السيدة الزهراء التي ذكرت في القرآن هي مكّون أساسي من مكونات الرسالة الإسلامية هي عامود من أعمدة النور وروح الرسالة وكوثرها.. لذلك قال الإمام العسكري(ع) :"إننا حجج الله على العباد وفاطمة حجة الله علينا
"فاطمة الصدّيقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى"، هذا حديث شريف للإمام الصادق (ع) يبعث على التساؤل المدهش حول هذه المكانة العظيمة لسيدة نساء العالمين يبدو أنه حتى اليوم لم ندرك حقيقة شخصيتها ودورها الكبير في إرساء قواعد الرسالة الإسلامية منذ عهد والدها الرسول الأكرم(ص).
تعرّفنا في هذا الملتقى التخصصي إلى بعض من جوانب حياة السيدة الزهراء (ع)، وكان لافتاً أن ما سمعناه من مداخلات علمية قيمة تبيّن كيف كانت سيدة نساء العالمين تواكب مراحل الرسالة بالعمل والمشاركة وإعطاء الدورس العلمية الدينية للنساء .. ما دفعنا أن نطرح السؤال التالي "لماذا كان هناك قراءة مختلفة لحياة الزهراء (ع) وسيرتها العطرة من قبل العلماء قديما وبين اليوم، حيث كانت الدعوات السابقة للمرأة أن تركن في بيتها بينما بدءا من منتصف القرن العشرين بدأت الرؤية تختلف انطلاقا من حياة القدوة النموذج السيدة فاطمة؟!"..
سماحة السيد سامي خضرا لم يوافق على هذا الرأي وقال لموقع المنار :" هذا التفسير فيه اشتباه كبير، الأحكام الشرعية هي واحدة، ولكن بعض من فسّر النصوص قبل الإمام الخميني شرحها بهذه الطريقة.. لو رجعنا إلى الفتاوى لرأينا أن هناك توزيعا دقيقا ما بين المنزل وخارجه حتى الإمام الخميني رأيه أن لا تخرج المرأة من منزلها إلا بسبب .. فقديما مثلا أفتى الإمام الخميني أنه محرم على المرأة في إيران أن تقود السيارة وذلك لحمايتها من اعتداءات واساءات عديدة كانت تتعرض لها المرأة المحجبة في عهد الشاه.. الإمام الخميني هو أكثر إنسان في هذا القرن حافظ على الأصالة القديمة .. لذلك بوصيته يقول "حافظوا على الفقه الجواهري" ..
هو مشروع تخصصي كبير اتخذت إدارة معاهد سيدة نساء العالمين العمل فيها من كل عام، ومنذ يومين كان نشاطها البحثي الأول وحمل عنوان "ملتقى التخصصي الأول: التعريف بالسيدة الزهراء"، شارك فيه نخبة من العلماء والباحثين من لبنان والجمهورية الإسلامية في إيران وانقسم المبحث إلى جلستين.
السيد إبراهيم أمين السيد: الزهراء (ع) روح الإسلام وكوثره
افتتح الملتقى سماحة السيد إبراهيم أمين السيد رئيس المكتب السياسي لحزب الله، بكلمة كانت عميقة تحدث فيها عن ذكر القرآن الكريم لبعض النساء والذي اقنرن دورهن بالرسالة الإلهية، من هنا السيدة الزهراء، التي ذكرت في القرآن في أكثر من أية، هي مكّون أساسي من مكونات الرسالة الإسلامية هي عامود من أعمدة النور وروح الرسالة وكوثرها.. لذلك قال الإمام الحسن العسكري (ع) :"إننا حجج الله على العباد وفاطمة حجة الله علينا" هي حجة الله على الأولياء والأئمة كما القرآن حجة والنبوة حجة..
وربط السيد إبراهيم ربطا فذاً وعميقا حين تحدث عن تشويه صورة الإسلام من داخل الإسلام، واستجلب من التاريخ ما فعلوه بين أمية حين قال الإمام الصادق (ع) :" إن بني أمية حملوا الناس على الإيمان ولم يحملوهم على الشرك حتى إذا فعلوه لا يعرفونه". وهذا يفضي إلى أنهم عملوا على تدمير الإسلام وتعاليمه باسم الإسلام نفسه وهم بذلك بنوا لأنفسهم شرعية ومصدقية، في مقابل سعيهم للقضاء على مصدقية إمامة أهل بيت النبوة(عليهم السلام). وانتهى سماحة السيد إلى القول إن هذا تماما ما يحدث اليوم مع حركات التكفير باسم الإسلام والدين، وهي حركات تقضي على الإسلام من داخله.
