وفي خضم المعمعة في لبنان تطل علينا خريجة مدرسة فؤاد السنيورة المالية لتهوّل علينا بإفلاس الدولة والخزينة، وكأن ريا الحسن تريد تحميل الأكثرية الجديدة أعباء فشل السياسة المالية التي انتهجها فريقها ..
مكانك راوح، هذا هو حال الحكومة العتيدة التي ينتظرها اللبنانيون منذ أشهر عدّة، وأبواق فريق السفارة الأميركية في لبنان مستمرة بإطلاق نفيرها المضلل، فحيناً سورية هي من تعرقل تأليف الحكومة، وحيناً حزب الله هو من لا يريد للحكومة بأن تتشكل، وفي أغلب الأحيان "عقدة عون" هي التي تعطل البلد! وفي خضم المعمعة في لبنان تطل علينا خريجة مدرسة فؤاد السنيورة المالية لتهوّل علينا بإفلاس الدولة والخزينة، وكأن ريا الحسن تريد تحميل الأكثرية الجديدة أعباء فشل السياسة المالية التي انتهجها فريقها منذ سنوات في محاولة بائسة لرمي فساد فريق على آخر. لكن هذه الأبواق السياسية وما يرافقها من إعلام التضليل لم تعطنا جواباً على سؤال حيّر اللبنانيين، ألا وهو ما السر الذي دفع برئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي إلى إيقاف عملية تشكيل الحكومة بعد الزيارة المفاجئة التي قامت بها السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونللي إلى دارته، وما تبعها من بيان لسفارة بلادها أكّد أن أميركا والمجتمع الدولي سيقيّمان علاقتهما مع الحكومة اللبنانية وفق تركيبتها، خصوصاً وأن ما سمي بـ"عقدة عون" أو "عقدة الداخلية" كان قد حل قبل بضع ساعات من الزيارة المشؤومة، حتى أن اسم الوزير المقبل كان قد خرج الى العلن، وأوساط رئيس الحكومة المكلف تحدثت عن ايجابية لم نعهدها سابقاً، ومصادر حزب الله توقعت ولادة حكومية قريبة، فما هو سرّ هذا التدخل الذي أطاح بالتقدم الحاصل؟
وفجأة، بعد هذه الزيارة، عادت إلى الواجهة الإعلامية للفريق الأميركي في لبنان ما تسمى بالمحكمة الدولية، بعد أن غيّبت لفترة لا بأس بها وسلطت الأضواء الأميركية على ما يجري في سورية، كيف لا وهدف المحكمة وأعمال التخريب في سورية واحد، والمتورطون في كلا الحدثين هم الفريق نفسه، وغرفة العمليات التي تدير المحكمة هي نفسها التي تدير عملية تدمير حجر الزاوية في المنطقة؟ وبعد فشل هذه العملية بدأت غرفة العمليات المذكورة بالعودة تدريجياً إلى مخططها القديم.
وما أكثر الوطنيين الذين استهدفوا في هذا المخطط، حتى باتت المقاومة وكل من حذا حذوها هدفاً أساسياً للمحكمة الأجنبية، ومن أكثر الناس الذين دفعوا ثمن خطهم المقاوم هم الضباط الأربعة الذين سجنوا أكثر من ثلاث سنوات بلا مبرر، شوّهت سمعتهم منذ اللحظة الأولى، فحملت صورهم الموسومة بعبارة "قتلة"! وذنبهم الوحيد هو انتمائهم لهذا الخط الوطني الذي قدّم للوطن أرواحاً ودماءاً منذ عشرات السنين دون أن يطلب ولو لمرّة مقابلاً عن تضحياته.
الجرّاح .. من مهرّب للسيارات المسروقة إلى مهرّب للسلاح
العميد مصطفى حمدان، قائد لواء الحرس الجمهوري سابقاً، وأمين الهيئة القيادية في حركة المرابطون حالياً، وأحد الضباط الأربعة الذين طالهم هذا الإتهام السياسي المفبرك، يجلس اليوم في مكتبه متابعاً بدقة ما يجري في بيروت ودمشق، يعتب على الأكثرية الجديدة من تسميتها لميقاتي ويتوعّد الحريري بالمفاجآت القريبة التي ستثبت تورطه شخصياً بما يحدث في سورية.
