25-11-2024 02:45 PM بتوقيت القدس المحتلة

فليفهم القوم .. فليفهم القوم!

فليفهم القوم .. فليفهم القوم!

نعم ، المقاومة تدافع عن نفسها في القصير، وتدافع عن فلسطين في القصير، وتدافع عما تبقى من إرادة عربية وروح إسلامية أصيلة، وعما تبقى من قيم وأخلاق وشرف، وتحرزاً من أن يأتي آكلوا الأكباد إلى بلادنا.

الجيش السوري يدخل القصير فاتحالم تكن معركة القصير مجرد حدث استثنائي في لحظة استثنائية، وإنما فاتحة مرحلة جديدة من الصراع مع العدوين الأخطرين على العالم والمنطقة أميركا وإسرائيل. وحين يصرّح القادة العسكريون الأميركيون والإسرائيليون عن خسائر استراتيجية لحقت بهم ، فمعنى ذلك أنّ المعركة لم تكن فقط مع الأدوات (التكفيريون) وإنما مع أسيادهم الذين بلغوا بحسب بعض الإحصائيات أربعين دولة كانت تتحصن في القصير. فلماذا؟.

سماحة العلامة الشيخ عفيف النابلسي /جريدة السفير

ومعنى ذلك أيضاً أنّ الحدث ينطوي على دلالات عميقة ، لم تطلها التعليقات السريعة والمواقف الانفعالية التي نتجت عن ردود فعل شخصية ومذهبية كشفت عن نفسيات أصحابها أكثر مما أضافت إلى فهم الرأي العام لحقيقة وخلفيات وأبعاد هذه المعركة الاستراتيجية.


العلامة الشيخ عفيف النابلسيوكما هو واضح أن الرأي العام العربي المتابع لما يجري في سوريا مسيطر عليه من قبل إعلام لا يسعى إلا لتأجيج الفتنة ووصم حزب الله بكل الصفات المشينة، مبتعداً بشكل كلي عن تطوير الوعي الإسلامي الوحدوي ، وعن تنمية الفهم  بما يخطط لهذه المنطقة من مشاريع تقسيمية أكثر خطورة مما حققه سايكس – بيكو من نتائج كارثية كان لها أبلغ الضرر على واقع الأمة ومستقبلها.


أما لماذا هذا العدد الكبير من الدول التي بعثت بخبرائها إلى القصير. فلأن حزب الله عقبة رئيسية أمام إنهاء القضية الفلسطينية. وهذه الدول تسعى إلى خريطة جديدة للمنطقة بلا فلسطين التاريخية. وحزب الله يقف سدّاً منيعاً في وجه هذه المخططات وفي وجه إسرائيل التي ترى أنّ تعاظم قوته الصاروخية واللوجستية بات يشكل تهديداً وجودياً لها. فاجتماع هذه الدول في القصير هو للقضاء على حزب الله، هذا أمر قاطع ويقيني . وأفضل من يحمل هذه المهمة في هذه اللحظة الموتورة تاريخياً هي الجماعات التكفيرية التي تكنّ لحزب الله عداءً مذهبياً عقائدياً يصلح أن تستخدمه هذه الدول كسلاح فتّاك ضده.


وبالتوازي مع هذه المهمة، عُهد إلى "القرضاوي" قيادة حملة مذهبية واسعة النطاق تلاقى فيها مع خصومه السابقين من مشايخ الفكر الوهابي ، لتجريد حزب الله من كونه حزباً مقاوماً ، ثم نعته بأقذر الأوصاف كحزب "اللات" وحزب "الشيطان" وحتى تأليب حركات المقاومة الفلسطينية الإسلامية عليه، وهذا ما تم تحقيقه بدرجة عالية وصولاً إلى إسباغ مشروعية دينية لقتاله!.


كان المشهد يتحضر بطريقة مخيفة، وليس من السهل أن يتخذ المرء موقفاً عكس رياح الإعلام والسياسة وما يسمى بـ "الربيع السوري" بأن يقف إلى جانب سوريا الموَحّدة المقاوِمَة في مواجهة آلة التدمير الاستعمارية والتكفيرية، وأن يقف إلى جانب المقاومة اللبنانية وحقها في حماية وجودها وقوتها ، إلا أن يكون سليم السريرة ، صحيح العقل، صادق الانتماء لوطنه وأمته ولفلسطين، التي كانت تتصاغر وتتضاءل أمام سرعة التحولات الجارية هذه.


