وغرّد الإعلامي في قناة «الجزيرة» فيصل قاسم: «رائحة النشوة تفوح من الإعلام الإسرائيلي اليوم تحديداً على ضوء تطور الأوضاع في سوريا».. فماذا يقصد من هذا التعليق؟!! وهذا الإعلام أول من أعلن تخوفه مما يجري
استفاق الإعلام اللبناني والعربي أمس على خبر سيطرة الجيش السوري على منطقة القصير، وانسحاب المسلحين منها. قد يشكك المتلقّي بصحة الخبر، في ظلّ كمّ المغالطات التي طغت على تغطية الحرب في سوريا منذ عامين. لكنّ إجماع وكالات الأنباء والصحف العالمية على نقل النبأ، جعله يصير بسرعة أقرب إلى اليقين. لكنّ المعركة وإن كانت قد حسمت على الأرض، إلا أنها بقيت محتدمة على الشاشات، بين من رأى في التقدم العسكري للجيش السوري إنجازاً، ومن راح يتهرّب من إعلان «الهزيمة».
جوي سليم/ جريدة السفير
قناة «الميادين» كانت أول من أعلن الخبر فجر الأربعاء، وأول من نقل مشاهد حية من قلب القصير، تبعها التلفزيون الرسمي السوري وقناة «المنار». القنوات اللبنانيّة نقلت مشاهد رفع العلم السوري على مقر بلدية القصير، ومشاهد الدمار المنتشر في البلدة، عن «المنار» و«الميادين». طوال النهار رافقنا مراسلا «الميادين» في القصير وريفها محمد محسن وطارق علي، ومراسل «المنار» يوسف شعيتو، في تغطية مباشرة لمشهد ما بعد المعركة الإستراتيجية. كما فتحت «الميادين» الهواء لمدير مكتبها في فلسطين ناصر اللحام، للحديث عن نقل عدد من مقاتلي «الجيش السوري الحر» إلى مستشفى صفد في فلسطين المحتلة.
القنوات العربية الداعمة للمعارضة السورية اكتفت في ساعات الصباح والظهيرة، بإدراج الخبر التالي على شريطها الإخباري: «أعلن التلفزيون السوري سيطرة الجيش السوري و«حزب الله» على القصير وانسحاب المسلحين منها، والجيش الحرّ ينفي». أما قناة «الجزيرة»، فركزت في نشراتها على سيطرة «الجيش السوري الحر» على حاجز عسكري في المعضمية مع «مشاهد حصرية» للقناة.
قناة «المستقبل» نسخت الخبر عن «الجزيرة»، لكنَّ خبر نفي الجيش الحر لـ«سقوط القصير» لم يرد في شريطها الإخباري. أعلنت «العربية» من جهتها متأخرةً سيطرة «قوات النظام وميليشيا «حزب الله» على القصير»، مركزةً في تقاريرها على قتال الحزب في القصير متناسيةً الجيش السوري تماماً.
ظلّت الصفحات الالكترونية المعارضة مصرّة على نفي خبر سيطرة الجيش السوري على القصير في ساعات الصباح. ونقل بعضها حديث مسؤول إدارة الإعلام المركزي في الجيش الحر فهد المصري لبرنامج «الحدث» على قناة «الجديد»، عن أنّ «القصير لم تسقط»، وأنّ المشاهد «التي تنقلها «الميادين» و«المنار» هي مشاهد مفبركة، وتأتي في إطار الحرب النفسية من قبل النظام السوري».
على المقلب الآخر، استضافت «المنار» المحلّل السياسي رفعت البدوي الذي ذهب حدّ القول الى أنّ سيطرة الجيش السوري على القصير، تعدّ «انتصاراً يعوّض عن نكسة العام 1967»، التي صادفت بالأمس ذكراها الـ 46. أيده في ذلك بعض الناشطين على فايسبوك، مهللين لذلك الإنجاز الذي شبهه بعضهم بانتصار المقاومة على إسرائيل في حرب تمّوز 2006. هذا ما أعاد تجديد الأسئلة حول نزعة إعلام المقاومة للمبالغة، واندفاعه السريع في بعض الأحيان. وتداولت صفحات فايسبوك صورة لشبانٍ يوزعون حلوى عربيّة في الضاحية الجنوبيّة، وبجانبهم لافتات كتب عليها «القصير سقطت»، لتعلو أصوات تنتقد استخدام عبارة «السقوط» لوصف سيطرة الجيش السوري على المنطقة.
على مواقع التواصل إذاً، امتلأت الجدران بالآراء المهللة لإنجاز الجيش السوري من جهة، والحزينة والغاضبة من جهة أخرى. على تويتر ظهر وسم بعنوان «القصير لن تسقط بإذن الله»، انتشرت بجانبه الأدعية لنصرة المجاهدين في القصير «على المجوس وأذنابهم»... كما حمّلت أغلب التعليقات المؤيدة للمجموعات المسلحة مسؤولية ما وصفته بالـ«هزيمة» إلى نقص الدعم الدولي للمعارضة، و«انشغال الحكام العرب والمسلمين عن نصرة الشعب السوري». وغرّد الإعلامي في قناة «الجزيرة» فيصل قاسم: «رائحة النشوة تفوح من الإعلام الإسرائيلي اليوم تحديداً على ضوء تطور الأوضاع في سوريا». لكنّ القناة الإسرائيلية الثانية كانت قد نقلت خشيتها «من سلسلة الإنجازات التكتيكية التي يقوم بها الجيش السوري والتي تدل على سيطرته على أكثر المناطق أهمية في سوريا». وكذلك ركّز الإعلام الغربي والإسرائيلي على «إستراتيجية المعركة ورمزيتها».
صحيفة «لو موند» الفرنسية اعتبرت أنّ السيطرة على القصير ومحيطها تشكل «نصراً لنظام الأسد بما أنّ المنطقة كانت معقلاً للثوار». وتحدّثت صحيفة «ليبراسيون» عن «موقع القصير المهم جداً في سياق الحرب السورية، لكون المدينة تصل دمشق بالساحل، وتتضمّن طرقاً عدة تؤمن إمدادات للثوار وتفتح الطريق أمام النظام للسيطرة التامة على محافظة حمص». الصحيفة اليسارية سلطت الضوء على الوضع الإنساني المتدهور في القصير، «حيث نقلت عن اليونيسيف أن بين 12 و20 ألف مدني لا يزالون في المدينة من دون خبز ولا ماء ولا كهرباء».
إلى جانب تغطية خواتيم معركة القصير التي شغلت صفحاته لأسابيع، أفرد الإعلام الغربي مساحة واسعة للحديث عن قضية استخدام النظام لغاز السارين، واللقاء الثلاثي بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا في جنيف، واحتمالات التدخل العسكري في سوريا بعد الحديث عن استخدام الأسلحة الكيمائية. كما خصصت كريستيان أمانبور فقرة للقصير في برنامجها عبر «سي أن أن»، واستضافت عبر الهاتف أحد قادة الجيش الحرّ في القصير، واسمه «أبو حسين». هذا الأخير أكّد لشاشة «سي أن أن» أنه «لا وجود لأيّ مسلحين جهاديين في القصير»، نافياً أيّ تواجد لـ«جبهة النصرة» في المكان!..