أولى الأسهم التي يطلقها حمدان في حديثه لموقعنا تصيب النائب "المستقبلي" جمال الجراح. فبعد توصيفه وفريقه السياسي بعبارة "أدوات فيلتمان في لبنان" يؤكد لنا حمدان بأن هذه الأدوات تدخلت في سورية للتخريب. "جمال الجراح أداة صغيرة جداً في المعادلة القائمة، هو ليس أكثر من مهرّب، وقد قام بتحويل سكّة التهريب التي يملكها وشريكه جمال خدام (نجل عبد الحليم خدام)، من سكّة لتهريب السيارات المسروقة إلى سكّة لتهريب السلاح".
الحريري متورّط شخصياً في عمليّة تخريب سورية..وهذا ليس اتهاماً سياسياً
وإن كان جمال الجراح أداة صغيرة بحسب العميد حمدان، فمن ألّف الخلايا في لبنان وغيره من البلاد العربية؟ ومن تدخل في التخريب المباشر داخل سورية؟
"سعد الحريري متورّط شخصياً في تخريب سورية، وذلك من خلال عدّة خلايا في لبنان والمنطقة والعالم عملت الخماسية المؤلفة من سعد الحريري، وريبال الأسد، وبندر بن سلطان، وعبد الحليم خدام، وجيفري فيلتمان على تشكيلها وتدريبها وتأمين كامل الإمكانيات لها، وأحد هذه الخلايا التخريبية هي "خلية هامبورغ" التي شكلها هؤلاء، ومن أمّن لها الأموال والتغطية الإعلامية هما عقاب صقر من لبنان ومحمد رحال من سورية. فصقر يجول الخليج ويقبض الأموال الداعمة للمؤامرة ضد سورية، ويعمل مع رحال على نشر الأخبار الملفقة للمحطات الفضائية مع أحد الأمراء السعوديين"، يقول العميد حمدان.
وعن طبيعة عمل "خلية هامبورغ" يقول حمدان: "هي تضم طاقم التشغيل الذي يزود حاملي أجهزة الثريّا التي أدخلت إلى سورية بالمعلومات بدقة متناهية".
خليّة أخرى يتحدث عنها العميد حمدان وهي "خلية أمستردام" حيث "قام المعارض السوري كاوا رشيد، بالتعاون مع مؤسسة إعلامية لبنانية، معروفة بأنها شكلت في السفارة الأميركية وتسمح لإسرائيليين في المشاركة في مسابقتها السنوية بحجة الديمقراطية والحرية، بتشكيل هذه الخلية التخريبية التي تقوم باختراع الأفلام ونشرها على الوسائل الإعلامية لتضليل الرأي العام العالمي".
"هذا كلام موثّق وأنا لن أفعل كما فعل سعد الحريري سابقاً. لن أعتذر أو أقول إنني أخطأت، إنما سأخرج في القادم من الأيام لأثبت أن الحريري تورّط شخصياً في التخريب في سورية، وأنا لا أتهمه سياسياً فأنا أحد ضحايا الإتهام السياسي، أنا أتهمه فعلياً وسأثبت ذلك قريباً بالوثائق والأدلة"، بهذا الوعد أنهى حمدان كلامه عن التدخل اللبناني في الشأن السوري، منتقلاً للحديث عن التطوّرات الأخير الذي حدثت على صعيد المحكمة الدولية.
لو لم ننتصر في تموز 2006 لكان "على الدنيا السلام"
"بالنسبة للمحكمة الدولية سأكون واضحاً وصريحاً جداً، كان يجب تصنيف هذه المحكمة الأجنبية من الأساس ضمن مشروع الهجمة الأميركية على لبنان والمنطقة والتصرف معها على أنها مشروع معاد ويجب محاربته". ويتابع العميد حمدان: "منذ اللحظة الأولى أدركت أن هذه المحكمة الأجنبية ليست سوى أداة مسيّسة وجزء لا يتجزأ من هجوم عصبة المجرمين الأميركيين على الساحة اللبنانية، وحينها حسمت أمري في هذا الموضوع وأخذت خياري فقررت أنه في حال فاز مشروعنا السياسي سننتصر ونخرج وإن لم يفز مشروعنا السياسي فعلى الدنيا السلام. وبحمد الله فاز مشروعنا في العام 2006 بعد انتصار حزب الله في حرب تموز حيث اعتبرت نفسي منتصراً وخرجنا من السجن ومن هنا بدأ السقوط الفعلي للمحكمة الأجنبية".
"أتفهّم طريقة تعاطي الأخوان في حزب الله وحركة أمل مع المحكمة الدولية، والظروف التي رافقت ذلك، فالقوى الوطنية في لبنان لم ولن تريد خوض معركة التمذهب والتطييف ولذا تعاطت مع المحكمة من الناحية القانونية، على الرغم من درايتنا بأن لا شيئ قانونياً فيها، والأمم المتحدة التي أوجدت هذه المحكمة هي أداة في المشروع الأميركي، وبان كي مون هو موظف صغير في وزارة الخارجية الأميركية ودولته، أي كوريا الجنوبية، وهي مستعمرة أميركية".
