"معانا موز من أريحا ..ومن صفد معانا صفيحة" .. لم ينجح العرض المسرحي في جذب جمهور يتعرف الأدب الفلسطيني المقاوم في مؤتمر خصص له.. فكانت حسرة على أدب المقاومة في بلد المقاومة..
"معانا موز من أريحا .. ومن صفد معانا صفيحة.. معنا جبنة من عكا ..معانا من جنين زيتون ..ومن نابلس معانا صابون.. قرب وجرب معنا برتقال ماندلينا من يافا .. ". كل نداءات الممثل المسرحي الفلسطيني قاسم اسلامبولي لم تنفع لجلب جمهور يتعرّف الأدب الفلسطيني المقاوم.. هنا في بيروت التي كانت أول من يطبع هذا الأدب.. اليوم الجميع منشغل عنه ..
إذ نتفهّم أن النشاطات الثقافية عموماً لا تجذب جمهورا يعتد به، ولكن عندما يتعلق هذا النشاط بقضية من قضايا الأمة المصيرية، والتي طبعت التاريخ العربي على مدى 66 عاماً ألا وهي القضية الفلسطينية..
وخصوصا أن هذا النشاط في بيروت عاصمة الثقافة والمقاومة والأدب المقاوم.. التي احتضنت منذ يومين فعاليات "المؤتمر الفلسطيني المقاوم" في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية في الحدث، ألا يحظى بأي اهتمام إعلامي وحتى ثقافي ... ولقد كان غريباً أنه لم يحضر حتى راعي المؤتمر وهو رئيس الجامعة نفسه الدكتور عدنان السيد حسين بحجة أنه مسافر، وإن كان بمقدروه الاعتذار وإرسال من ينوب عنه في حفل الافتتاح ..!!
الشاعر والروائي الفلسطيني، وهو رئيس اتحاد الكتاب العرب، حسن حميد عبر بحسرة عن هذا الحضور الخجول لقضية أدب مقاوم في بلد المقاومة التي سجلت الانتصارات الحقيقة على العدو الإسرائيلي .. ولكنه رغم ذلك قال لموقع المنار إنه يتشرف بوجوده اليوم في :" هذه البلاد التي كانت دائما تنتصر ..
هنا هزم المغول وهنا هزم نابليون بونابرت وهنا هزم الافرنجة وهنا هزم الاحتلال الفرنسي .. هنا بلد الأنبياء والشرفاء وبلاد القمح .. لم أشاهد الجمهور ولكني شاهدت فلسطين ما تزال قابعة في الذاكرة العربية رغم كل محاولات طمسها من ذاكرتنا ويا سيدتي كما يقول المثل العربي "الكرام قليل".
كلمات الافتتاح .. أدب يحارب تزوير التاريخ
بعد النشيدين اللبناني والفلسطيني، كانت كلمة ترحيب من الدكتورة راغدة المصري، التي وجهت تحية لأرواح الشهداء في ذكرى الانتصار والتحرير، مشيرة إلى تميز الرواية الفلسطينية لارتباطها بعدالة القضية الفلسطينية، معتبرة أن التطرق إلى مفهوم الادب الفلسطيني المقاوم اضحى مغامرة بالنسبة للبعض. وانتقدت المصري مزاجية النقد في عالم الفن النقدي، كما ذكرت أن الكلام عن أدب فلسطيني مقاوم صار محرجاً لدى البعض، وبات ضعيفاً غير مرغوب فيه على موائد العقلانية. ودعت المصري إلى مواجهة الأدب الصهيوني الذي عمل على تزييف التاريخ والحقائق.
كلمة إدارة المؤتمر ألقاها الدكتور علي زيتون فقال أن هذا المؤتمر ليس علميا فقط للتعرف على النتاج الادبي الفلسطيني وانما هو مؤتمر سياسي ويريد أن يقول لمن يرى ان القضية الفلسطينية باتت عبئاً عليهم ان هذه القضية الفلسطينية من الاساس هي قضية عادلة. وأكد زيتون ان منظمي المؤتمر ارادوا رفع الصرخة من اجل فلسطين وكذلك المشاركين فيه وقد جاؤوا من دول شتى.
