في الفترة الأخيرة، ومع وصول محمد مرسي لسدة الحكم، انتشر تساؤل مفاده: لماذا يكره الإخوان المسلمون الثقافة؟
مدحت صفوت *
في الفترة الأخيرة، ومع وصول محمد مرسي لسدة الحكم، انتشر تساؤل مفاده: لماذا يكره الإخوان المسلمون الثقافة؟ الأمر الذي يعني من قريب ومن بعيد إدراك "جماعة المتأسلمين" لأهمية دور الثقافة في مناهضة أي حكم استبدادي ورجعي، وبالتالي تعمل "الجماعة" قدر مستطاعها على تهميش دور المثقف، والمؤسسات الثقافية؛ رسمية أو أهلية.
تهميش المثقف ليس أمرًا جديدًا، فنظام مبارك عمل أيضا بوسائل مختلفة على تحقيق الهدف ذاته، مراهناً على قابلية "تطويع المثقف والثقافة معاً"، عبر استمالة البعض للمؤسسات الرسمية والمناصب القيادية، وترهيب ومحاربة الآخرين، وصل الأمر إلى الاعتقالات أو المحاكمات عبر قوانين الحسبة وما يسمى بقانون "جرائم النشر". والمتابع للشأن الثقافي المصري بعد ثورة 25 يناير سيلاحظ أن جماعة الإخوان المسلمين تسير في طريق مبارك الثقافي ذاته، وإن اختلفت الوسائل، مراهنة أيضًا على الرهان نفسه "التطويع".
لم يكن اختيار شخصية غير معروفة، للجماعة الثقافية، لتولي حقيبة الثقافة المصرية ضمن التشكيل الوزاري الجديد، خبط عشواء؛ بل خطوة ضمن مشروع التطويع، فإن قبلوها المثقفون، ستكون الخطوة القادمة أعمق وأوضح في مسار تمكين الجماعة، و"أخونة الثقافة"، أو بالأحرى إعادة إنتاج لمفهوم "الحظيرة الثقافية" على مقاسات دينية "رجعية" محافظة، كما عمل فاروق حسني طوال ربع قرن على إنتاج "حظيرة" بات فيها المثقف واحدًا من فريقين، أولهما: نخبوي يعيش في برجه، بعيدًا عن قضايا المجتمع الحقيقية، أو بتعبير أدق، العملية ذات الصلة المباشرة بالإنسان العادي، مفضلاً البقاء في "الخانة الآمنة" وعدم الاشتباك مع الواقع المعيش وتبريره أحيانًا.
أما الآخر فيتمثل في الفريق الذي "لم يضبط المسافة" بينه وبين المؤسسات المتهالكة والمتجذرة في التسلط والديكتاتورية، وارتضى بكامل إرادته أن يكون ترساً في ماكينات طحن الفقراء وقهرهم، مترجلاً إلى أحضان السلطة لا لتبرير الواقع فحسب، بل لتزييفه أيضًا، ما يعني أن المثقف وضع فاصلة، سواء كبرى أو صغرى، بينه وبين الناس ومؤسساتهم غير الحكومية قطعًا "الشعبية"، أدت في النهاية لانعزاله بعيدًا، حتى أصبح تأثيره "كبقعة زيت على سطح المحيط" بتعبير د.زكي نجيب محمود.
رؤية حزب الحرية والعدالة تجاه الثقافة، تقول إن الجماعة ستدعو إلى إعداد ميثاق للشرف الإبداعي يكون بمثابة دستور يلتزم به المبدعون وأجهزة الرقابة على "الإبداع الأدبي!!" ما يعني استحداث هذه الأجهزة، طبقا للدستور "الفضيحة"، والمكبل لكافة الحريات.
ومع تولي علاء عبد العزيز، الذي يجهله المثقفون، ومكتبه الإعلامي نشر اسمه خطئا مرتين، وفي يوم واحد، ومع قرارات الوزير صاحب المقالة "الجهنمية" بموقع "الحرية والعدالة"، استشعر المثقفون خطر السكوت على تشييد "الحظيرة الجديدة"، فنظم عدد من المثقفين وقفتين احتجاجيتين أمام مركز الهناجر، وأمام مكتب الوزير، للمطالبة بإقالة عبد العزيز، إلا أن "مكتب الإرشاد" بالمقطم لا يزال يجعل أذناً من طين وأخرى من عجين، مراهنًا على ما راهن عليه سابقه في قصر الاتحادية من قبل، ويبقى سؤال مدى قدرة "الإخوان" على تطويع المثقفين ووضعهم تحت جناح "الجماعة" ومدى يقظة المثقف وطول نفسه النضالي.. مشروعاً.
ولم تكن إقالة د.أحمد مجاهد من رئاسة الهيئة المصرية للكتاب، والتلويح بإقالة د.إيناس عبد الدايم ود.رشا إسماعيل من رئاسة دار الأوبرا والمركز القومي للترجمة، وتجاهل الذكرى الثلاثين لرحيل شاعر الرفض "أمل دنقل" الخطوات الوحيدة في تدشين "حظيرة الإخوان الثقافية"، فقد رافق تعيين عبد العزيز قيام "أخبار الأدب"، الجريدة التي تصدرها مؤسسة «أخبار اليوم» الحكومية، بنشر صورة نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر، مع عنوان كبير يقول "الشاطر.. هل يحقق استعادة روح مصر الثقافية ببرنامج الجماعة؟".
