رأينا مسلكية الجنود الأمريكيين (المتحضرين) تجاه العراقيين في سجن أبو غريب، وفي صورة يدعس فيها جندي أمريكي ببسطاره على رقبة عراقي مبطوح على الأرض، أهذا ما يراد لسورية وللأمة ؟!!
حملة شعواء تُشن على حزب الله وأمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله، أطلق عليه شيخ علماء المسلمين ‘الطاغية الاكبر’ وعلى حزبه ‘حزب الشياطين’، كل ذلك بسبب مواقف الحزب وزعيمه من الصراع في سورية. نصر الله لم يمارس ديماغوجية أو تدخلا في سورية، من تحت الطاولة، أعلن هذا بكل الصراحة والوضوح المعروفين عنه.
د. فايز رشيد/ كاتب فلسطيني/ جريدة القدس العربي
السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن عند سماع هذه الاتهامات… لماذا مسموح للمسلحين من كل بقاع العالم، العربي، الأفغاني، الأوزبيكي، الآسيوي، الأفريقي، الأوروبي، وغيرها القتال ضد النظام في سورية، وممنوع على حزب الله مساندة حليفه الاستراتيجي؟ هذا السؤال يقود إلى أسئلة أخرى: هل السلفيون وجبهة النصرة وأعوانهما هم الحل، وهم المتوجب تسليمهم الحكم؟ ألم ير العالم حقد ذلك المرتزق الذي استخرج قلب وكبد جندي سوري قتيل وبدأ في لوكهما؟ أهذا ما يريدونه؟ هل ما يجري في سورية كله حرص على الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ هل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وغيرها من الدول الغربية وأعوانهم في الدول العربية حريصون على حقوق الإنسان العربي وديمقراطيته؟ ..
لقد رأينا من قبل الحرص الأمريكي- الغربي – الصهيوني على الديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق، بعد الغزو الأمريكي لأراضيه؟ رأينا مسلكية الجنود الأمريكيين (المتحضرين) تجاه العراقيين في سجن أبو غريب، وفي صورة يدعس فيها جندي أمريكي ببسطاره على رقبة عراقي مبطوح على الأرض، أهذا ما يراد لسورية أن تكون مثل العراق؟ الذي أصبح مرتعاً في معظم أنحائه ومركزاً للموساد الإسرائيلي والأجهزة الاستخبارية الغربية؟ العراق بكل بعده وعمقه الاستراتيجي العربي أرادوا مصادرة دوره في الصراع العربي- الصهيوني. العراق بالمعنى الفعلي، أصبح مقسماً إلى دويلات طائفية متحاربة، هذا ما يريدونه فعلاً لسورية، لإخراجها من مثلث المقاومة المؤلف من حزب الله وسورية وإيران ؟!..
نعم حزب الله أحرز أول انتصارين فعلييْن على العدو الصهيوني في عامي 2000 و2006 وأعطى وما يزال الأمل لكل أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج بإمكانية تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وحوّل هذه الإمكانية من صورتها النظرية إلى الأخرى الواقعية. سورية تتعرض لمؤامرة واسعة الأطراف هدفها إسقاط الضلع الأول من مثلث المقاومة، ليسهل اصطياد الضلعين الآخرين.
لا يعني ذلك أننا ضد المطالب الشعبية السورية: بالإصلاح والديمقراطية والخلاص إلى غير رجعة من مجموعة من بعض الأمراض السياسية والاجتماعية في سورية. من جهة اعترف النظام بمجموعة كبيرة من الأخطاء، وقام بتغييرها دستورياً، ومن جهة ثانية هو مع الانتخابات الحرّة والنزيهة. وافق على الجلوس مع كل قوى وألوان المعارضة في المؤتمر الدولي (جنيف 2)، لكن المعارضة ترفض الحضور، المعارضة الداخلية في سورية طرحَت مطالب وحاورت النظام ووصلت معه إلى مفاهيم مشتركة. هي ترفض التدخل الخارجي بكافة أشكاله، وهي ضد عسكرة الحراكات الشعبية السلمية، لماذا لا تحذو المعارضة الخارجية حذوها، أم أن الدول المؤمنة باستمرار الصراع في سورية لا تقبل ذلك؟..
