ركّزت الشاشات العربيّة على تصوير الحراك التركي كصراع بين العلمانية في مقابل المد الإسلامي المحافظ، أو الديموقراطية في مقابل التسلّط والدكتاتورية
توقّفت وسائل الإعلام العربية عن الاهتمام بمواهب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الغنائية والرياضية، ونسيت تصريحاته النارية حول الشأن السوري ومخيمات اللاجئين. تحوّلت الأنظار كلّها خلال الأسبوع الماضي، نحو ميدان تقسيم وسط اسطنبول.
وبدأ الخبر الآتي من هناك بسيطاً وواضحاً، قبل أن يتضخم ككرة ثلج، ويصير أكثر غموضاً وتعقيداً. بعض التلفزيونات تلقفته وبعضها الآخر تجاهلته، أثقلته كلّها بسياساتها وخلفياتها.
نور ابو فراج/ جريدة السفير
ما أن بدأت الصور تتسرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بتغريدات النشطاء الأتراك، حتى حاولت «الجزيرة» و«العربية» التقليل من شأن الحدث. تحدّثتا «عن بقاء بعض النشطاء من أجل حفنة من الأشجار»، ليأتي الردّ على مواقع التواصل الاجتماعي بصور تظهر بوضوح كثافة أعداد المتظاهرين، والإصابات في الميدان، أو كما قال النشطاء الأتراك: «ليس مجرد منتزه!». تبنّت «الجزيرة» في ما بعد ضمنياً موقف الحكومة التركية، متحدّثة عن «أعمال عنف وتخريب من قبل المتظاهرين»، أو «تراجع في أعداد المتظاهرين بعد دخول الأحزاب والنقابات اليسارية». وفي تقرير من أنقرة، قال مراسل «الجزيرة» عمر خشرم أنّ المتظاهرين «الأشقياء»، يُضربون الشرطة بالحجارة ويحطّمون السيارات، مشيراً إلى وجود «جماعات يسارية متطرّفة» أو مجموعات تبدو كما لو أنها «مدرّبة» على مواجهة الشرطة.
بدورها أبدت «سي أن أن» ـــ حالها حال البيت الأبيض ـــ قلقاً من «الاستخدام المفرط للعنف» من قبل الحكومة التركية. واستهلّت تقريرها المعنون «أردوغان: قائد أم ديكتاتور؟»، بوصف رئيس الحكومة التركية بـ«الحليف المهم للولايات المتحدة، وأحد اللاعبين الرئيسيين ضمن الجهود الرامية لحل الأزمة السورية»، لتكمل استعراض «إنجازاته الاقتصادية». لكنّها أثارت بعد ذلك قضايا تراجع الحريات الإعلامية، وحقوق المرأة، وقضايا البيئة، وقلق العلمانيين من تغير «نمط الحياة» التركية بعد وضع قيود على بيع الكحول. واهتمّت «سي أن أن» ببث تقارير عن «المرأة بالرداء الأحمر»، والتي غدت رمزاً للمتظاهرين الأتراك في مواجهة خراطيم المياه والغاز المسيّل للدموع.
في المقابل حظي «الأسبوع التركي الحافل» بتغطية مكثفة من قناة «الميادين» التي أعلنت عبر موقعها الإلكتروني بأنها القناة العربية الأولى التي سمح لها بالدخول إلى «كواليس تقسيم». بدت القناة منحازة بدرجة أكبر للمتظاهرين، تصوّرهم وهم يمارسون رياضة اليوغا أو يزرعون الأشجار، ويوزّعون الطعام المُعدّ منزلياً على المعتصمين، عبر تقارير أعدّتها ملاك خالد موفدتها إلى هناك.
من جهته، لم يخفِ التلفزيون السوري «فرحه» باشتعال الشارع التركي، ليعلنه ربيعاً تركياً. قطع بثه، لينقل صوراً مباشرة من ميدان تقسيم، وتصريحات لوزير الإعلام السوري عمران الزعبي، عن أن «قمع أردوغان التظاهرات السلمية أمر غير واقعي»، داعياً رئيس الوزراء التركي للتنحّي.
اتسمت التغطية الإعلامية العربية والعالمية الحدث التركي، بالضياع، على اختلاف المواقف السياسية. وأمعنت وسائل الإعلام العربيّة تحديداً، في «تنميط» صورة الحراك من خلال ربطه بالربيع العربي مركزةً على صور لغناء المعتصمين، وبناء المكتبات، وحتى حفل زواج في قلب ميدان تقسيم! وانشغلت معظم الفضائيات بشكلانية الحراك، مع ضعف واضح في المعلومات عن خلفياته الحقيقية. ركّزت الشاشات العربيّة على تصوير الحراك التركي كصراع بين العلمانية في مقابل المد الإسلامي المحافظ، أو الديموقراطية في مقابل التسلّط والدكتاتورية، في حين كانت مراكز الأبحاث تشرح ارتباط الحراك، بتعارض السياسات الاقتصادية التركيّة القائمة على مبدأ «صفر مشاكل»، مع سياساتها الخارجية، تجاه سوريا تحديداً.
بدت تغطية الفضائيات العربيّة لتظاهرات ميدان تقسيم، امتداداً لأسلوب تغطية مستجدات «الربيع العربي»، ما يؤكّد أنّ ما نراه على الشاشة، ليس مجرّد «أخطاء وهفوات»، بل «نهج» ثابت، في تقديم الثانوي على الأساسي، والشكل على المضمون.