أما بعد الكشف عن شهادات الزور والنفاق والتسجيلات التي عرضت لسعد الحريري والتي كشفت علاقته ووسام الحسن ولجنة التحقيق الدولية مع شاهد الزور محمد زهير الصديق، والحميمية في التعاطي فيما بينهم، "لم يعد مبرراً التعاطي بأي شكل من الأشكال مع هذه المحكمة التي سقطت مفاعيلها ولم تعد تنفع لخلق فتنة سنية - شيعية كما كان مخططاً لها، فالسطر النهائي اذلي كان مطلوباً هو أن مجموعة متطرفة شيعية قتلت رئيس الوزراء السني، هذا سقط، ولم يعد مهماً بظل ما يحدث في الدول العربية وإن زادوا إسماً سورية أو غيره فسيبقى القرار الإتهامي بلا قيمة فعلية"، يضيف حمدان.
حرّكوا ملف المحكمة لأنهم بحاجة إلى المال!
لكن مع سقوط مفاعيل القرار الظني وما يمكن أن يصدر عن المحكمة الدولية، فلماذا فتح هذا الملف اليوم بعد أن غاب لأشهر؟ وما قصة الأدلة الإضافية التي سلمها دانيال بالمار؟
يجيب حمدان "حركوا قصة المحكمة لأنها تمر بأزمة مالية، فالأموال نفذت وهم يريدون أن يقبضوا من فرنسا والسعودية وغيرهما، ولذلك أعادوا فتح هذا الموضوع وليس أكثر من ذلك. وقاموا بنصب فخ بإعطاء اللواء جميل السيد بعض الوثائق كان قد طلبها، فعلوا ذلك لإقناع الرأي العام بأن المحكمة ليست مسيّسة، واللواء السيد مقتنع تماماً بأنها أداة ولكنه يلحق الكذاب على باب الدار".
ويضيف متسائلاً "من يقوم بالكشف على الأموال؟ يأتون لسنة، يقبضون الأموال ويذهبون! من يسألهم ماذا فعلوا أثناء هذه الفترة؟ ألا تأخذ الحكومة اللبنانية ضرائب من الشعب لتساهم بتمويل المحكمة؟ من يراقب كيف تصرف هذه الأموال؟ وموضوع بيع الوثائق وتسريبها؟".
ويتابع حمدان "حتى تستعيد المحكمة صدقيتها يجب أن تكشف للعالم ماذا حدث مع ديتليف ميليس في موضوع شهادة الزور، فهناك 13 تقريراً صدر عن لجنة ميليس يثبتون بأن سورية والضباط الأربعة هم الذين قتلوا رفيق الحريري، وهذه الوثائق تتضمن قراراً اتهامياً كاملاً، من إقناع المخابرات السورية شاهد الزور محمد الصديق أن إياد علاوي هو المستهدف حتى لحظة الضغط على زر التفجير، أين أصبح هذا التقرير الإتهامي؟ ألم يقرأوه أمام الأمم المتحدة؟ ألم يسلّم لأمانتها العامة؟ ألا يجب أن نعلم كيف نسف هذا القرار وتراجعوا عنه؟".
ميقاتي لا يختلف عن الحريري وتسميته خطأ مميت
يعتب العميد على الأكثرية الجديدة، فمن وجهة نظره كانت تسمية نجيب ميقاتي خطأ كبيراً، لأنه "من نفس التركيبة السياسية والرؤية والطبقة الاقتصادية التي تمثّل بمفهومنا الرأسمالية المتوحشة التي كانت جزءاً لا يتجزأ من تفقير شعبنا في لبنان، لذلك لا يجوز للقوى الوطنية التي أسقطت سعد الحريري وفترة سنوات الباطل ومدير هذه السنوات فؤاد السنيورة، أن تسمي شخصاً كان ينتمي لهذه المرحلة وأسلوبه ونهجه السياسي والاقتصادي لا يختلف كثيراً عن أسلوب ونهج سعد الحريري".