إن إسرائيل التي قامت باعتداءات متكررة على أهداف سورية، تهدد جدياً بقصف صواريخ إس 300 الروسية الحديثة، وقد اعترف الرئيس الأسد في مقابلته مع فضائية المنار باستلام سورية للدفعة الأولى منها. المطلوب من سورية الرد في حالة عدوان إسرائيلي على أهداف فيها، وأن تتجاوز جملة ‘سنرد في الزمان والمكان المناسبين’، والرئيس الأسد في مقابلته المعنية كان صريحاً وواضحاً في هذا الأمر، من دون أي لبس. إسرائيل تهدد لبنان وتقوم بمناورات عسكرية كثيرة ومتطورة على حدوده، ووعد أحد القادة العسكريين الاسرائيليين بإرجاع أوضاعه 50 عاماً إلى الوراء. الذي يمنع العدوان الإسرائيلي على لبنان هو تهديدات السيد حسن نصرالله بقصف البنية التحتية الإسرائيلية في كل المواقع اذا ما قامت اسرائيل بالاعتداء على لبنان. الخطر الإيراني والموضوع النووي هو الأولوية الأولى على جدول أعمال الحكومة الحالية الإسرائيلية المتطرفة (والفقيه الاسلامي يتهم ايران بالتحالف مع الصهيونية العالمية!) .هذا ما أعلنه نتنياهو، أبعد ذلك يوجد من يشك بأن مؤامرة كبيرة تستهدف سورية؟..
نود توجيه أسئلة للمسلحين من جبهة النصرة والسلفيين وكل المعنيين الآخرين، إذا كان هدفكم مثلما تقولون، اسقاط النظام السوري، فلماذا تقومون بطرد العزّل من الفلسطينيين من كل المخيمات الفلسطينيية على الأرض السورية، وعن بكرة أبيهم، وتمنعونهم من العودة؟ ولماذا تستبيحون المخيمات وتعتقلون وتقتلون وتختطفون الفلسطينيين الذين كان رأيهم وما يزالون، النأي بأنفسهم عمّا يجري في سورية؟ لقد طالبوا ويطالبون بعدم الزج بهم في إطار الصراع الدائر في سورية. لقد قتلتم المئات من الفلسطينيين في المخيمات، وجرحتم الآلاف، واحتللتم وما تزالون مكاتب التنظيمات الفلسطينيية في المخيمات، ورفضتم وترفضون إخلاءها، ما الذي تريدونه؟ المعارضة السورية استضافت وفودا صحافية إسرائيلية لتغطي ما يجري على الأرض السورية! نحن لا نتهم، ولكن هؤلاء عادوا وكتبوا عن زياراتهم ، بالتالي لخدمة من يجري طرد الفلسطينيين من مخيماتهم؟..
إن ننسى فلن ننسى تلك الفتاوى في عام 2006، التي أيّدت العدوان الصهيوني على لبنان وعلى حزب الله بتبرير، لكسر شوكة الشيعة، وكسر الخطر الإيراني. أوصل الحقد بهؤلاء إلى هذا الحد؟ أن يساند إسرائيل ضد أخيه العربي المسلم؟ فعلا إنه زمن عربي رديء. تكررت نفس الفتاوى مؤخراً عندما قامت إسرائيل بقصف منشآت عسكرية سورية مؤخراً، فقد أباحت الفتاوى الابتهاج وذلك من أجل التخلص من نظام بشار الأسد، غريب والله هذا المنطق.
وبالعودة إلى تجريم حزب الله وأمينه العام بسبب الموقف من سورية، الأخيرة تشكّل للحزب القناة التي يجري مدّه بالسلاح من خلالها، ولولا أسلحة حزب الله لاستباحت إسرائيل لبنان ولقامت بتفكيك حزب الله واعتقال قادته وأعضائه، هذا أولاً. ثانياً: إن وحدة وجهات النظر السياسية تتحقق بين الأطراف الثلاثة، إيران، حزب الله وسورية، سواء بالنسبة لضرورة مجابهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية وعموم الغربية بالنسبة لما يُحاك لتسوية القضية الفلسطينية وفقاً للحل الإسرائيلي، أو بالنسبة لمشروع الشرق الأوسط الجديد، والمقولة الجديدة ‘السلام الاقتصادي’، لتسييد إسرائيل من خلال هـــذه المشاريع.
ثالثاً: إن حزب الله وسورية يدافعان عن أراض تحتلها إسرائيل، مزارع شبعا في لبنان، وهضبة الجولان العربية السورية، إن السيد حسن نصر الله كان واضحاً في إرسال قوات من الحزب لحراسة الأماكن الشيعية في سورية، وبالفعل فإن المارد الطائفي بانتظار الشرارة لانطلاقته، ليهدد وحدة العديد من الأقطار العربية وتفتيتها إلى دويلات طائفية متنازعة ومتحاربة، وجنوب السودان والعراق هما خير مثالٍ على ذلك. لكل هذه الأسباب يقوم حزب الله بمساندة حليفته، سورية.
يبقى القول، إن انزياح الصراع عن جوهره المفترض وهو الصراع العربي-الصهيوني، وتحوله إلى صراعات جانبية مفترض أنها ثانونية وغير رئيسية، يؤدي بالحتم إلى اختلاط أركان الصورة، وهذا بدوره يؤدي إلى ضبابية في الرؤية، حيث تصعب رؤية التناقضات على حقيقتها، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى مجانبة الصواب تجاه العديد من القضايا.