العلامة النابلسي يردّ على القرضاويدخل القوم وعلى رأسهم "القرضاوي" بلعبة لا أفق لها سوى أنها تتقاطع مع مخططات الأعداء لتقسيم العالم العربي والقضاء على المقاومة الاسلامية في لبنان، التي لا يمكن أن يعتبرها المنصفون إلا أنها أعظم إنجاز حضاري للأمة منذ مئات السنين. وهي التي ساهمت بدفع مسيرة الإرادة العربية والإسلامية فراسخ في طريق النضج والتطور، وقزّمت من أسطورة إسرائيل وجيشها إلى مستوى غير مسبوق، وأعادت الأمل إلى الشعب الفلسطيني بأن إمكانية تحرير أرضه وعودته إليها إمكانية متاحة وواقعية بعد أن تفشّى اليأس واسعاً بعد مؤتمر مدريد العام 1991.


حتى إذا سقطت القصير بفعل دفاع المقاومة عن منجزاتها واستباقاً لأي محاولة لخنقها وقطع طرق الإمداد عنها. هبّ العالم تنديداً "بالتدخل السافر".سنتان وعشرات الدول تتدخل في سوريا لتفتيتها وإرغامها على شروطٍ مذلة. دخل السلاح إلى سوريا من كل الجهات.وجيء بالرجال من كل حدبٍ وصوب، ولم نسمع إلى حينه الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ينددان بالضرر الجسيم الذي يلحق ببلدٍ عربي وشعب شقيق.


من عجائب الدهر أنّ أميركا التي احتلت أفغانستان والعراق لم تحظ بمواقف التنديدات التي حظي عليها حزب الله. كما لم تلقَ مجازرصبرا وشاتيلا وكل ما يحصل يومياً في فلسطين المحتلة على يد الجيش الإسرائيلي من قتل وتهويد وانتهاكات ردود أفعال كالتي لاقاها تدخل حزب الله في القصير. كأنّ الذي حدث هو أكبر من اغتصاب فلسطين نفسها. حتى أنّ مفتي السعودية دعا الحكومات الإسلامية ورجال الدين في سائر الدول الإسلامية إلى التحرك رداً على مشاركة حزب الله اللبناني إلى جانب القوات النظامية السورية في المعارك في القصير، وهي دعوة غريبة عجيبة لم نسمعها تُرفع في وجه إسرائيل يوماً من الأيام.


العلامة النابلسي مع سماحة السيد حسن نصرالله قائد المقاومة الإسلامية(فيا عجباً والله يميت القلب من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم) هذا ما قاله أمير المؤمنين علي عليه السلام في خطبة الجهاد والتي تعبّر عن حقيقة اجتماع الأعداء على فلسطين وتفرّق المسلمين عن نصرتها ومساندتها واستعادتها.
ولقد أحسنت الدكتورة بثينة شعبان منذ أيام حينما ذكرتنا بمقولة للرئيس الراحل حافظ الأسد في مؤتمر القمة العربية في بغداد عام 1979 قال فيها: "إذا لم نحارب مع بعضنا البعض ضد إسرائيل ، فإنّ إسرائيل سوف تجعلنا نحارب بعضنا بعضاً". وهذا ما يحصل اليوم بكل أسف .


نعم ، المقاومة تدافع عن نفسها في القصير، وتدافع عن فلسطين في القصير، وتدافع عما تبقى من إرادة عربية وروح إسلامية أصيلة، وعما تبقى من قيم وأخلاق وشرف، وتحرزاً من أن يأتي آكلوا الأكباد إلى بلادنا. المقاومة لجأت إلى هذا الخيار لأنّ رقبتها ورقبة لبنان والعيش المشترك كانت ستوضع تحت حدّ السيف الأميركي والإسرائيلي والتكفيري ودول أخرى عمدت إلى معركةٍ التفافية مستخدمة فيها أبشع الأساليب المذهبية وحبلاً ممدوداً من الاكاذيب. ولنتذكر جميعاً ما حصل خلال عدوان 2006 لنقف على العبرة مما يحصل ضد المقاومة في هذه الأيام.


المقاومة في القصير لأننا نريد أن نسترجع فلسطين حتى لو لم يرغب بعض الفلسطينيين باسترجاع أرضهم.ولأننا نريد لسوريا أن تبقى موحدة حتى ولو كانت رغبة بعض السوريين هي في تقسيم سوريا والعودة إلى علم الانتداب أو أعلام لا ندري كم سيكون عددها طالما أنّ البعض يكفيه زاروب لإقامة إمارته عليه.


إنّ العدو لا يخجل بأن تكون كل أراضينا أرضاً مباحة له. فلماذا يخجل أبناء الأمة في الدفاع عنها في أي بقعة من البقاع. الأمة واحدة وحق المقاومة أن تدافع عن هذه الأمة على أي أرض منها. فليفهم القوم.. فليفهم القوم!.


رابط المقالة في جريدة السفير:

:http://www.assafir.com/Article.aspx?ArticleId=816&EditionId=2482&ChannelId=59803