بالإضافة إلى ذلك يرى حمدان ان ميقاتي "يتأثر بنفس الأمور التي يمكن أن يتأثر بها سعد الحريري وخاصة فيما يختص بمصالحه الاقتصادية، والدليل على ذلك هو عدم التزامه بالكلام الذي أعطاه للقوى الوطنية التي سمته لأنه كما الحريري يتأثر بالضغط الذي من الممكن أن يمارس عليه من القوى الغربية كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وغيرهما نظراً لوجود مصالحه الاقتصادية في الخارج واستثماره للأموال هناك، وما زيارة كونللي التي عرقلت تأليف الحكومة سوى خير دليل على ما أقول، فهل أصبح نجيب ميقاتي ثائراً من ثوار الله حتى لا يرضخ للإملاءات الأجنبية؟".
ويتابع حمدان "أنا أتفهّم الظرف الذي كانت تعيشه القوى الوطنية بعد إسقاط سعد الحريري، فكانت مضطرة أن تأخذ بعين الاعتبار الواقعين العربي والإقليمي بالإضافة إلى الواقع العالمي لتسمية نجيب ميقاتي. أما الآن فقد أصبح بقاء ميقاتي خطأ مميت لأن الظروف الإقليمية تغيرت جداً وأصبحنا في مواجهة مباشرة وخط تماس مباشر مع المشروع الأميركي - الصهيوني الذي يضع اليوم كل إمكانياته لتدمير مشروع المقاومة العربي، وبالتأكيد لن يكون ميقاتي ضمن مشروع المقاومة".
حكومة المواجهة هي الخيار الصحيح
"لا يجب أن نختبئ خلف إصبعنا، اليوم تتجه الأمور نحو المواجهة، لذلك لا يمكن أن يشكل ميقاتي حكومة لأن موقعه السياسي لا يسمح له بذلك فضلاً عن انتمائه إلى الطبقة الرأسمالية التي تمنعه من الإقدام على التأليف. ونحن كقوى وطنية جزء لا يتجزأ من المشروع المقاوم في المنطقة والذي تعتبر سورية نقطة ارتكاز فيه ولا يمكن لميقاتي أن يكون جزء منه وأنا أعني ما أقول لأني أعرفه جيداً". ويتابع حمدان: "لذلك المطلوب اليوم تشكيل حكومة مواجهة في لبنان ذات رؤية إستراتيجية سياسية واقتصادية لإدارة الحكم وتحمّل الأعباء المتراكمة منذ سنوات الباطل والتي ستلقى على عاتقها، هذه الحكومة آتية لتستلم أعباء الديون المتراكمة من سنوات الفساد والنهب لذا فمن اليوم لم تعد تنفع الأساليب القديمة لإدارة الحكم في لبنان، ومخطئ من يظن ذلك، فالأثمان التي ستدفع الآن غالية جداً لذلك يجب على القوى الوطنية أن تأتِ برؤية إستراتيجية جديدة وفعل تغييري حقيقي لإدارة الحكم في لبنان، فإذا لم تحكم بالشكل الصحيح ستحاكم من قبل الشعب".
أسقطوا هذا النظام المسخ وإياكم وتدوير الزوايا
وفي نهاية الحديث نصيحة رغب حمدان بتوجيهها إلى الأكثرية الجديدة "أي حكومة تأتي لا تحكم بأسلوب جديد وبفكر متطوّر جديد لتغيير هذا النظام الطائفي اللبناني المسخ ستحاسب من الشعب، وسنرى مجموعات منبر السفارة الأميركية يرفعون شعارات منافقة ومزورة كعادتهم لإستغلالها في هذا الوضع، وسيحاكمون القوى الوطنية تحت هذه الشعارات مع أنهم هم أساس الفساد، وهنا تكمن الخطورة، فبمرور ثلاثة أشهر على التكليف رأيناهم كيف حاولوا أن يصوّروا أن كل خراب لبنان سببه الأشهر الثلاثة الأخيرة، فأعلنوا إفلاس الدولة وادعوا انه لم يتبقَ مال لدفع معاشات الموظفين الرسميين، وكل هذا تحريف مفضوح للحقيقة، فمن أوصل البلد إلى هنا هي السياسة المالية بإدارة فؤاد السنيورة الذي فقر الناس وسرقهم، فهو وفريقه الراشين والمرتشين وهم بحد ذاتهم خزنة الدرويش، وهم يستغلون الفرصة اليوم للعب دور الثوار ضد الفساد لتصبح المجموعة الوطنية هي الفاسدة، لذلك أحذّر من لعبة تدوير الزوايا."
فاليوم مرحلة مواجهة تبدأ من رئيس الحكومة، وإن لم يكن بمقدور القوى الوطنية أن تأخذ هذا القرار التاريخي بالمواجهة، فلتترك الحكم كي لا تسقط، يختم العميد حمدان.