28-11-2024 04:45 PM بتوقيت القدس المحتلة

الأسواق الناشئة الجديدة تزدهر ولكن مخاطرها تزداد

الأسواق الناشئة الجديدة تزدهر ولكن مخاطرها تزداد

الصفر بدأ بعض المستثمرين في التخلي عن حذرهم والإقبال على شراء السندات غير السائلة التي كانت مهملة في السابق والتي باعتها دول

سوق مالي في فيتنام- آسيافي الوقت الذي خفضت فيه البنوك المركزية الكبرى في العالم العائد على الأصول الآمنة ليقترب من الصفر بدأ بعض المستثمرين في التخلي عن حذرهم والإقبال على شراء السندات غير السائلة التي كانت مهملة في السابق والتي باعتها دول ليس لها تاريخ يذكر في أسواق المال.


ورغم أن كبار المستثمرين يقرون بأن ‘الأسواق الناشئة الجديدة’ مثل فيتنام ورومانيا ليست مناسبة لضعاف القلوب نظرا لأنه لا يدري أحد ما إذا كان اللاعبون الجدد في أسواق السندات سيستطيعون الوفاء بالتزاماتهم.
وقد يكون لشراء سندات تلك الدول تداعيات مؤلمة مثلما كان الحال مع الأسواق الناشئة في خضم الأزمة الاقتصادية الأرجنتينية بين عامي 1999 و2002 والأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 والأزمة المالية الروسية عام 1998.
ومع إقبال المستثمرين على الأسواق الناشئة الجديدة يوصي المحللون بتوخي الحذر في الاختيار بين هذه الدول. وينصح بعض مدراء الصناديق المستثمرين بعدم المجازفة بالدخول في هذا القطاع نظرا لأن مخاطره تفوق عوائده.


وقال نيكولا جاكييه الخبير الاقتصادي المختص بالأسواق الناشئة في ستاندرد لايف انفستمنت التي تدير أصولا بقيمة 272.6 مليار دولار وتملك سندات لباراغواي ‘الخطر الرئيسي الذي تواجهه عند شراء السندات هو خطر العجز عن السداد.’
وأضاف ‘لكن من الخطأ النظر إلى مجموعة الأسواق الناشئة الجديدة نظرة واحدة لأنها مجموعة متنوعة للغاية… تتنوع فيها الجدارة الائتمانية ومخاطر العجز عن السداد من دولة لأخرى’.
وفي الآونة الأخيرة دخلت بوليفيا وباراغواي وهندوراس سوق بيع السندات السيادية للمرة الأولى. وهذه الدول الثلاث من أشد دول أمريكا اللاتينية فقرا ويبلغ مجموع ناتجها المحلي الإجمالي نحو 67 مليار دولار أي أقل من نصف حجم اقتصاد العراق الذي مزقه الصراع.


وأصدرت باراغواي سندات لأول مرة دون أن يكون لها سجل معروف في سداد ديونها للمستثمرين الأجانب إذ طرحت سندات سيادية بقيمة 500 مليون دولار في كانون الثاني/يناير أي قبل أربعة أشهر من انتخاباتها الرئاسية.
وقال جاكييه ‘لم تكن الانتخابات مصدر قلق كبيرا نظرا لأن باراغواي بها اجماع على نطاق واسع بين صناع السياسات والأحزاب بشأن وضع السياسة الاقتصادية وما يصب في مصلحة البلاد’ مضيفا أن السياسة تلعب دورا كبيرا في قرارات الاستثمار.
ولم يكن بيع السندات أمرا يتوقعه أحد. فالمستثمرون تنافسوا على شراء جزء من السندات البالغ أجلها عشر سنوات والتي صنفت بأنها عالية المخاطر رغم ضآلة عائدها البالغ 4.625 بالمئة. وعلى العكس تماما كان العائد على سندات جنرال اليكتريك لأجل عشر سنوات والمصنفة عند درجة عالية يزيد بنحو 0.58 نقطة مئوية عن عائد سندات باراغواي.