الجلسة الأولى : القدوة والجمال والعصمة في شخصية الزهراء (ع)
المداخلة الأولى ألقاها الباحث الإيراني فضيلة الشيخ منصور باقر بيك تبريزي، وتحدث فيها عن "التعريف بالزهراء (ع) كقدوة"، وقدم فضيلة الشيخ سرداً مفصلا حول حياة الزهراء وأدوارها التي تعددت بين دورها كأم، وزوجة، وعاملة ناشطة في المجتمع. ومن أجمل ما قدمه الشيخ قول للنبي (ص) لابنته فاطمة حين تزوجت فوضع يدها في يد الإمام علي وقال لها (بما معناه) :فاطمتي عليك أن تقسمي العمل" . وفي هذا توجيه واضح من رسول الإسلام أنه على المرأة أن تقسّم أدوارها في الحياة وألا تتبدل المواقع والمواقف بل أن تعطي لبيتها حقه عليها كما لعملها خارج المنزل. وكان جميلا تفاعل الحضور النسائي حين روى فضيلة الشيخ أن الإمام علي(ع) كان يساعد زوجه السيدة الزهراء(ع) في أعمال المنزل حتى قال رسول الله :"الرجل الذي يساعد زوجه له بكل خطوة حجة وعمرة".. وألفت الشيخ إلى التوجيهات المهمة التي يقدمها الإمام الخامنئي بخصوص المرأة حيث يحثها على العمل والإبداع شريطة ألا يضر بواجيات الأمومة والزوجية".
ولعلها المرة الأولى التي يجري فيها بحث علمي يتحدث عن "أبعاد الجمال في شخصية الزهراء(ع)" وهي عنوان المداخلة التي ألقتها الدكتورة فروغ نيلجى زاده، وشرحت فيها معنى "قاعدة النظم" في رؤية الجمال الإنساني الكامل الذي تجلى بشخص السيدة الزهراء في خلقها وخّلقها وسلوكها مواقفها في كل مراحل حياتها، فكانت الزهراء(ع) أجمل وردة في الوجود ما يزال عطرها فواحاً يبهرنا إلى اليوم، ولم ندرك كنه أبعاده كلها بعد..
سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني تحدث عن "التعريف بالزهراء (ع) في النص "الكتاب الثقافي"، ولفت أنه من المعيب أن تكتفي بالحديث عن الزهراء حول أنها فقط هي أم أبيها أو أن لديها مصحف خاص بها، وأن افضل من يصوّر الزهراء حق قدرها هم العرفانيون. وأكد الشيخ كوراني على وجوب التركيز على عصمتها وهي باجماع الفقهاء فهي امرأة ملكوتية، وكما يقول الإمام الخميني عنها :"هي وجود ملكوتي ظهر في العالم على صورة إنسان".
الجلسة الثانية: كيف يمكن أن تتجلى الزهراء(ع) في وسائل الحياة الحديثة؟!
تحدث في الجلسة الثانية بعد الظهر، خمسة باحثون وعلماء، حول مدى تمظهر وجود السيدة الزهراء (ع) في حياتنا المعاصرة. المحاضرة الأولى كانت للسيد سامي خضرا الذي ركّز على أبعاد مفهوم أن نعكس سيرة الزهراء قدوة في حياتنا، وأنه لا يكفي الانتماء العاطفة والمحبة لها بل يجب أن تترجم سلوكا يوميا في مختلف أنماط حياتنا خصوصا العنصر النسائي، الذي نشهد فيه اليوم بعض التراجع في السلوكيات الإيمانية. ودعا إلى مراجعة دقيقة للعديد من المفاهيم الإسلامية التي بات البعض يفسرها حسب هواه بعيدا عن النص الديني الأصلي.
الشيخ شفيق جرادي تحدث عن "مفهوم التكليف" في ضوء تجربة السيدة الزهراء عليه السلام، ليتبعه بعد ذلك مداخلة تميزت بالإبداع والجمال تحدث فيها الفنان الأستاذ محمد كوثراني عن تجربته في تحويل الشعارات الإسلامية ومعنى الأحاديث الإسلامية المنقولة عن الرسول وأهل بيته (ع) إلى أشكال فنية خلال الاحتفال بمختلف المناسبات.
الباحثة والأستاذة أمل قطان تحدث عن الكيفية التي تناولت بها الأبحاث الأكاديمية سيرة سيدة نساء العالمين(ع)، وكيف حفظت حقها وأين أخطأت في التصوير والتجلي.
