القارة الأغنى في العالم تنزلق شيئاً فشيئاً نحو الفقر. أحدث الأرقام تظهر أن 120 مليون شخص، أو 25 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي، يعيشون تحت خط الفقر
رغم شهرتها بأنظمة الضمان الاجتماعي، الرعاية الصحية والرفاه، القارة الأغنى في العالم تنزلق شيئاً فشيئاً نحو الفقر. أحدث الأرقام تظهر أن 120 مليون شخص، أو 25 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي، يعيشون تحت خط الفقر.
جيهان الهندي / بروكسل
منذ بداية الأزمة الإقتصادية الحالية تشهد الدول الأوروبية زيادة غير مسبوقة في معدلات الفقر بين المواطنين، بما في ذلك أولئك الذين ينتمون الى الطبقة الوسطى. موظفون انصرفوا عن التسلية والترفيه لتأمين قوتهم اليومي، شباب بلا عمل، أسر تعاني من انعدام الأمن الاجتماعي، مشردون بلا مأوى، مسنون يعيشون على هامش المجتمع وآخرون كثر مرشحون للانضمام الى القافلة. أسباب هذا الحرمان تعود بالدرجة الأولى الى الأزمة الإقتصادية والركود وسياسات التقشف إضافة الى تقلص فرص العمل، عدم كفاية الرواتب التقاعدية و الزيادة في تكاليف المعيشة.
أكثر ما يؤرق السلطات والمواطنين على حد سواء هو البطالة الجماعية التي تضرب دول الإتحاد الأوروبي السبع و العشرين. فالعشرات من الشركات تغلق ابوابها يومياً و معدل البطالة يرتفع باستمرار، وللعاطلين عن العمل يصبح من الصعب أكثر فأكثر الحصول على فرصة عمل جديدة. 26 مليون أوروبي، أو 10.7 في المئة من السكان النشطين، يبحثون عن وظيفة في الوقت الحالي (1). أكثر من ذلك, الوظيفة نفسها لم تعد ضمانة ضد العوز والحاجة حيث كثر الحديث اليوم عن العمال الفقراء.
هذه الوقائع أكدها مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات " الذي أصدر في كانون الثاني/ ديسمبر الماضي تقريراً رسمياً يوضح أن نحو ربع سكان الإتحاد الأوروبي، أي ما يناهز 120 مليون شخص، مهددون بالفقر والتهميش الإجتماعي. وفقاً للتقرير يؤثر الفقر بدرجة أكبر على فئات السكان الضعيفة كالنساء العاطلات عن العمل، الأسر ذات المعيل الواحد، المتقاعدين، الشباب والأطفال. وتركز الدراسة على ثلاثة أشكال من التهميش الإجتماعي: الأشخاص الذين يعيشون بدخل أقل من مستوى خط الفقر ( 16 في المئة من السكان)، أولئك الذين يعيشون في أسر ذات كثافة ضعيفة جداً للعمل ( 10 في المئة) وأولئك الذين يعانون من حرمان مادي حاد مثل عدم القدرة على دفع الفواتير، تدفئة المنزل أو تناول اللحوم مرة كل يومين ( 8 في المئة).
ظاهرة الفقر أصبحت خطرة جداً في بلدان جنوب أوروبا مثل إسبانيا، اليونان والبرتغال. هذه الدول وقعت في حلقة مفرغة من البطالة التي تصل أحياناً الى 40 في المئة. غالبية الأسر عاجزة عن تأمين حاجياتها المعيشية الاساسية والطبقة الوسطى آخذة في التراجع لصالح ما بات يعرف بالفقراء الجدد. هؤلاء يضطرون في كثير من الأحيان الى الإختيار بين شراء أدويتهم، إعداد وجبة ساخنة أو تدفئة منازلهم. تأزم الأوضاع الإجتماعية دفع بملايين السكان للإعتماد على المعونات الإنسانية من غذاء و ملبس ومسكن. الكثيرون منهم يأكلون الوجبات الجماعية ويحصلون على المساعدات المدرسية والألبسة والأدوية التي توزعها الجمعيات الخيرية.
الفقر لا يضرب فقط البلدان المثقلة بالديون في جنوب اوروبا بل أيضاً أكبر إقتصاديات منطقة اليورو. فألمانيا، الدولة الاوروبية الأغنى، تعاني من زيادة في معدلات الفقراء. في العام 2011, 15.8 في المئة من السكان الألمان، أو 12.8 مليون شخص، كانوا يعيشون تحت خط الفقر المحدد ب 940 يورو شهرياً (2). وبالمثل، ينتشر الفقر في بلجيكا الدولة التي تعرف بتوفير نوعية حياة من الأفضل في العالم . فنحو 2.3 مليون شخص، أو مواطن واحد من كل خمسة بلجيكيين، ممن كانوا يتمتعون بمستوى معيشي لائق يقتربون اليوم من حافة الفقر والعوز (3). فرنسا بدورها لا تشذ عن القاعدة، فقد إرتفع معدل الفقر إلى 14 في المئة بعد أن طال الحرمان الاجتماعي أكثر من 11 مليون فرنسي. وقد إزداد عدد الفقراء بمقدار مليون شخص بين عامي 2008 و 2011 ما أدى الى تعميق الفوارق الإجتماعية بين الفقراء و الاغنياء . (4)
رغم التدابير التي اتخذتها الحكومات والإستراتيجيات التي وضعها الإتحاد الأوروبي للحد من الفقر، المشكلة ما تزال قائمة دون أية حلول جذرية. نسبة الفقراء تزداد يوماً بعد يوم و الفجوة تتسع بين الطبقة الوسطى والأسر الأقل حظاً. الأرقام الأولية المتوفرة للسنة الحالية تشير الى تدهور الوضع والخبراء يتوقعون تفاقم حدة الأزمة خلال السنوات القادمة.
(1) Eurostat (المكتب الأوروبي للإحصائيات)، كانون الثاني/ يناير 2013.
(2) Destatis (المكتب الإتحادي الألماني للإحصائيات)، 2012.
(3) " الفقر في بلجيكا، دليل 2013 "، CERIS (مركز ابحاث الإندماج الإجتماعي) التابع لجامعة Gand.
(4) Insee (المعهد الوطني للاحصاءت والدراسات الإقتصادية)، كانون الأول/ ديسمبر 2012.