبنانية بأسلحة استراتيجية، وفتح المجال أمام فصائل المقاومة للعمل انطلاقاً من الجولان السوري المحتل لتحريره من القبضة الإسرائيلية. خيّم صمت بلغة الإرباك على الطبقة السياسية الإسرائيلية، بينما تولّت بعد القنوات الإسرائيلية الردّ على مضمون خطاب السيّد نصرالله بالتهديد تارة، وبالتذكير بمصادقية قائد المقاومة والتحذير من جديّته في هذا المجال.
بعد خطاب السيّد نصرالله المفصلي، يبدو الكيان الإسرائيلي كمن وقع في شر أعماله. فالعدو أراد من خلال استهداف مواقع في قلب العاصمة السورية دمشق توجيه رسائل كبيرة الى المقاومة وداعميها. سعى الى إفهام محور المقاومة أن الزمن قد تحوّل، وأن لا إمكانية بعد اليوم أمام حزب الله ومن خلفه إيران وسوريا، بالشعور بحرية الحركة والتخطيط والتسليح، مستنداً الى انشغال سوريا بمواجهة الجماعات المسلّحة، وانشغال إيران بحصارها وانتخاباتها الرئاسية.
من المتوقع أن يشعل ردّ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، والقيادة السورية، استراتيجياً على العدوان الإسرائيلي الأخير على دمشق، سجالاً حاداً داخل الغرف المغلقة في أروقة القرار الإسرائيلي. وهو جدال لن يستمر طويلاً خلف تلك الجدران. وعلى كل حال فقد بدأ التذمّر و"الإحباط" يظهر على شاشات التلفزة وفي صفحات الصحافة العبرية.
التاريخ يعيد نفسه، ففي شهر الانتصارات أيّار/مايو، أتى التحوّل الاستراتيجي الذي كرّسه محور المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي. وأمس بالذات استعادت ذاكرة قادة العدو العسكريين وأصحاب القرار في الدولة العبرية "حماقة" قراراتهم الاستراتيجية، عندما اغتالوا في شباط/فبراير 1992 الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيّد عباس الموسوي، ظانّين أنهم سدّدوا ضرية قاسمة للمقاومة ومحورها.. وسرعان ما أدركوا حماقة ما ارتكبوه.
* صحافي لبناني
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه