29-11-2024 07:41 AM بتوقيت القدس المحتلة

مصر في محنة.. ونحن في خندقها

مصر في محنة.. ونحن في خندقها

افاقت مصر فجأة على اعلان اثيوبيا البدء في اقامة سدّ النهضة على النيل الازرق الذي يشكل المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل (85 ‘)، ويمكن ان يؤثر في المستقبل القريب على حصتها من المياه



عبد الباري عطوان

افاقت مصر فجأة على اعلان اثيوبيا البدء في اقامة سدّ النهضة على النيل الازرق الذي يشكل المصدر الرئيسي لمياه نهر النيل (85 ‘)، ويمكن ان يؤثر في المستقبل القريب على حصتها من المياه، وامدادات الطاقة الكهربائية التي يولدها السدّ العالي.

بعض الصحف المصرية اتخذت من هذه الخطوة الاثيوبية الخطيرة جدا على الأمن القومي المصري، ولقمة عيش تسعين مليونا من المصريين، وسيلة لشن هجوم كاسح على الرئيس محمد مرسي وتحميله المسؤولية لإهماله هذه القضية، رغم انها احدى التركات الثقيلة الموروثة من عهد الرئيس محمد حسني مبارك.

اثيوبيا اعلنت عن بناء هذا السدّ في ايار (مايو) عام 2011 بتكلفة تصل الى 4.8 مليار دولار وبتحريض مباشر من اسرائيل، تحت عنوان توليد الطاقة الكهربائية، مما سيجعله، اي سدّ النهضة هذا، اكبر مصدر للطاقة في القارة الافريقية.

الخطورة على مصر لا تكمن في توليد الطاقة، ولا في تحويل مجرى النهر لعشرات الامتار، وانما في اقامة بحيرة صناعية تتسع لحوالى 74 مليار متر مكعب من المياه على مدى ست سنوات على الاقل، الأمر الذي سيقلص حصة مصر من المياه (55 مليار متر مكعب حسب معاهدة عام 1959) بحوالى 12 ـ 18 مليار متر مكعب من هذه الحصة السنوية.

النتائج الاولية المترتبة على هذا النقص تعني وقف عمل بعض توربينات توليد الكهرباء في السدّ العالي، وبوار حوالى مليون فدان زراعي، اي تعرّض نصف مليون اسرة مصرية للجوع على الاقل.
النظام المصري السابق اتبع سياسات كارثية في افريقيا، وحوض منابع النيل على وجه الخصوص، وتصرف بطريقة متعالية متكبرة حاقدة مع دولة السودان لحوالى عشر سنوات، الامر الذي ادى بإسرائيل الى التسلل وملء الفراغ، ومحاربة مصر من فنائها الخلفي وضرب امنها القومي والشقّ المائي منه على وجه الخصوص.

افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي الذي هدد بقصف السدّ العالي واغراق مصر بمياهه، قام بجولة في خمس دول افريقية في عام 2011 على رأس وفد اسرائيلي يضم اكثر من مئة شخص معظمهم من رجال المال والاعمال والخبرات الهندسية المتخصصة في بناء السدود، وعرض خدمات اسرائيل في بناء السدود وتمويلها لتحويل مياه النيل، وكان من ابرز الثمار المسمومة لهذا التحريض اتفاقية عنتيبي التي وقعتها هذه الدول (اثيوبيا، اوغندا، كينيا، رواندا، الكونغو) وقد تعهدت بروندي لمصر بعدم توقيعها ولكنها كسرت هذا التعهد اخيرا.

لم نفاجأ بهذه الطعنة، مثلما لم نفاجأ بتوقيع شركات اسرائيلية اتفاقا لتولي توزيع منتوج الطاقة العائد من السدّ الجديد.
حكومة الرئيس حسني مبارك ارتكبت اخطاء كارثية اثناء تعاطيها مع ملف المياه ومشاريع اثيوبيا المائية والتسلل الاسرائيلي، ابرزها تضخيم قضية ‘مثلث حلايب’ وحشد الجيوش لخوض حرب ضد السودان ونظام الرئيس عمر البشير انتقاما من محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها الرئيس مبارك في اديس ابابا، واتهم النظام السوداني بالوقوف خلفها، والاكثر من ذلك ان نظام الرئيس مبارك فتح سفارة لجون قرنق رئيس حركة التمرد في جنوب السودان، وقدم له كل الدعم السياسي نكاية بنظام الترابي ـ البشير.

