ارتاح أهل الطبقة السياسية من المساءلة، ولو شكلية، والمحاسبة، ولو رمزية، وحتى من العتاب الرقيق ولو ساده الود والتقدير.
طلال سلمان
وأخيراً، تمّ إسقاط «الدولة» بالضربة القاضية!
ارتاح أهل الطبقة السياسية من المساءلة، ولو شكلية، والمحاسبة، ولو رمزية، وحتى من العتاب الرقيق ولو ساده الود والتقدير.
ها هم وحدهم المرجعية وأصحاب القرار، من فوق «المؤسسات» ومن دونها، ومن فوق «الدستور» وخلافاً لنصوصه «المقدسة»، ومن فوق «القانون» الذي طالما اعتنوا في صياغته بحيث يستحيل تطبيقه على «المحصنين» من أمثالهم، بالنفوذ والثروة والحمايات عربية ودولية!
وماذا لو تمّ إسقاط الدولة؟!
لا هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يستغني فيها أهل الطبقة السياسية عن «الدولة» فيتركونها تتهاوى وتسقط بينما «النظام» صامد، ثابت، لا تؤثر فيه الزلازل والبراكين لأنه «مصلحة دولية سامية» ترعاها العواصم الكبرى و«تعطف» عليه إسرائيل لأن هندسته الطوائفية الدقيقة توفر ذريعة لدولة يهود العالم فيها... كذلك فهو يوفر «شهادة حسن سلوك» للأنظمة العربية جميعها إذ تؤكد به وعبرها ترفعها وتسامحها الديني مع «الأقليات» التي طالما كانت وستبقى مصالح من الدرجة الأولى «للعالم الحر»!
تمّ إسقاط الدولة بالضربة القاضية!
وها هم أهل الطبقة السياسية يحيون الأفراح والليالي الملاح!
أية دولة رئيسها يشكو النقص في صلاحياته التي كانت إمبراطورية، وحكومتها مستقيلة أو تحت التركيب شبه المستحيل، حتى لو كان لكل وزير «دولته» المقتطعة منها وفيها، ومجلس نيابي مشكّل من دهاة وقاصرين وأتباع، وجيش متروك لقدره في مواجهة الأصوليات، لا هو يحظى بالتغطية السياسية لكي يتصرف، ولا هو يُسحب من الشوارع والأزقة ليتدخل فيحسم بضرب «الزعران» و«الجماعات المسلحة» التي تصادر مدناً ذات تاريخ مجيد في العمل الوطني والقومي، وأجهزة أمنية تلوك الألسنة سيرة أرفع قادتها رتبة وتوجه إليها اتهامات أقلها خطورة الرشوة من جهات خارجية، وأخطرها النفخ في نار الفتنة الطائفية لمصلحة المرجعيات التي أوصلتهم إلى المناصب السامية؟!
أية دولة، ومن أين يأتي الاطمئنان والمعابر مقفلة بألغام الحرب الأهلية، والمدد الخليجي تحوّل إلى عقوبات ذات وجهة طائفية، تعزز مناخ الفتنة في الداخل؟! أما واشنطن التي كانت الملجأ فتكتفي بالنصيحة وتوزع صورة كل سيارة جيب تعزز بها قدرات الجيش، بينما تجعل من إسرائيل «الدولة الكبرى» والأقوى في المنطقة؟! أما باريس فتتحدث لغة الماضي التي لا تغادرها، ولندن تكتفي بالفرجة والتحذير...
لا سوريا حاضرة لتكون «الوصي»، ولا العراق في عافيته، بل إنه مشلول القدرة بمشاريع الفتنة الآخذة إلى التقسيم، أما مصر فتائهة عن دورها في غياهب المشروع الإخواني للسيطرة على السلطة مهما بلغت الكلفة، أما فلسطين ـ المقاومة فقد غدت من الماضي وفيه.
أية دولة والكل من أبناء الطبقة السياسية قد عملوا طويلاً وما زالوا يعملون لتخريبها وشلها باستخدامها مجرد «جهاز» أو «أجهزة» تعمل لحسابهم من أجل تحقيق مصالحهم على حساب «الرعايا»، الذين توصلوا إلى الاقتناع بأن هذه «الدولة» ليست دولتهم، فتجاوزوها، وهجروها خارجين إلى حيث يستطيعون الحياة بكرامة، ولو بذلوا عرق الجباه والزنود، وأخفوا شهاداتهم العليا وهم يعملون خدماً في المطاعم والفنادق والمتاجر.
لقد تمّ إسقاط الدولة... لكن أحداً لا يظهر حزنه على غيابها أو تغييبها القسري، فأهل الطبقة السياسية كانوا يتجاوزونها بدستورها وقوانينها والمؤسسات، وهي قائمة، و«الرعايا» تجاوزوا انتظار الخير منها وكذلك الخوف من «عدالتها»، حتى صارت «يتيمة» لا أهل لها يجتهدون لبنائها ويسلمون بها مرجعيتهم ومصدر أمنهم واطمئنانهم إلى غدهم.
أما النظام فمستمر بمن حضر... وهذا بين أسرار عظمة لبنان البلا داخل!