واستفادت باراغواي في طرح سنداتها من ارتفاع شهية المستثمرين للمخاطرة وجني الأرباح إذ فاق الطلب حجم المعروض من السندات بمقدار 12 مرة أو ثلاثة أمثال المعدل المتوسط للطلب.
ويوضح ذلك التداعيات غير المقصودة المترتبة على ضخ مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي أكثر من 2.7 تريليون دولار بشكل مباشر في الاقتصاد الأمريكي. وفي الآونة الأخيرة انضم بنك اليابان إلى هذا النشاط ودشن برنامجا خاصا به لشراء سندات بقيمة 1.4 تريليون دولار.


ودفعت السياسات التي تبنتها بنوك مركزية مثل مجلس الاحتياطي الأمريكي أو بنك اليابان المستثمرين – حتى الحذرين منهم – إلى شراء المزيد من الأصول غير النقدية في أسواق متأخرة يكتنفها الغموض تعرض عائدات أعلى قليلا ولكنها تنطوي على مخاطر أكبر بكثير في ظل الإصرار على انخفاض عائدات السندات الآمنة.
ويتفق جيم كارلن وهو مدير محفظة في صندوق سندات الأسواق الناشئة التابع لمجموعة كولومبيا مانجمنت – والذي تبلغ قيمة أصوله 166 مليار دولار – مع الرأي القائل بأن الاستثمار يجب أن يحدد على ‘أساس كل دولة على حدة ولكن إذا نظرت إلى جميع هذه الدول باعتبارها حزمة واحدة مثل رواندا وباراغواي وهندوراس وسألت نفسك: هل تحظى حقا بتعويض عن مستوى المخاطرة في هذه الدول؟ سأقول لك لا.’


وأضاف ‘تقارب فروق الفائدة الذي ترونه في هذه الدول هو في الحقيقة عامل يساهم في مستوى السيولة المرتفع بالأسواق العالمية والتدفقات الكبيرة في أدوات الدخل الثابت بالأسواق الناشئة على وجه الخصوص.’
ورغم ذلك يزيد حجم الاستثمار في الأسواق الناشئة الجديدة. وهذه الدول الصغيرة لا تزيد رؤوس الأموال في الأسواق الدولية للمرة الأولى فحسب ولكنها تفعل ذلك بأسعار فائدة شديدة الانخفاض لم يكن من الممكن تخيلها قبل أقل من خمس سنوات.
وفي نيسان/ابريل الماضي باعت رواندا التي شهدت إبادة جماعية قبل 19 عاما سندات مقومة باليورو بقيمة 400 مليون دولار في أولى عملياتها لبيع السندات في السوق الدولية ملحق بها كوبون 6.625 بالمئة بما يزيد بنصف نقطة مئوية فقط عن متوسط العائد حتى الاستحقاق على السندات التجارية الأمريكية عالية العائد حسبما أظهرت بيانات مؤشر أدوات الدخل الثابت التي أصدرها بنك أوف أمريكا ميريل لينش.


وجذب طرح السندات الرواندية طلبات بقيمة 3.5 مليار دولار ووصفه أحد الضامنين بأن ‘سعره مثالي.’
وتعتبر الأسواق الناشئة الجديدة فرعا من فئة الأصول المحفوفة بالمخاطر بالفعل وهي الأسواق الناشئة. فثمة دول قليلة لها سجل معروف في الوفاء بالتزاماتها وهناك دول مثل الأرجنتين لديها تاريخ في الاضطرابات السياسية والتغيرات المفاجئة في النظام.
وفي عام 2002 تخلفت الأرجنتين عن سداد أكثر من مئة مليار دولار في أكبر خسارة لمستثمري السندات السيادية في العصر الحديث وذلك بسبب سياساتها الاقتصادية الضعيفة والارتفاع المفرط لمعدل التضخم والركود وديونها الطائلة.