الالتفاتة، التي استهجنها كثير من المثقفين، حد اعتبرها البعض بـ"الفضيحة" والبعض الآخر وصفها بـ"الجنون"، متهمين رئيس التحرير بتملق "الشاطر" ونفاقه، لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبق وأن عاد "عفيفي" بالجريدة -التي دافعت عن مدنية الدولة وحرية التعبير والرأي والخيال الإبداعي- إلى "الينابيع"، حين قام بنشر صورة حسن البنا مؤسس «جماعة الإخوان المسلمين» في إشارة لمقالة لعفيفي نفسه بعنوان "أفكار البنا لماذا تخترق الزمان والمكان؟".
تصدير صورة "الشاطر" واحتلالها ثلتي غلاف عدد الجريدة، تحت زعم مناقشة "فتح ملف الثقافة والأحزاب، وتناغمًا مع الدور الثقافي لرجال الأعمال"، ليست الإشارة الأولى والأخيرة، ففي متن مقالة "عفيفي" فجوات خطابية، وتناقض حجاجي ونصي مع كتابات عفيفي نفسه. ويروي رئيس التحرير –المعين من قبل مجلس الشورى الإخواني- عن "النهضة و"دماغها"، "إشكالية الثقافة مسئولية تتجاور مع إشكاليات أخرى في شكل المرايا المتجاورة، والقراءات الكاشفة لمشروع "الجماعة"، وبرنامج "الحزب"، تؤكد أن الزج باسم نائب المرشد فيما نشر عن تأجير آثار مصر، كانت عملية "عبثية"، فقد ثبت أنه أحد رجال مصر الذين يحبونها كما نحبها جميعًا، بلا تفريط ولا إفراط!! مع الإشارة إلى أن نفي العيب عن من لا يستحق العيب عيب" حد قول عفيفي، والذي وصف من قبل الداعية الإخواني صفوت حجازي بـ «الفقيه الثوري» في مقدمة حوار أجراه معه لـ «أخبار اليوم» في عام 2011.
يبدو التناقض واضحًا، في كون عفيفي واحدًا من الذين مارسوا "العبث"، حد توصيفه، حين اتهم في مطلع آذار "مارس" الماضي خيرت الشاطر بالعمل على "بيع هرم مصر الرابع –يقصد مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو"- لقبيلة قطر العظمى"، معتبرًا ذلك "عارًا بكل المعايير، وجريمة بكل المقاييس، نعم.. عار عليك يا خيرت الشاطر" حد نص مقالة عفيفي السابقة، والمنشورة في الجريدة ذاتها بعنوان "أيها الشاطر خيرت. قف مكانك والزم حدودك"، والتي طالب من الشاطر فيها بالابتعاد عن رموز الاستنارة والتنوير والإبداع.
بمجرد طرح العدد الجديد من الجريدة، بدأت التعليقات المستنكرة والساخرة من الحدث، فكتب أحدهم: "عدد تاريخي من أخبار الأدب بغلاف يحمل صورة خيرت الشاطر، لو كشطتها تلاقى تحتها صورة الرئيس مرسى"، وسخر الزميل سيد محمود قائلاً "انتقام إلهي من المثقفين".
الاحتجاج على تصرفات "عفيفي"، لم تبق فقط رهينة الشبكة العنبكوتية، وافتراضية الفايسبوك، بل وصلت حد مكتبه؛ حيث قام محتجون بتعليق لافتات على باب مكتب رئيس التحرير تطالب بإقالته، وتصف غلاف العدد الأخير للجريدة بـ"العار"، وتستنكر حال المجلة التي تصدر أغلفتها ماركيز، نجيب محفوظ، نصر أبو زيد، باولو كويلهيو، طه حسين، وغيرهم ، ليصل الأمر إلى تصدير صورة مهندس النهضة "الظلامية" وصاحب محال البقالة!!!
أولى خطوات رفض "الحظيرة" كانت من المفترض أن تبدأ من مؤتمر اليوم الخميس الماضي، بنقابة الصحفيين، "لبحث الوسائل المناسبة للحفاظ على هويتنا ومكوناتها" والدفاع عن الثقافة؛ باعتبارها حائط الصد الأخير وأول الصفوف المهاجمة، في معاركنا نحو السعي لخلق "نسق إنساني" يحيا الإنسان فيه حرًا وواعيًا. وكان الأمر يستوجب القائمين على مؤتمر النقابة التخلص من السمات الكرنفالية وشهوة الميكروفونات وكافة أمراض "حظيرة فاروق حسني".
بيد أن المؤتمر بدا وكأنه مؤتمر التقاط "الصور التذكارية"، والخطب الرنانة، وتسجيل موقف للصحافة، لا يتجاوز تأثيره الاستهلاك المطبعي، والمشاركة غير الفعالة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي أدركه الوزير الجديد فوصف "النخبة"- في حديث لقناة الإخوان- بـ"الظاهرة الصوتية" متهما إياهم بعدم المشاركة في الانتفاضة الشعبية في كانون الثاني "يناير" 2011.
فعلياً، بدأ المؤتمر وانتهي دون الخروج بجدول عملي لجملة من الخطوات والحلول الواقعية التي لا ينفصل فيها النضال من أجل حرية الكلمة عن النضال عن القضايا الاجتماعية والحقوق الاقتصادية لكافة أفراد الشعب.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
* إعلامي وباحث في مجال تحليل الخطاب- مصر