تشعر إسرائيل أن الحرب الأهلية الدائرة في سوريا تهدّد بتغيير واقع المنطقة بأسرها جراء التدخلات الأجنبية، فيما تعلم أن دورها في هذا التغيير هامشي ومحدود
حلمي موسى
تشعر إسرائيل أن الحرب الأهلية الدائرة في سوريا تهدّد بتغيير واقع المنطقة بأسرها جراء التدخلات الأجنبية، فيما تعلم أن دورها في هذا التغيير هامشي ومحدود. وكان معلقون إسرائيليون قد أثاروا مخاوف من أن العناد الروسي في تأييد النظام السوري يعود لأسباب خارجية، من بينها الخلافات مع الإدارة الأميركية التي لم تعرف كيف تتعامل باحترام مع الرئيس فلاديمير بوتين. ويعتقد خبراء أن الخلاف الروسي - الغربي غدا خطيراً، وصار يهدد بجر المنطقة بأسرها نحو المواجهة.
وإذا كانت الغارات الإسرائيلية على دمشق قد دفعت القيادة الروسية إلى تبرير تكثيفها لإرساليات الأسلحة الدفاعية لسوريا، فإن التهديدات العسكرية الغربية عموماً، والأميركية خصوصاً، بالتدخل في سوريا أو فرض منطقة حظر جوي، بررت الحديث علناً عن تزويد سوريا بصواريخ «إس 300» ورادارات متطورة لصواريخ «ياخونت». وجاء الموقف الأوروبي برفع الحظر عن تسليح المعارضة ليزيد شقة الخلاف بين روسيا والغرب وصولاً إلى اعتبار القرار غير شرعي. ولكن ردود الفعل الروسية، خصوصاً في مجال التسليح، تقلق إسرائيل بشكل متزايد.
وترى إسرائيل أن تزويد روسيا لسوريا بالأسلحة والصواريخ المتطورة هو نوع من التحدي للإدارة الأميركية واستعراض عضلات أمام الغرب. ونقلت «معاريف» عن مصدر سياسي رفيع المستوى قوله إن سبب إصرار الروس على تسليم الرئيس السوري بشار الأسد منظومة صواريخ «إس 300»، هو الحفاظ على التفوق الجوي السوري في مواجهة المتمردين من ناحية، وضد احتمال فرض منطقة حظر جوي من ناحية أخرى. ومنظومة الصواريخ هذه تسمح للنظام السوري بمنع فرض حظر جوي كهذه. ولكن الإسرائيليين لا يزالون يأملون ألا تقدّم روسيا على تنفيذ الصفقة، وأن تتصرّف فيها كما سبق وفعلت مع قبرص، التي اشترت المنظومة ولم تصلها حتى اليوم بسبب تهديد تركي بقصف الشحنة حال وصولها إلى الأراضي القبرصية.
واعتبر السفير الإسرائيلي السابق في روسيا تسفي ماغين أن الدافع الأساس الروسي لتسليح سوريا ليس إسرائيل، وإنما الولايات المتحدة. وأشار إلى أن هناك عملية «لي ذراع» بين الطرفين، وأن روسيا أقنعت أميركا بقبول عقد مؤتمر «جنيف الثاني» على سبيل إثبات حضورهم، بغض النظر عما سيجري مع الأسد. ولكن بعد التوصل إلى اتفاق بخصوص المؤتمر، أصبح الروس يريدون بقاء الأسد أو ذهابه، ولكن بشروطهم والأميركيون يرفضون. ولهذا استلّ الروس صواريخ «إس 300» المخلة بالتوازن، وهو ما دفع الغرب للردّ برفع الحظر عن تسليح المعارضة. وفي نظره فإن الطرفين يهددان من أجل الحصول على شروط مريحة مسبقة في المؤتمر.
ورأى المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت» أليكس فيشمان أن «السياسة الروسية المغرورة، الفظة وغير المساومة في المسألة السورية هي صورة مرآة دونية، وضعف السياسة الاوروبية والأميركية في هذه المسألة». واعتبر أن الروس «يشمّون ضعفاً. وهم يشخصون بأن الأميركيين لا يريدون الوصول الى تدخل عسكري في سوريا، ويستمتعون بحقيقة أن وزير الخارجية جون كيري يغازلهم».
وأشار معلق الشؤون الدولية في «إسرائيل اليوم» بوعز بيسموت، إلى أن الوضع السوري بالغ التعقيد عسكرياً وديبلوماسياً، وأن الرئيس الأسد يفهم ذلك ويلعب على الخلاف الدولي. ويشدّد على أن القلق ينبع ليس فقط من واقع وقوف روسيا إلى جانب سوريا، وإنما أيضاً بسبب الخصم الذي يقاتله النظام. فهناك جهاديون من تنظيم «القاعدة» إلى جانب «الجيش السوري الحر». والغرب يعرف أنه يسهل تزويد جهات بالسلاح، ولكن سيكون أصعب تجريدها من هذا السلاح. ولذلك يرى أن «هدف واشنطن ليس إسقاط الأسد، وإنما الحيلولة دون تركيم المجموعات الجهادية المقربة من القاعدة لعوامل القوة في سوريا. وفي الواقع الراهن يبدو أن السقوط المفاجئ للأسد مهدد». ويخلص بيسموت إلى أن المفارقة هي أن «عدو الأسد هو من يساعد على بقائه، وليس في الغرب أي جديد».
قد دفع ذلك العميد (احتياط) حنان غيفن، الذي سبق وقاد وحدة التجسس الإلكتروني المعروفة باسم «8200»، للجزم بأن السؤال عما «هو جيد لإسرائيل» لم يعد ذا أهمية في ما يجري ليس لأنه غير مهم، وإنما لأن أحداً في العالم لا يعرف الجواب. وفي نظره فإن «إسرائيل ليست عاملاً مهماً في هذا الصراع الممتد أمام أنظارنا، وهي في أحسن الأحوال، لاعب ثانوي». واعتبر المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل أن اسرائيل في المسألة السورية «لاعب ثانوي فقط، برغم انه قد يوجد انطباع مخالف احياناً».
ويختلف السفير ماغين مع القائلين بضآلة وثانوية الدور الإسرائيلي، ويجزم بأنها مهمة جداً في كل المسألة السورية. فهي قوة عظمى إقليمية تجلس على الجدار، ويمكنها تغيير الموازين بثانية واحدة، لذلك يعتقد أن روسيا تريد إبقاء إسرائيل خارج اللعبة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه