كان هناك جندي صهيوني لا يزال على قيد الحياة داخل احدى الاليات. حاول استعمال سلاحه فلم يفلح اذ عاجلته بضربة من عقب مسدس "البكر" وتمكنا من أسره.
قادته قدماه من يوغلاسافيا إلى فلسطين في العام 1948 .. كانت فلسطين البلد العربي الإسلامي ذات الجذور التاريخية يتعرض لأكبر عملية تزوير وسرقة باسم "وطن قومي لليهود".. يومها كامل رستموفيتش لم يستطع استيعاب الأمر..وهو ذلك المسلم البعيد البعيد عن أرض فلسطين.. حملته شهامته وغيرته الإسلامية إلى الديار المقدسة.. حزم أمتعته وقدم إليها ..
ذكريات فيها عز وكبرياء.. أعادته إليها انتصارات المقاومة اللبنانية بعدما أصبح في الثمانينيات .. ذكريات ما تزال محفورة في ذاكرة هذا الرجل الثمانيني، كامل رستموفيتش اليوغوسلافي أو كامل رستم اللبناني. موقع المنار بمناسبة ذكرى المقاومة والتحرير يستذكر مع هذا "الضابط" كيف قدم إلى فلسطين وكيف أصبح ضابطا في الجيش اللبناني؟!!..
دعته فلسطين إلى الواجب فلبى ودرّب الشباب :
يقول كامل رستموفيتش بأنه ولد في قرية "كوتي" على الحدود بين كرواتيا والبوسنة والهرسك سنة 1928. وقريته أحرقت ودمرت على أيدي الصرب، وكان أكبر أفراد أسرته. وهاجرت العائلة إلى سيراييفو. التحق بالجيش الالماني سنة 1944. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أقتيد إلى معتقل انكليزي. وهناك تعرف على ما يجري في المنطقة العربية، وخاصة القضية الفلسطينية. وفي العام 1948 وصل مع مفرزة يوغوسلافية إلى سوريا بدعوة من الجامعة العربية.
بعدها تطوع مع عدد من الشبان العرب والأجانب للدفاع عن فلسطين. وانخرط ضمن جيش الانقاذ العربي وخاض غمار هذه الحرب التي ما تزال مستمرة حتى الآن. ويتذكر الضابط كيف وصلت المفرزة إلى فلسطين وعددها 110 أفراد حيث تمركزت في يافا وشكلت جزءا من حاميتها. وكان يدرب الفلسطينيين والعرب على الأسلحة والألغام. والدافع له كان انتماؤه الإسلامي. ومن يافا إلى جنوب لبنان- منطقة ميس الجبل – والمالكية، حيث كان يتواجد الجيش اللبناني – الفوج الثالث، وفوج مشاة من السعوديين (في ميس وبليدا). وشارك في معركة المالكية الشهيرة في تموز العام 1948 التي سقط فيها أربعة شهداء من رفاقه البوسنيين. ولم يغادر خندق المواجهة بهدف استرجاع فلسطينيين من الغزاة الصهاينة .
يقول :"ولدت من جديد وقت وصول أمر بالهجوم على دورية إسرائيلية في منطقة طخلة المغارة" في ميس الجبل. وكان ذلك شهر تشرين الأول 1948، حيث قام بزرع ثلاث عبوات على طريق المنارة. وكان معه ثلاث رجال من بلدة ميس الجبل، وثمانية عشر جنديا من جيش الإنقاذ، ونصب الجميع كميناً للقوة الصهيونية قرب العبوات، ولحظة وصول القوة في الساعة التاسعة صباحاً، وهي مؤلفة من عشر مركبات اسرائيلية عسكرية، فجرت الالغام المزروعة، وتم مهاجمة القوة. وكانت النتيجة مقتل اثني عشر جنديا صهيونيا، واحراق اربع اليات، والسيطرة على الاخريات .
ويضيف الضابط كامل رستم "أنه كان هناك جندي صهيوني لا يزال على قيد الحياة داخل احدى الاليات. حاول استعمال سلاحه فلم يفلح اذ عاجلته بضربة من عقب مسدس "البكر" وتمكنا من أسره. وتم لنا سحب اليات بعد فرار طواقمها إلى بلدة ميس الجبل، واستقبلنا الاهالي بالتهليل والفرح. وسلمنا العتاد والأسير إلى الجيش اللبناني.. وعدت هذه العملية من أكبر العمليات على الصهاينة في وقتها.
اليهود ينتقمون ... وجيش الإنقاذ ينسحب
ويروي الضابط اليوغوسلافي أنه بعد هذه العملية الناجحة، تجمع اليهود وهاجموا بلدة المالكية ومجموعة منهم هاجمت طريق بليدا – ميس قاومها السعوديين من جيش الانقاذ. واشتركت في القتال وكان معي جيب وفوقه رشاش متوسط، وأجبرت القوة على التراجع. لكن جيش الانقاذ بدأ بالانسحاب وربما لأمر صدر إليهم أو لأن امكانيات الصهاينة كانت أكبر من امكانياتهم التسليحية. وبقيت وحدي في المعركة أقاوم وأناور حتى انسحبت إلى منطقة تبنين. ويضيف من المؤكد لو أن جيش الانقاذ صمد لما استطاع الصهاينة احتلال فلسطين..
ويضيف أنه مكث في ميس الجبل أربعة أشهر يتربص بالصهاينة، وأثناءها تعرف إلى فتاة من آل شقير وأصبحت زوجته. وذات مرة عرف رفاقه أن الصهاينة سيجتمعون في مستعمرة "المنارة" لاحتلال الجنوب اللبناني، تركناهم حتى وقعوا في الفخ (الكمين) على الطريق بين المنارة والنبي يوشع، وانفجر لغم كنا قد زرعناه باحدى الاليات وعندما حاول الباقون الفرار قطعنا عليهم الطريق واستخدمنا مدفعا لضربهم..
كامل اليوغسلافي يصبح ضابطا في الجيش اللبناني :
وتقديرا للتضحيات أصبح كامل رستم لبنانيا بكل ما للكلمة من معنى، فمن يقاوم ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني يستحق أن ينال الجنسية اللبنانية .. لذلك منحته الدولة اللبنانية الجنسية بشخص وزير دفاعها انذاك المير مجيد ارسلان، تقديرا لخدماته وهكذا أصبح في عداد الجيش اللبناني في العام 1950 ويخدم في فوج المدفعية وبعد أشهر انتقل مدربا لعناصر الفوج الخامس في أبلح.
اليوم المقاومة الإسلامية في لبنان، تعيد إليه كل هذه الذكريات، ويتألم أن جيله لم يستطع أن يحرز تقدماً في قضية فلسطين..لكن اليوم بوجود "قائد فذ ومقدام وشجاع وحكيم مثل السيد حسن نصرالله" فإن التفاؤل يملأ قلبه ويشعره بالفخر والاعتزاز بالمجاهدين وبقائدهم.. هذه المقاومة "التي تعتمد أساليب عسكرية راقية وقد حققت الانتصار الذي عجزنا عن تحقيقه ..".
اربعة وثمانون عاما مضت وما تزال أوسمة كامل رستم اليوغوسلافي (الميسي) تحفظ له تاريخه النضالي الطويل لتكون شاهدة على عمل رجل ضحى منذ شبابه حتى مشيبه دفاعا عن فلسطين ولبنان، ويتمنى أن يدفن في تراب ميس الجبل التي أحبها وأحبته..