ولفت الى ان المؤتمر يمثل إبرة بوصلة تتجه نحو فلسطين، وأن خصوصية الادب الفلسطيني مبينة على خصوصية فلسطينية. ورأى ان وجع الاقتلاع هو السبب الذي يعطي الادب الفلسطيني صورته الراسخة. وذكر ان المؤتمر معني بوضع الاصبع على فرادات الادباء الفلسطينيين، مؤكدا أن بمقدور بعضهم أن يصل الى العالمية.
كانت كلمة للهيئة الادارية في اتحاد الكتاب اللبنانيين ألقاها الشيخ فضل مخدر كلمة الاتحاد تحدث فيها عن الادب معتبرا اياه حكاية تنبئ عن حقيقة وابداع ... كل همسة وحفيف. واكد ان الادب الحر الصادق ما هو الا مرآة لروح وقلم، وبين اريحية قلم وصيحات بنادق نرى ان المنبت واحد وان تنوعت منابت الاقاحي. واشار الى أن هذا العصر يتسلط عليه المال، وصارت الحرية أمة تختلف عليها انواع النخاسين، والعبودية واحدة من المفاخرة. ودعا الى اتقان وحمل مسؤولية صناعة الأدب كما صنعت سواعد المقاومة دماً.
والقى الروائي الدكتور حسن حميد كلمة اتحاد الادباء العرب، انتقد فيها غياب الاهتمام بالثقافة في العالم العربي وقال "يا الهي يعرفون من هي فلسطين". ووجه تحية الى امل المقاومة في هذه الايام معرباً عن سروره لانتقاء مؤتمر عن ادب المقاومة الفلسطينية، مؤكدا ان البندقية هي الطريق الى فلسطين. كما اعرب عن فخره أنه في بيروت الثقافة والمقاومة، وفي مؤتمر يتحدث عن أنبل قضيتين وهما الأدب والمقاومة. وتحدث عن اهمية الادب في تكريس ونقل صورة الواقع وثقافة هذا المجتمع وذاك، مشيراً إلى أن مقابر الفلسطينيين صارت اكثر سعة من مخيماتهم من اجل فلسطين.
كما امتدح بيروت الجليلة التي اكرمتنا بثقافتها، كما امتدح اهل جبل عامل الذين اكرمونا واعطونا الامل. واكد ان لا موت للثقافة ما دامت بيروت بخير لأن بيروت هي الجوهر في الثقافة، مشيراً الى شيوع ثقافة المقاومة وادبياتها لمصداقيتها وثباتها.
والمح الى عزلة من يكتب عن الادب المقاوم، منتقدا غياب دور نشر خاصة بأدب المقاومة، اضافة الى غياب الاهتمام والتواصل بين اهل ثقافة المقاومة، وانعدام وجود خرائط باسماء الكتاب والكتب المعنية بهذا الادب، واصفاً ذلك بالجرح النازف في مسيرة الأدب المقاوم. ودعا ايران وحزب الله وسوريا وفلسطين الى دعم هؤلاء الادباء النبلاء الذين باتوا أقل من عصابة نبيلة.
والقى كلمة اتحاد الكتاب الفلسطينيين الاديب سمير أحمد، فقال إن هذا المؤتمر حجرٌ كبير في ماء راكدة، آسفاً للوجع الذي نستشعره كأدباء في المقاومة لضعف الاهتمام بهؤلاء الادباء، واهاب بالانتصار الذي تحقق في ايار والذي اكد على صوابية المقاومة واسقط مقولة اسرائيل الكبرى، ورفع من مقاومة الشعب الفلسطيني وجهوده وتضحياته.