ورغم ذلك ينتقي المستثمرون مشترياتهم بعناية شديدة إذ يسافرون إلى الدولة المعنية ويتحدثون مع ممثلين لجميع فئات المجتمع بل إن هناك الكثير من مستثمري الأسواق الناشئة لديهم مكاتب في جميع أنحاء العالم ليظلوا على دراية بالوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة. وقال جاكييه ‘إذا نظرتم إلى مصر سترون أنها على شفا الانهيار ويمكنكم إرجاع ذلك إلى الوضع السياسي وعدم وجود رغبة في معالجة نظام الدعم.’ ومنذ انتفاضة عام 2011 تشهد مصر حالة من عدم الاستقرار في النظام المصرفي ونقص التمويل وانخفاض احتياطي النفط الأجنبي وارتفاعا حادا في تكاليف التمويل الحكومي إلى جانب بعض المشكلات الأخرى.


وقبل الشراء يقوم مستثمرو سندات الأسواق الناشئة الجديدة بتقييم مخاطر العجز عن السداد من خلال حجم الديون المستحقة على الدولة وميزاني المعاملات المالية والخارجية ومدى قدرتها على جذب النقد الأجنبي.
ويقول جاكييه ‘ديون باراجواي ضئيلة جدا والبنك المركزي يستهدف التضخم وعملية إعداد الموازنة سليمة تماما. ذلك يعطينا المزيد من الثقة في أن الحكومة ستفي بالتزاماتها.’ وأضاف ‘هذا بالمقارنة مع دول أخرى مثل هندوراس التي نواجه فيها وضعا أقل إيجابية في ضوء ضخامة ديونها.’


ولجأت هندوراس إلى إصدار أول سنداتها الدولية العام الماضي بعد نفاد جميع خيارات التمويل المحلية. وأصدرت هندوراس الشهر الماضي سندات بقيمة 500 مليون دولار مستحقة في عام 2024 بعائد 7.5 بالمئة أو بما يزيد بمقدار 547.9 نقطة أساس على سندات الخزانة الأمريكية.
وهناك صناديق ثروة سيادية كبرى مثل جهاز أبوظبي للاستثمار – ثاني أكبر صندوق في العالم الذي يدير اصولا قيمتها 600 مليار دولار – ومؤسسات استثمارية بينها ستاندرد لايف انفستمنت وأشمور انفستمنت مانجمنت تمتلك أصولا في الأسواق الناشئة الجديدة لم تكن لتقبل على شرائها في الماضي.


وقال جان دين رئيس الأبحاث لدى شركة أشمور انفستمنت مانجمنت المتخصصة في الأسواق الناشئة والتي تمتلك أصولا بقيمة 78 مليار دولار في الأسواق الناشئة والناشئة الجديدة ‘هناك فقاعة في أدوات الدخل الثابت ولكنها موجودة في الدول المتقدمة المثقلة بالديون وليس في الأسواق الناشئة الجديدة.’
ويؤكد دين أن السندات الحكومية الأمريكية محفوفة بمخاطر أكبر من سندات الأسواق الناشئة الجديدة قائلا إن سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بعائد يقرب من 1.65 بالمئة لا توفر تعويضا مناسبا عن المخاطر التضخمية التي يرجح ظهورها.
ورغم ذلك لا تزال سندات الخزانة تستفيد من وضع الدولار باعتباره العملة الرئيسية للاحتياطات في العالم مما يساعدها على تعزيز معدل الإقبال العالمي عليها. وعلى عكس الدول حديثة العهد بإصدار السندات في الأسواق الناشئة الجديدة تتمتع الولايات المتحدة بسجل حافل بالقدرة على السداد.


ويقول هاري هاريهاران رئيس إن.دبليو.آي مانجمنت وهو صندوق تحوط يحمل سندات تزيد قيمتها على ملياري دولار في الأسواق الناشئة ‘من المنصف أن نذكر أن الكثير مما يسمى بالاقتصادات الناشئة الأكثر تقدما كانت جميعها دولا ناشئة جديدة في وقت ما إلا أنها عندما أقبلت على الإصدار في السوق في ذلك الوقت لم تكن تشهد هذا الوضع الحالي فيما يتعلق بالسيولة’.