وأكثر ما يستفز الروائي المصري المخضرم، هو استعمال المصطلحات في غير مكانها باستغلال خبيث عندما يقولون ان هناك ثورة في سوريا. ولا يخفي ما أصابه من بكاء وحزن وأسى عندما شاهد المسجد الأموي مدمرا في حلب
كان تأثير المكان، وتأثير الجهة الداعية هما ما دفع صاحب رواية "الزيني بركات" إلى الجنوح نحو خطاب إتسم بالارتجال والعفوية والحديث مطولاً عن علاقة المصريين مع أهل بيت الرسول (ص) وما يكنون لهم من مشاعر دفاقة من المحبة والتعظيم، وأنه شخصياً تعلّم حب أل البيت (ع) من والده، وهو شخصيا لديه مكانا مقدساً "شيعياً" يصالحه على نفسه..
وتحدث عن تقديره الكبير لحركة "حزب الله" المقاومة، إذ لم يستطيع المناوئ لحكم السادات، الذي كان نزيل أحد زنازينه السياسية، الروائي المصري القدير جمال الغيطاني إخفاء مشاعرة الجياشة تجاه تواجده في منطقة اسماها "عرين المقاومة".. وهو الذي عاش في الجبهة المصرية خلال الحرب ضد إسرائيل ست سنوات يعرف ويدرك ما معنى جوهرية المقاومة والتضحية في سبيل الأوطان..ويقول "دعوني أحلم بوحدة الأوطان، بعد أن كنا نحلم بوحدة الأمة.. فقد تقزمت أحلامنا وصغرت ..ورغم ذلك إني متفائل لأن في أوطاننا طاقات وكنوز تنتظر استثمارها.. فدعوني أحلم..".
هذا بعض مما أدلى به الغيطاني في لقاء ثقافي، يوصف بالحميم، مع مجموعة من نخبة مثقفي لبنان، حمل عنوان الثقافة والثورة في مصر، رؤية جديدة للواقع الراهن"، وذلك في مطعم الساحة عند طريق المطار في ضاحية بيروت الجنوبية، الأسبوع الماضي.
ما يجري في سوريا مدبّر :
افتتح الغيطاني كلمته بالدعوة إلى إبقاء القضية الفلسطينية في نفوسنا وعند أجيالنا. وهو الذي يلاحظ بقوة أنها تغيب الأن وراء ضباب كثيف. فمن هنا هو يرى إيجابيات دور حزب الله لأن هذه القضية بالنسبة إليه لها الأولوية مما يوجب علينا تجاهه الإحترام والتقدير.
انتقل الغيطاني إلى انتقاد ما يجري في سورية، وفي الحقيقة لقد كان رأي الرجل جريئاً مثل عادته، وأن أشد ما يؤلمه هو استهداف الجيش السوري. هذا الجيش الذي خبره عن قرب "أعرف شجاعة هذا الجيش وما يحدث مرعب إلى حد كبير وليس من المعقول إسقاط دولة ومحوها باسم ثورة مزيفة"..
وهو في الآن نفسه يرى أن هناك حكما ديكتاتوريا في العالم العربي، ولكنه ليس مع إسقاط الدول لصالح "إسرائيل".. ويستشهد الغيطاني بمقال لضابط إسرائيلي كان قد قرآه في العام 1982، في ملحق لمجلة كويتية، يحكي عن ضرورة إعادة تقسيم العالم العربي على أساس طائفي وعرقي لتفكيك الكيانات الكبرى إلى صغرى بحيث تصبح الدولة المتسيدة الوحيدة في الشرق الأوسط هي إسرائيل". ويقول :"لو تأملنا المشهد عندنا، ففي العراق نجد قوة عربية أساسية خرجت من المعادلة خاصة بعد حل الجيش العراقي إثر الغزو الأميركي .. واليوم يريدون إخراج الجيش السوري بإضعافه.."
وأكثر ما يستفز الروائي المصري المخضرم، هو استعمال المصطلحات في غير مكانها باستغلال خبيث عندما يقولون ان هناك ثورة في سوريا. ولا يخفي ما أصابه من بكاء وحزن وأسى عندما شاهد المسجد الأموي مدمرا في حلب :"لأني أعرف دوره الحضاري الكبير وكان مثالا على تعايش كل الطوائف .. ولكن الأن من يقتل من ؟.. ولا أحد يعرف لماذا؟!!".
يخلص الضيف المصري أن الهدف مما يجري هو إغماسنا في صراعات مفتعلة كي نتغيب عن قضايانا الكبرى وإغراق العالم في فتنة سنية - شيعية، لذلك هو يميل فعلا إلى ما يسمونه نظرية المؤامرة.
في مصر ثورة قادمة ضد "الإخوان" :
وعن مصر، لم يقدم الروائي تحليلا مشبعاً لم حدث خلال "الثورة"، التي أسماها "انتفاضة"، وما يحدث الآن من اضطرابات، لكنه قال إن ما حدث غيّر كثيرا من وعي المصريين وإضيفت حقبة تاريخية جديدة إلى تاريخهم، الذي يتميز بالاستمرارية حسب رأي الراوئي. واعترف الغيطاني أن انتفاضة يناير أتت بنتائج معاكسة أبرزها محاولة تهديم الدولة. وهنا هو يرى تلاقياً بين ما يجري في سوريا وما يحدث في مصر من إجراءات يقوم بها الإخوان المسلمون، والهدف منها القضاء على الدولة.
رغم أنه لم يذكرهم مباشرة، لكننا في موقع المنار توجهنا إليه بهذا السؤال :"كيف توفر القدر لحركة الإخوان المسلمين بالوصول إلى الحكم رغم أنهم أخر من انضم إلى صفوف الانتفاضة أو الثورة؟..". هو لم يرد مباشرة ولكنه رأى أن هناك متغيرات عميقة في وعي المصريين، اهمها كسر الخوف من السلطة وهيبتها والتجرؤ على الاعتراض والنزول إلى الشارع. فكان سؤالنا الثاني له :"هل تتوقع انتفاضة ثانية ضد حكم الأخوان المسلمين في الأشهر القادمة".. اجاب بثقة عالية أن هناك ثورة قادمة حتما ..
ويختم الغيطاني حديثه الارتجالي بدعوة سياسية إلى حكام بلاده بأن ينفتحوا على الجمهورية الإسلامية في إيران وأنه شخصيا" شديد التقدير لدور إيران الحضاري في الأمة الإسلامية والإنسانية. وأدعو بشدة إلى تجاوز الحساسيات التاريخية التي تعود إلى 14 قرناً ..".
تصوير : زينب الطحان