وتحدث عن الادراك المبكر لدى أدباء فلسطين لما تتعرض له فلسطين من طرد وتشريد لأهلها، فمهدوا لكشف المخطط والتحذير. وانتقد سقوط بعض الادباء والفنانين وركوبهم سفن التسويات وما انتجته من اتفاقيات مذلة ....وأكد أن الجبهة الثقافية لا تقل اهمية عن جبهات القتال خاصة في هذا الزمن الذي تختلط فيه مفاهيم الثورة بمفاهيم الاستجداء بالخارج.
واختتم الافتتاح بعرض فني ساخر لمسرحي الفلسطيني الفنان قاسم إسلامبولي ذكّر فيه الحاضرون بأسماء المدن الفلسطينية المحتلة، وبالهزائم العربية ليختمها مع نصر المقاومة في لبنان.
الختام .. دعوة ملحة لاحتضان الأدب المقاوم
وفي اليوم التالي عقدت خمس جلسات نقدية درست مراحل الأدب الفلسطيني المقاوم وتطوراته، وقدم الدكاترة المحاضرون بحوثا قيمة وعلمية استقرات تجارب أدبية لبعض الأسماء التي كتبت في الأدب الفلسطيني المقاوم، مثل غسان كنفاني، وسحر خليفة، ومحمود درويش، لرشاد أبي شاور، وروان عبد العال، ومحمود مفلح، وغيرهم.
واختتمت هذه الجلسات الدارسية ببيان ختامي تمحور أهم بنوده حول الآتي :
- يوصي المشاركون بالاهتمام الاكثر بموضوع المقاومة ادبيا وثقافيا وفكريا كما يؤكدون على اهمية الموضوعات والنقاشات والحوارات التي جرت خلال اليومين الماضيين على ان تطبع اعمال هذا المؤتمر في كتاب خاص يعد حولية اولى لمؤتمر الأدب الفلسطيني المقاوم ولن يكون الاخير باعتباره اسس لثقافة المقاومة الجامعة للادباء و الكتاب و النقاد والاكاديميين وذلك من اجل متابعة دائمة ومستمرة لاوضاع الثقافة و المقاومة .
- يرجو المشاركون في اعمال المؤتمر ان يصار الى انشاء جائزة ادبية (ماليا ومعنويا) خاصة بادب المقاومة الفلسطينية وان يقام لها احتفال اعلامي كبير .
- يوصي المشاركون بالمزيد من اهتمام الجامعات العربية بادب المقاومة وان تدخل نصوص المقاومة في رسائل الدبلوم والدكتوراة كما ويوصي بانشاء لجنة دائمة من المثقفين تكون مهمتها الاولى وضع دليل باسماء كتاب المقاومة وسيّرهم واعمالهم من اجل التواصل وتوطيد العلاقات والتوثيق لهذا الادب لربط الاجيال بتراث المقاومة و ثقافتها جيلا وراء جيل .
- يؤكد المشاركون على ضرورة احياء تراث الشهداء الادباء والكتاب والشعراء نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر غسان كنفاني , ابراهيم طوقان، فدوى طوقان، لتكون سيرهم و كتبهم وتجاربهم بين يدي طلبة الجامعات والمراكز الثقافية .
- يدعو المشاركون الى انشاء مجلة ثقافية مهمة دورية (تعنى بكتابات الشباب العربي والاسلامي المهتمين بالشان الثقافي المقاوم).
وفي الختام تمّ الأعلان على تأسيس مؤتمر الادب الفلسطيني المقاوم الدائم، وان المشاركين في هذا المؤتمر الأول هم أعضاء اللجنة التأسيسية.
وحرصاً منا على المساهمة في نشر الأدب المقاوم الفلسطيني على أكبر مساحة جماهيرية سوف ننشر تباعا كل الدارسات البحثية التي قدمت في هذا المؤتمر.
تصوير: وهب زين الدين - زينب الطحان