الخطأ الآخر ان النظام السابق لم يعط القرن الافريقي الاهتمام الذي يستحق ويوطد علاقاته مع دوله مثل اريتريا والصومال وجيبوتي اضافة الى السودان، التي يرى بعضها في اثيوبيا عدوا بسبب احتلالها لاراضي بعض هذه الدول (اوغادين في الصومال)، والنزاع الاثيوبي الاريتري التاريخي حول ترسيم الحدود وامور اخرى.
السيد عبود الزمر رئيس الجماعة المصرية اعتبر الخطوة الاثيوبية بمثابة ‘اعلان حرب’ وطالب بالرد عليها بكل قوة، ولكن ظروف مصر الحالية ربما لا تسمح بذلك، فالبلد يعيش ظروفا اقتصادية صعبة، ويعيش مرحلة انتقالية، وجبهته الداخلية ممزقة.

العبث بمياه النيل الخطر الاكبر الذي كان يقلق جميع الحكومات المصرية السابقة، حتى ان محمد علي باشا اسس قوة عسكرية للتدخل السريع في حال اقدام اثيوبيا او اي دولة اخرى على تهديد مصالح مصر المائية.
في الدول المتحضرة او غير المتحضرة، تتوحد السلطة والمعارضة، وتضع خلافاتها جانبا لمواجهة اي اخطار تواجه الامن القومي، ولكننا للأسف الشديد لا نرى ذلك في مصر الثورة في الوقت الراهن، وما نراه هو حرب ضروس اعلامية وسياسية، ادت وتؤدي الى انهاك مصر واستنزاف قدراتها وتدمير وحدتها الوطنية.

مصر مستهدفة ومحاطة بأخطار من كل جانب، فسيناء دويلة شبه فاشلة في الشرق، وليبيا دولة فاشلة في الغرب، والسودان تنهشه الحروب الاهلية في الغرب والشرق والجنوب، واسرائيل تتآمر على الجميع في الشمال، والدولة المصرية تقاتل على جبهات داخلية عديدة.

من المؤلم ان سورية والعراق اللتين كانتا دائما الداعم التاريخي القوي لمصر تعيشان حروبا اهلية داخلية وطائفية، وبعض دول الخليج تتآمر عليهما في وضح النهار وتمول حركات تعمل على زعزعة استقرارهما.
مصر تحتاج الى ‘هدنة’ داخلية، واخرى عربية، حتى تتفرغ لمواجهة جميع هذه الاخطار المحدقة بها، منفردة او مجتمعة، وابرزها خطر اجهاض ثورتها المجيدة.

نحن مع مصر وشعبها بكل مكوناته، نقف في خندقها في مواجهة المؤامرات التي تستهدفها وامنها القومي، لانها القاطرة العربية، والحصن المنيع للأمة العربية وامنها ومصالحها.

انهيار مصر او جوع شعبها، او استغلال اسرائيل وحلفائها في القارة الافريقية لظروف مصر الصعبة، وتواطؤ بعض القوى الداخلية مع دول خارجية لزعزعة استقرارها، كلها خطوط حمر يجب ان يقف الجميع في مواجهتها.
مصر التي نحبها وشعبها تعيش مجموعة ازمات دفعة واحدة، وهي بحاجة الى ادارة قوية صلبة للقيام بهذه المهمة تتحلى بالحكمة وضبط النفس، وفوق كل هذا وذاك وضع مصالح الوطن الوطنية فوق كل الاعتبارات.

ثقتنا كبيرة في الشعب المصري وقياداته وفي مؤسسته العسكرية الوطنية التي كان ولاؤها وسيظل لمصر والأمة العربية بأسرها، ولهذا لن تُهزم مصر ولن يجوع شعبها بإذن الله.

 

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه