28-11-2024 07:36 AM بتوقيت القدس المحتلة

رشيد بوجدرة لا يؤمن بـ"الربيع العربي" والقرآن الكريم "اقتحم" اللغة العربية

رشيد بوجدرة لا يؤمن بـ

حيّرنا هذا الروائي خلال اللقاء لتناقضات أطلقها خلال هذه الندوة، والذي ينتمي إلى بلد "المليون شهيد"، وإبقاء الاحتلال الفرنسي على جذوره متقدة بهذا المجتمع الذي يتلوّن بأزمة هوية خاصة بين مثقفيه وكتّابه

رشيد ابو جدره يقدمه مدير كلية الآداب في جامعة البلمند في نجوة فندق البريستولفي ندوة عنوانها "الحداثة والرواية العربية"، تمّ التطرق فيها إلى كل موضوعات الساحة في العالم العربي والإسلامي من اضطرابات "وثورات" بعيدا عن عنوان الندوة، لذا طلب الروائي الجزائري الفرنكفوني الكبير رشيد أبو جدرة (72 عاما) من الحضور المشارك في ندوة جمعته معهم في فندق البريستول في بيروت، بدعوة من جامعة البلمند، أن لا يجروه إلى الحديث عن ما أسماه "الخوض في السياسة".

وعندما طرح عليه أزمة الرواية العربية بين الحداثة وما بعد الحداثة تجاهل الرد مندفعاً إلى الحديث عن روايته الحديثة، وعن روائيين أخريين مبدعين..!!..


حيّرنا هذا الروائي خلال اللقاء لتناقضات أطلقها خلال هذه الندوة، والذي ينتمي إلى بلد "المليون شهيد"، وإبقاء الاحتلال الفرنسي على جذوره متقدة في هذا المجتمع الذي يتلوّن بأزمة هوية واضحة، خصوصا بين مثقفيه وكتّابه، الذين يتأرجحون في الكتابة بين اللغتين العربية والفرنسية. أبو جدرة تحدث عن تجربته في الكتابة بهاتين اللغتين، وقال في استحضار لمحمود درويش : "كتابتي باللغة العربية هي حنين إلى خبر أمي". وقال إنه بدأ الكتابة في أواخر ستينيات القرن المنصرم باللغة الفرنسية بهدف تجاوز عقبتين تتمثلان في "محدودية المقروئية باللغة العربية في بداية السبعينيات"٬ وفي "الرقابة الاجتماعية والسياسية القوية آنذاك". وأضاف أنه يكتب للخروج من "شرنقة الهشاشة والتعب النفساني الرهيب" الذي عاناه٬ والحياة القاسية التي عاشها في طفولته.

جانب من نجوة رشيد بو جدرة في بيروت 2013يعد الرواية الحديثة هي الموضوع (قصة)٬ وشعرية النص٬ والبنية٬ والتراكم المعرفي٬ واستعمال التناص٬ ويدعو المثقفين إلى بلورة فكر سياسي٬ والصمود في وجه جحافل الردة٬ وتحريك الفكر الحر والمتحرر بديلا عن القوالب الذهنية المتكلسة. ولا يخفي ابتهاجه باعتزام جامعة البلمند تنظيم حلقة دراسية عن أدبه لأول مرة في المشرق العربي بعدما أقيمت حلقات دراسية عديدة حول أعماله في عدد من جامعات العالم.


وأثار قول بوجدرة إن "اللغة حيادية" جدلا قويا بين الحضور، الذي تميز بوجود أدباء وأساتذة جامعيين في الآداب والنقد، وانصب هذا الجدل حول أن اللغة ليست وعاء فحسب ولكنها وسيلة لتسريب إيديولوجيا وفكر واستعمار ثقافي٬ ورد الأديب الجزائري بطريقة حاول أن يبرهن أنه بعيد عما تعنية الكتابة بالفرنسية من أزمة هوية لدى كاتبها العربي، فقال أنه يقصد أن "اللغة الفرنسية٬ التي تنتمي إلى قيم الثقافة والعلمانية٬ ليست مسؤولة عن أخطاء وخطايا الجيش والسلطة الاستعماريتين"٬ وأن انتقاله إلى الكتابة باللغة العربية٬ بعد انتهاء أجل العقد الذي يربطه مع دار نشر فرنسية٬ "ليس عقوقا" بل "عودة إلى الجذور" كما يدل على ذلك إسمه باللغة الأمازيغية (أبو الجذور).


يوضح رشيد بوجدرة أنه لا علاقة ذاتية بينه وبين اللغة الفرنسية٬ فيما علاقته ذاتية محضة باللغة العربية التي يقدسها. ويضرب مثلا بالشاعر اللبناني باللغة الفرنسية صلاح ستيته الذي "تبدو واضحة في شعره المناخات العربية والحنين العربي".
وفي ما يخص حضور المرأة في إبداعاته٬ قال بوجدرة إن المرأة في رواياته مقاومة٬ وأم وأخت وحبيبة٬ مؤكدا أنها "مستقبل العالم برمته"٬ وليست مستقبل الرجل وحده كما قال الشاعر الفرنسي لويس أراغون.


رشيد بوجدرة يرد على الحضور في فندق البريستول ببيروتيرى بوجدرة٬ الذي ولد في وسط عربي - أمازيغي - إسلامي  أن القرآن الكريم والإسلام أقحم نفسه في اللغة العربية، في الحين عاد فجأة وبصورة تناقضية للدفاع عن اللغة العربية التي عاد للكتابة فيها. لكن تناقضه الأكبر كمن في مواقفه من "ثورات العالم العربي"، فهو راى أولا أن هذه التسمية جاءت من الصحافة الغربية التي أتت بهذا العنوان. "ثانياً بالنسبة إليّ هذه الثورة لم تكن ثورة، بل هي ثورة ضد «العلمانية» وضد حرية المرأة، وما حصلت عليه من مكتسبات كما في مصر وتونس، حيث استلم الإسلاميون زمام الأمور، وأصبحوا يحكمون ويسيّرون هذه البلدان، وفي الوقت عينه خسر الشباب الثوري الحقيقي معركتهم. كل حزب إسلامي لديه منظومة واحدة: الهوس بتعويض الدستور بالشريعة، وهذا ما حققته اليوم هذه الفئات الإسلامية في كل هذه البلدان، حيث حدثت «الثورة الربيعية». ولكن عدّل قليلا من رأيه عندما سأله مثقف من "القوات اللبنانية" أنه لا يجوز عدم الاعتراف بالثورات العربية، بل هي حقيقية وفي طريقها إلى التغيير، فرّد أبو جدرة بجواب التباسي وإنه يوافقه الرأي بأن ما يجري تغيير حقيقي على الساحة العربية".


كما يشدد بوجدرة على إعجابه بصديقه الشاعر أدونيس٬ الذي يعده "أكبر شعراء الحداثة الأحياء بدون منازع" ليس على المستوى العربي فحسب٬ بل على المستوى العالمي أيضا. يرى أنه "لا حداثة توازي حداثة أدونيس". ويقول إنه يعيد قراءة كتابه المرجعي (الثابت والمتحول) كل عام. كما أنه يعيد قراءة الكتب الدينية٬ وألف ليلة وليلة٬ والفلسفة اليونانية مع سقراط وأفلاطون٬ والرواية الأمريكية الجديدة التي ظهرت في الأربعينيات٬ والرواية الفرنسية التي ظهرت في الستينيات٬ والعمل العظيم (نجمة) لكاتب ياسين٬ وكذا كتابات الروائي المغربي الراحل محمد خير الدين.


وكان بوجدرة أقام في باريس متخصصا في الفلسفة والرياضيات٬ وتخرج من جامعة السوربون عام 1965٬وهناك زار متحفا لأول مرة٬ والتقى شخصيات أدبية عملاقة٬ وساعدته اللغة الفرنسية على "اقتحام معاقل العلم والعلمانية"٬ والتحرر من القيود التي كبلته لسنوات طويلة٬ خاصة أنه كان مهووسا بالحداثة منذ صباه الباكر٬ ورافضا بقوة "للانغلاق والتخلف والتعصب والنفاق المجتمعي".
وبعد إقامته لمدة خمس سنوات في فرنسا وإنجازه ست روايات بلغتها٬ عاد إلى الجزائر من منفاه عام 1975 لكتابة سيناريو فيلم (وقائع سنوات الجمر) لمحمد لخضر حامينا٬ وهو الفيلم العربي الوحيد الفائز بسعفة مهرجان (كان) في السنة ذاتها٬ وكتب باللغة العربية رواية (التفكك)٬ التي يفتخر بها ويعتبرها قمة أعماله٬ قبل أن يترجمها بنفسه إلى اللغة الفرنسية وتلقى من الترحيب الشيء الكثير.


لا يعترف بو جدرة بأن هناك ربيعا عربياالشيوعية بالنسبة إليه هي قبل أي شيء العدالة الاجتماعية بين الناس، ثم نشر الثقافة والفنون عند كل الفئات، ثم هي فتح الأبواب أمام الأفكار التقدمية التي تساعد الإنسان على التحكم في مصيره، خصوصاً المرأة.


وبمناسبة الذكرى الخامسة والستين لاحتلال فلسطين (15 مايو)٬ يجدد صاحب "يوميات فلسطينية" التزامه القضية المركزية٬ ويقول إنه تسلل إلى فلسطين عام 1970٬ خلال أول زيارة له إلى لبنان٬ وذلك بمساعدة من الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش٬ كما زار الأردن حينها. وقاطع معرض باريس للكتاب 2008 بسبب استضافته إسرائيل ما أثار عليه اللوبيات الصهيونية في فرنسا فدفعت في اتجاه أن يخفت صيته الأدبي الكبير هناك.


ترجم رشيد بوجدرة٬ الذي يتحدث ثماني لغات من بينها اللغتان الأمازيغية واللاتينية القديمة٬ 18 عملا من أعماله بنفسه٬ فيما ترجم أعمالا أخرى كل من الراحل أنطون مصلي٬ والروائي الجزائري مرزاق بقطاش (ألف وعام من الحنين)٬ والروائي جيلالي خلاص (توبوغرافيا). وترجمت أعماله إلى 42 لغة عالمية.


وأتم الروائي الجزائري حاليا رواية بعنوان "صقيع الربيع" في إشارة إلى مصطلح "الربيع العربي" الذي لا يخفي موقفه السلبي منه٬ وتشكيكه في مسبباته ونتائجه وتداعياته٬ وستصدر هذه الرواية قريبا في يوم واحد باللغة العربية عن (دار برزخ) في الجزائر وباللغة الفرنسية عن دار (غراسي) في فرنسا.