الزميلة والأستاذة الجامعية ليلى مزبودي، وهي مديرة القسم الفرنسي في موقع المنار، كان لها مداخلة قيمة تحدثت فيها عن كيف نعرّف الزهراء في وسائل الاتصال الحديثة، ومما أوردته : "مع الشبكة العنكبوتية، يمكننا استغلال كل وسائل الاعلام والتواصل، واستعمال كل المواد الاعلامية، والوصول إلى كل الجماهير الممكنة. هذا التطور الكمي والنوعي في أحد أركان العملية الاعلامية هو هائل، هو فرصة ذهبية، ولكن لا تخلو من صعوبات. قد نكتفي بمبدأ الاغراق العشوائي على الشبكة، أي ان ننشر كل شيء من كتب ومحاضرات ووثاقيات ومشهديات وسمعيات عن السيدة الزهراء وسيرتها، ولكن الاغراق لا يضمن التصفح، اي أن نقرأ، أن نشاهد، أو أن نسمع..المشكلة مع الشبكة العنكبوتية أن وفرة المعلومات فيها لديها نفس تأثير قلتها، لا نستطيع الاطلاع عليها كافة.لا بد من الاختيار. وبالتالي، لا بد من موجهة تحدي النوعية، وعدم الاكتفاء بالكمية". ولفتت الأستاذة مزبودي إلى أنه من المفيد دوما أن نرصد الجمهور أو الجماهير في كل عملية إعلامية. ربما وضعنا خطة مرحلية. وقسمناها بحسب كل جمهور. بحيث ينبثق منها مواضيع عامة ، واخرى خاصة، تتعلق بخصوصيات كل واحد منهم.
أما الأستاذة القديرة الحاجة أميرة برغل فقد خصصت مداخلتها للحديث عن "التعريف بالزهراء في العملية التربوية"، وقالت :" إن كل ما تحتاجه المرأة المؤمنة في حركة حياتها أجابت عليه الزهراء بمسيرتها ولا عذر لنا في ابتعادنا عن ما فيه صلاحنا وصلاح أولادنا من بعد ما جسدت، سلام الله عليها، ما جسدته من قيم ومفاهيم إسلامية راقية". وعددت الأستاذة برغل عدة مستويات من المعرفة التربوية التي نريدها في هذه العملية، وهي المعرفة التحليلية، المعرفة البسيطة، المعرفة العشقية، النمذجة العملية، ودعت إلى المزج بين المعرفة العشقية والنمذجة العملية.
والكلمة الأخيرة كانت للزميلة الصحافية والكاتبة إيفا علوية، في مداخلة حملت عنوان " التعريف بالسيدة الزهراء في المجلات والنشريات". في البداية أكدت علوية "إنّ مدادَ القلم تنزفُ قطراتُه بالقصور عن وصف حقيقة العظمة وتجسيدِ ملامحِ الكمال. وحتى لو اطلقنا العَنانَ لرحلة اليراع فسنراه يترنحُ في شباك الحيرة والذهول". ولكنها أكدت "ان المجال مفتوحٌ امامنا على الاستفادة من تقنيات وقوالب الكتابة الصحفية لنشر المعرفة حول السيدة الزهراء في مواضيع لا تعد ولا تحصى تتناول عظمة السيدة الزهراء ومقامَها ومعالمَ شخصيتها والخصائصَ الفاطمية وتتحدث عن جوانب حياتِها وابعادِها المختلفة كفتاة وام وزوجة ومربية وعالمة وعاملة وعابدة وزاهدة ومجاهدة وصابرة ومضحية وسالكة في معراج الخلود، وتعرض لمفهوم القدوة والنبراس الذي تمثلُه ليس بالنسبة للمراة فقط بل للبشرية جمعاء ،وتركز على يوم المراة المسلمة الذي اختارَه حفيدُ الزهراء الامام الخميني كيوم للمرأة المسلمة بقصد رفع كرامتِها والنهوض بواقعها الى مقام الرفعة والسمو".
وفي الختام لفتت علوية إلى أننا " بحاجة الى مجلات تؤسّسُ لصحافةٍ نسوية إسلامية رائدة ومحترفة مجهزة بطاقات واليات ووسائل ومستلزمات وامكانيات الصحافة المقتدرة والقادرة على الوصول الى اكبر شريحة من النساء وجاهزة للمنافسة بل والتفوق في عالم الصحافة والكلمة التي يضاهي تأثيرُها حدَ السيف".