ذكرى النكبة التي باتت تمرّ هامشياً في الإعلام العربي، ويتعمّد الإعلام في العالم تفريغها من مضمونها وتحويرها لتصبح «فرصة للحوار» بين الإسرائيليين والفلسطيني، أي بين الجلاد والضحية، في ذكرى الجريمة
«تخيلوا أن الألمان لم يعترفوا قط بالمحرقة اليهودية. تخيلوا أنّنا نعيش في زمن حيث لا يزال اليهود يحاربون لانتزاع حق الاعتراف بوجعهم. ثمّ تخيلوا أنه في اليوم الذي يصادف ذكرى المحرقة، تستضيف التلفزيونات أولاد وأحفاد النازيين في نقاشٍ يظهر وجهة نظر الألمان حول الإبادة التي اقترفتها بلادهم. وعندها تخيلوا أن تستضيف هذه البرامج متحدثاً يهودياً ليحقق توازناً في نقاشٍ غير مناسب وليس في وقته».
كتب جوي سليم في جريدة السفير :
هذا التشبيه قامت به الكاتبة الفلسطينية الأميركية سوزان أبو الهوا رداً منها على دعوتها للظهور في حلقة على قناة «الجزيرة» الانكليزية في ذكرى النكبة الفلسطينية إلى جانب ضيوف إسرائيليين، وذلك لتحقيق توازن في «النقاش» كما جاء في نص دعوة منتج البرنامج للكاتبة.
وافقت أبو الهوا بدايةً على الظهور في الحلقة لكن بشروطها الخاصة: أن لا تتواجه مع الضيوف الإسرائيليين وألا ترد أو تعقب على كلامهم مباشرة، على أن يكون حوارها مع المحاور الذي ينقل لها ما جاء على لسان الضيوف الآخرين. لكن المنتج سرعان ما وجد بديلاً من أبو الهوا وهي الناشطة الفلسطينية قدرية أبو شحادة، مع ثلاثة ضيوف إسرائيليين (أين التوازن في ذلك؟) في حلقةٍ بعنوان «هل الإسرائيليون على استعداد لأن يضموا النكبة إلى قصة استقلالهم؟».
وتتساءل صاحبة رواية «صباحات في جنين» في نصٍ نشرته على الانترنت: ما الذي ستناقشه حلقة كهذه؟ سنناقش مع الإسرائيليين احتلالهم لأرضنا وتهجير ناسها؟ وتتابع قائلةً إن الإسرائيليين بعد استيلائهم على الأرض وسرقة التاريخ والعادات، ها هم اليوم يستولون على ذكرى النكبة أيضاً».
ذكرى النكبة التي باتت تمرّ هامشياً في الإعلام العربي، ويتعمّد الإعلام في العالم تفريغها من مضمونها وتحويرها لتصبح «فرصة للحوار» بين الإسرائيليين والفلسطيني، أي بين الجلاد والضحية، في ذكرى الجريمة. وأن يأتي هذا التحوير العلني من محطة عربية ناطقة بالانكليزية هو أمرٌ مستغرب، ويطرح أسئلة عديدة حول المعايير الأخلاقية والمهنية في تغطية الذكرى الخامسة والستين لواحدة من أكبر الجرائم المرتكبة في التاريخ المعاصر.