على وجهه الشريف أسارير الإمامة فكان من أشرق الناس وجها."وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل .." لقد سكب الرسول (ص) في نفس وليده مُثُلَه ومكرماته ليكون صورة عنه وامتدادا لرسالته ..
في الثالث من شعبان كانت ولادة الإمام الثالث من أهل بيت النبوة (عليهم السلام) الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب. بولادته أشرقت الأرض بنور السماء وبكى الرسول (ص) وهو يحتضنه ويقبله، لأنه يعلم ما يجري على حفيده من ظلم واعتداء. في هذا اليوم دعونا نحتفل فرحاً بولادة سبط الرسول الأعظم(ص)، ونبارك لكم، ولندع الله سبحانه وتعالى أن نكون من أتباع حفيده الحجة المنتظر (عج).
وضعت سيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة بنت رسول الله (ص)، وليدها العظيم الذي لم تضع مثله سيدة من بنات حواء لا في عصر النبوة، ولا فيما بعده، أعظم بركة ولا أكثر عائدة على الإنسانية منه، فلم يكن أطيب، ولا أزكى ولا أنور منه. واستقبل سبط النبي صلى الله عليه وآله دنيا الوجود في السنة الرابعة من الهجرة، وقيل في السنة الثالثة واختلف الرواة في الشهر الذي ولد فيه فذهب الأكثر إلى أنه ولد في شعبان...".
لقد أشرقت الدنيا به، وسعدت به الإنسانية في جميع أجيالها، واعتز به المسلمون، وعمدوا إلى إحياء هذه الذكرى، افتخارا بها في كل عام، فتقيم وزارة الأوقاف في مصر احتفالا رسميا داخل المسجد الحسيني اعتزازا بهذه الذكرى العظيمة كما تقام في أكثر مناطق العالم الإسلامي. وتردد في آفاق يثرب صدى هذا النبأ المفرح فهرعت أمهات المؤمنين وسائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء، وهن يهنئنها بمولودها الجديد، ويشاركنها في أفراحها ومسراتها.
التسمية :
وسماه النبي صلى الله عليه وآله حسينا كما سمى أخاه حسنا، ويقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتى تسمي أبناءهما بهما، وإنما سماها النبي صلى الله عليه وآله بهما بوحي من السماء.
وقد صار هذا الاسم الشريف علما لتلك الذات العظيمة التي فجرت الوعي والإيمان في الأرض، واستوعب ذكرها جميع لغات العالم، وهام الناس بحبها حتى صارت عندهم شعارا مقدسا لجميع المثل العليا، وشعارا لكل تضحية تقوم على الحق والعدل.
رعاية النبي صلى الله عليه وآله للحسين عليه السلام:
وتولى النبي صلى الله عليه وآله بنفسه رعاية الحسين، واهتم به اهتماما بالغا فمزج روحه بروحه، ومزج عواطفه بعواطفه، وكان - فيما يقول المؤرخون -: يضع إبهامه في فيه، وأنه أخذه بعد ولادته فجعل لسانه في فمه ليغذيه بريق النبوة وهو يقول له: " إيها حسين، إيها حسين، أبى الله إلا ما يريد هو- يعني الإمامة -فيك وفي ولدك... ". لقد سكب الرسول صلى الله عليه وآله في نفس وليده مُثُلَه ومكرماته ليكون صورة عنه، وامتدادا لحياته، ومثلا له في نشر أهدافه وحماية مبادئه.
ملامح شخصية الإمام الحسين عليه السلام :
بدت في ملاح الإمام الحسين عليه السلام ملامح جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فكان يحاكيه في أوصافه، كما كان يحاكيه في أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين، ووصفه محمد بن الضحاك فقال: " كان جسد الحسين يشبه جسد رسول الله صلى الله عليه وآله"، وقيل: إنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وآلهما بين سرته إلى قدميه، وقال الامام علي عليه السلام : " من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن، ومن سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله ما بين عنقه إلى كعبه خلقا ولونا فلينظر إلى الحسين ابن علي... ".
لقد بدت على وجهه الشريف أسارير الإمامة فكان من أشرق الناس وجها، فكان كما يقول أبو كبير الهذلي:
وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل ووصفه بعض المترجمين له بقوله: " كان أبيض اللون، فإذا جلس في موضع فيه ظلمة يهتدى إليه لبياض حسنه ونحره "، ويقول آخر: " كان له جمال عظيم، ونور يتلألأ في جبينه وخده، يضئ حواليه في الليلة الظلماء وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله".
ووصفه بعض الشهداء من أصحابه في رجز كان نشيداً له في يوم الطف يقول:
له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منير هيبته
وكانت عليه سيماء الأنبياء، فكان في هيبته يحكي هيبة جده التي تعنو لها الجباه، ووصف عظيم هيبته بعض الجلادين من شرطة ابن زياد بقوله: " لقد شغلنا نور وجهه، وجمال هيبته عن الفكرة في قتله ".
ولم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف، ولا طعنات الرماح، فكان كالبدر في بهائه ونضارته، وفي ذلك يقول الكعبي:
ومجرح ما غيرت منه القـنا حسـنا ولا أخـلقن منه جديـدا
قد كان بدرا فاغتدى شمس الضحى مذ ألبسته يد الدمـاء برودا
ولما جئ برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بهر بنور وجهه فانطلق يقول: " ما رأيت مثل هذا حسنا ! ! ".
فانبرى إلى أنس بن مالك منكرا عليه قائلا: " أما أنه كان أشبههم برسول الله ؟ ".
وحينما عرض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذهل من جمال هيبته وطفق يقول: " ما رأيت وجها قط أحسن منه ! !" .. فقال له بعض من حضر: " إنه كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله".
لقد أجمع الرواة أنه كان يحاكي جده الرسول صلى الله عليه وآله في أوصافه وملامحه، وأنه كان يضارعه في مثله وصفاته، ولما تشرف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته امتلأت نفسه إكبارا وإجلالا له، وراح يقول: " ما رأيت أحدا قط أحسن، ولا أملا للعين من الحسين.. ". لقد بدت على ملامحه سيماء الأنبياء وبهاء المتقين، فكان يملا عيون الناظرين إليه، وتنحني الجباه خضوعا وإكبارا له.
الجانب الرباني من شخصية الإمام الحسين عليه السلام :
من الملفت للنظر في حياة الإمام الحسين عليه السلام أن هناك خصيصة بارزة في حياته علينا أن نكتشفها ونعتصم بها، ألا وهي ربانيته، وتجرده في ذات الله تعالى، وذوبانه في بوتقة التوحيد، وابتعاده عن أي غل أو شائبة مادية.
ونحن لو تعرفنا على هذه السمة في حياة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فإننا سوف لا نستطيع فقط أن نتعرف على جوانب شخصيته، بل سوف يكون بإمكاننا انتهاج نهجه، والاستنارة بسيرته، والرقي ولو بمقدار بسيط إلى تلك القمة التي كان عليه السلام قد سما إليها.
والطريق إلى تحقيق هذا الهدف واضح، فمن أراد الله تعالى فعليه أن يبدأ بأبوابه، وأبو عبد الله عليه السلام هو من أوسع هذه الأبواب، ومن أراد معرفة الحسين عليه السلام فلابد أن يبدأ بمعرفة ربه خالق السماوات والأرض.
والإمام الحسين عليه السلام لم يكن رجل حرب وبطل مواقف جهادية فحسب، وإنما كان يكمل مسيرته الجهادية بمسيرة عبادية. وفي هذا المجال يروى أنه قيل لعلي بن الحسين عليه السلام ما أقل ولد أبيك؟ فقال: "العجب كيف ولدت، كان أبي يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة".
إن هذا الرجل العظيم الذي كان يتفرغ إلى الله ويبكي ويتهجد ليلاً، هو نفسه الذي حمل السيف في يوم عاشوراء، وصرخ بذلك الدوي الذي ما زال هتافه يحرك الملايين: "هيهات منا الذلة" فالإيمان هو الذي يحدد مسار الإنسان، وهو الذي يوجب عليه أن يسلم تسليماً مطلقاً، ويكيّف مواقفه بحسب ما يأمره به الله تعالى.