تعدُّد الروايات والاتهامات وعلامات الاستفهام التي رُسمت حول الهجوم على حافلة السيّاح الإسرائيليين في مطار بورغاس البلغاري لم يصمد طويلاً
حمزة الخنسا
تعدُّد الروايات والاتهامات وعلامات الاستفهام التي رُسمت حول الهجوم على حافلة السيّاح الإسرائيليين في مطار بورغاس البلغاري، لم يصمد طويلاً أمام شكوك حامت منذ اللحظة الأولى حول ضلوع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بتنفيذ عملية تصب نتائجها في مصلحتها ضمن الحرب المفتوحة مع حزب الله.
وبعد مضي نحو عام على تفجير حافلة بورغاس في 12 تموز 2012، ومقتل خمسة سيّاح إسرائيليين ومواطن بلغاري إضافة الى منفّذ الهجوم، قام محققون من أجهزة الأمن البلغارية في 26 نيسان 2013، وتحت إشراف الشرطة الأوروبية "يوروبول"، بتمثيل وقائع الهجوم الذي وُصف بالإرهابي، في تطور وحيد طرأ على ملف القضية منذ أن نشطت أجهزة الدعاية الإسرائيلية والأميركية على خط الترويج لضلوع "الجهاز العسكري" لحزب الله في الجريمة، والدعوة الى إدراجه على لائحة الإرهاب الدولية.
في بلغاريا، تستطيع اليوم أن تلمس تغيّر المزاج الرسمي وحتى الشعبي حيال القضية. الاتهامات المعلّبة والمعدّة مسبقاً لم تعد تقنع الرأي العام. الفريق المناهض للسياسة الأميركية في البلاد نجح في إظهار مدى تغلّغل الحسابات السياسية الخارجية في التفجير الذي وقع في قلب مطار بورغاس. المطلعون على خبايا الملف من دبلوماسيين محليين وغربيين، باتوا يتحدثون عن "تسرّع" في توجيه الاتهامات.
الأدلة حول ضلوع حزب الله في تفجير حافلة بورغاس ضعيفة، ولم تكشف التحقيقات أي دليل قوي في هذا الإطار، بحسب معلومات مصدر دبلوماسي تسنى له الاطلاع على تفاصيل القضية. يسرد المصدر ما قال إنها "رواية التفجير وما سبقه وما تلاه".
وفي هذا الإطار، تقول المعلومات إن الموساد الإسرائيلي كان يروّج في الدول الأوروبية منذ بداية العام 2012، أي قبل تفجير بورغاس بنحو 6 أشهر، بأن انفجاراً ما سيحدث في إحدى هذه الدول مستهدفاً مصالح إسرائيلية أو رعايا إسرائيليين فيها. قبل الانفجار بأسابيع قليلة تواصل وزير الاتصالات الإسرائيلي مع نظيره البلغاري، وأبلغه أن المعلومات تشير إلى أن المكان المحتمل للانفجار هو بلغاريا، وأحاطه علماً ببعض المعطيات عن العملية المحتملة.
وقع الانفجار في 12 تموز 2012 تزامناً مع الانفجار الذي استهدف مركز الأمن القومي في سوريا، وأدّى الى مقتل عدد من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية السورية. تشير المعلومات الى أن السلطات البلغارية تعرّضت منذ اللحظة الأولى لوقوع انفجار بورغاس الى ضغوطات إسرائيلية وأميركية تدفعها باتجاه اتهام حزب الله بالضلوع في هذه العملية، غير أنها تذرّعت بعدم امتلاكها أدلة على هذا الأمر. على الأثر اتصل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو شخصياً بنظيره البلغاري بويكو بوريسوف، طالباً منه سلوك منحى اتهام حزب الله، غير أن الأخير لم يتجاوب أيضاً، مبرّراً موقفه بعدم إجراء التحقيقات بعد.
في هذه الأثناء، استدعى الأميركيون وزير الداخلية البلغاري تسفيتان تسفيتانوف إلى واشنطن، وهو الذي يرتبط بعلاقات مصالح مع الأميركيين، و طلبوا منه اتهام حزب الله بشكل مباشر، لكنه لم يستطع فعل ذلك كون الحكومة البلغارية لا تملك معطيات. الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما الى التدخّل شخصياً مستدعياً رئيس الحكومة البلغارية بويكو بوريسوف إلى واشنطن. التقى أوباما بوريسوف في واشنطن في 3 كانون الأول 2012 وطلب منه بلغة حازمة أن يدين حزب الله، وعد الأخير أوباما خيراً، لكنه لمّا عاد إلى بلده دعا بدل ذلك الى اجتماع لمكتب الأمن القومي البلغاري ـ الذي يجتمع وفقاً للدستور البلغاري في الحالات الخاصة والطارئة فقط ـ حيث خُصّص الاجتماع لبحث حادثة بورغاس.
تقول المعلومات إن الاجتماع كان ساخناً وصاخباً، حيث واجه حلفاء أميركا خلاله معارضة قوية جداً من الشيوعيين الذين رفضوا اتهام حزب الله، خصوصاً أن لا دليل يبث ذلك.
لكن، ماذا عن تصريح وزير الداخلية البلغاري الذي قال فيه إن السلطات تمكنت من تحديد اثنين من ثلاثة مشتبه بهم، وهما يحملان جوازيْ سفر أسترالياً وكندياً، ولكنهما يقيمان في لبنان منذ العام 2006، مرجّحاً انتماءهما لحزب الله؟ وماذا عن التقرير الذي يحتوي نتائج التحقيقات واتهام حزب الله، الذي سُلّمته السلطات البلغارية لوزارة الخارجية اللبنانية في أوائل شباط 2013؟
تقول المعلومات إن ما سُلّم لوزارة الخارجية اللبنانية لا يعدو كونه أسئلة عن مجموعة أشخاص، أكد الأمن العام اللبناني أنهم ليسوا لبنانيين ولم يدخلوا لبنان على الإطلاق، فضلاً عن أن الوزير البلغاري "رجّح" انتماء المشتبَهَين الى حزب الله كما رجّح ضلوعهما بالتفجير، ولم يؤكد أي من الأمرين، فيما بقي تصريح وزير الداخلية البلغارية وحيداً في هذا الإطار، ولم يصدر عن الحكومة البلغارية أي تأكيد أو تقرير مكمّل للاتهام الذي أطلقه وزير الداخلية.
تلفت المعلومات الى التزامن بين انفجارَي بلغاريا ومركز الأمن القومي في سوريا (خلية الأزمة)، حيث هزّ انفجار ضخم حي الروضة وسط دمشق، في 18 تموز 2012، وتلاه بساعات قليلة حصل انفجار حافلة السيّاح الإسرائيليين في مطار بورغاس، وتدلّل على توظيف سياسي للتفجير اللاحق. كما تقارن المعلومات بين حصيلة التفجير الأول الذي تقول إنه أصبح لدى السوريين قناعة راسخة بضلوع الاستخبارات الأميركية فيه، وراح ضحيته وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني وإصابة وزير الداخلية محمد الشعار، وحصيلة التفجير الثاني الذي ذهب ضحيته 5 سيّاح إسرائيليين ومواطن بلغاري.
برأي مصدر المعلومات أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عملت على تزامن الانفجارين كي يبدو الأمر كردّ فعل سريع من سوريا وحلفائها على الضربة الموجعة التي تلقوها في دمشق، معتبراً أنه كان من الواضح جداً منذ لحظة الانفجار أن إسرائيل حصرت اتهاماتها بجهة محدّدة من دون دليل، واختارت التوقيت لتحريك هذا الملف للاستفادة منه في معركتها الناعمة مع حزب الله، فهي تملك مصلحة استراتيجية بإدراج الحزب على لائحة الإرهاب الأوروبية، كأول قرار دولي جماعي في هذا الإطار من شأنه أن يشجّع المجموعات الدولية والدول الأخرى على اعتبار الحزب إرهابياً، ما يستدعي فرض عقوبات يكون لها أثرها السياسي والمادي على الحزب.
ولتفادي الضغوط الأميركية ـ الإسرائيلية، رَمَت الحكومة البلغارية الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي، وهي على علم مسبق بأن الاتحاد لن يدين حزب الله نظراً للعديد من المصالح التي يسعى الى حفظها، على رأسها أمن قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل)، فضلاً عن العلاقات التجارية مع إيران إضافة الى أمور أخرى، كما أنه غير مستعد لاتخاذ قرار يجسّد هذه السابقة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه