استقبل العالم فوز المرشح الوسطي حسن روحاني بكثير من الارتياح، وتوالت ردود الأفعال الدولية العاكسة له.
مصطفى اللباد - طهران - صحيفة السفير
استقبل العالم فوز المرشح الوسطي حسن روحاني بكثير من الارتياح، وتوالت ردود الأفعال الدولية العاكسة له.
فقد مثل انتخابه من الجولة الأولى مفاجأة كبيرة، ومردها ليس فوزه بحد ذاته، فقد كان ضمن مقدمة السباق طيلة الفترة الانتخابية وتصدره حتى مع انسحاب المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف لمصلحته، وإنما لفوزه من الجولة الأولى ومن دون جولة إعادة بدت مرجحة بشدة.
وتدل نتيجة الانتخابات الإيرانية على حقيقة أن التوقعات والتقديرات الغربية والدولية لم تكن يوماً صائبة أو قريبة من الدقة في الحالة الإيرانية، والدليل على ذلك ترويج مراكز أبحاث ووسائل إعلام أميركية كبرى قبل بدء السباق الانتخابي، لفكرة مفادها أن المرشح الراديكالي سعيد جليلي هو ممثل المرشد، وأن النظام سيهندس العملية الانتخابية للوصول إلى فوزه، وهو ما لم يحدث.
ثم عادت بعض وسائل الإعلام الغربية والآراء إلى تقدير أن فوز روحاني يمثل «انقلاباً» على جمهورية إيران الإسلامية وأسسها. ويتغاضى هذا التقدير عن حقيقة الأمر أن نتيجة هذه الانتخابات تظهر تعددية المجتمع الإيراني. فالأصوات المحسوبة على المحافظين تبلغ النصف أيضاً.
ويتجاهل ذلك التقدير أيضاً أن روحاني هو ممثل المرشد السيد علي خامنئي في مجلس الأمن القومي الإيراني، وهو في الوقت ذاته عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس مركز الدراسات الإستراتيجية التابع له.
كما لا تخفى دلالة أن روحاني أجيز من قبل «مجلس صيانة الدستور» للترشح في حين منع آخرون، ما يؤكد عدم دقة التقدير مرة أخرى.
وإذ أظهرت الانتخابات الرئاسية أن هناك حراكاً سياسياً حقيقياً يجري في إيران، وما نتيجة هذه الانتخابات إلا أحد مظاهر هذا الحراك، إلا أنها ليست مسببة له على أية حال.
أسباب الفوز
فاز روحاني في الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة، من الجولة الأولى أمام خمسة مرشحين آخرين يملك كل منهم ارتباطاً مؤسساتياً وحضوراً سياسياً في جمهورية إيران الإسلامية. ولعبت ستة عوامل دورها في الوصول إلى هذه النتيجة، بحيث تداخلت في ما بينها لتساهم في صنع «المفاجأة».
يتمثل أول هذه الأسباب في التموضع الانتخابي المؤاتي، الذي ظهر عليه روحاني بعد انسحاب المرشح الإصلاحي محمد رضا عارف لمصلحته. إذ أصبح روحاني ممثلاً لكتلة فضفاضة مكونة من الإصلاحيين والوسطيين، في مقابل خمسة مرشحين ينتمون بشكل أو آخر إلى الكتلة المحافظة بتنويعاتها المختلفة.
وساهم الدعم المعلن من طرف الرئيسين السابقين محمد خاتمي وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، الممنوع من خوض السباق، إلى خلق حالة استقطابية على محور وسطي - إصلاحي في مقابل محور محافظ.
يظهر ثاني الأسباب في احتدام التنافس الانتخابي بين المرشحين الخمسة، وبالأخص بين المرشحين الأصغر سناً، أي محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي، ما ساهم إلى حد كبير في تفتيت كتلة الأصوات المحافظة.
أما ثالث الأسباب، فكان تمديد ساعات الاقتراع مرات عدة بغرض رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، والتي اعتبرها النظام الإسلامي استفتاءً على شعبيته.
كان التمديد فرصة لمؤيدي الإصلاح الممتنعين تقليدياً عن المشاركة، لينخرطوا بقوة في التصويت لروحاني. ومن الملاحظات المتكررة في الانتخابات الإيرانية، أنه كلما زادت نسبة المشاركة، زادت فرص الإصلاحيين، الذين لا يملكون ربما ثقلاً مؤسساتياً، ولكنهم يحتفظون في المقابل بحضور شعبي واسع.
ويبلغ هذا التقدير ذروة قدرته التفسيرية بملاحظة أن التيار الإصلاحي في إيران لم يخسر منذ العام 1997 أي حسم انتخابي تتوافر فيه شروط الحيادية والشفافية، وفوز روحاني ليس استثناءً من هذه القاعدة.
صحيح أن روحاني وسطي وليس إصلاحياً، ولكن منذ انسحاب عارف لمصلحته قبل أيام قليلة من بدء السباق، فقد كان التقدير لفرص روحاني يتلخص في أنه يضمن لنفسه مكاناً في جولة الإعادة أو يتقدم السباق كما فعل، بعدما ارتدى العباءتين الوسطية والإصلاحية.
يدور العامل الرابع حول الملف الاقتصادي، حيث ساهم الأداء الاقتصادي المتردي لحكومة الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، في تعميم انطباع لدى إيرانيين كثر بأن كامل التيار الذي يمثله نجاد غير قادر على حل الأزمة الاقتصادية. بمعنى آخر، مثلت فترة الولاية الأخيرة لنجاد خصماً من رصيد المرشحين المحسوبين على المحافظين، وبالأخص سعيد جليلي، وإضافة إلى رصيد روحاني.
وفي النهاية كان العامل الخامس متلخصاً في الشعارات الموفقة لحملة روحاني الانتخابية، وشعارها «التعقل والأمل»، والتي أفلحت في مخاطبة أوسع الشرائح الإيرانية.
أما العامل السادس فتمثل في عدم قدرة أي من قاليباف وجليلي في مخاطبة الشرائح العمرية الأصغر سناً، وبالتالي خلق استقطاب انتخابي على قاعدة التنافس بين الأجيال، يستقطب أصوات الشباب التي تمثله كتلة معتبرة من أصوات الإيرانيين وتتراوح بين 35 و45 في المئة من الكتلة الناخبة.
روحاني والسياسة الخارجية
من يعتقد أن الرئيس الإيراني لا يمكنه فعل شيء، وأن كل شيء بيد المرشد، عليه أن يقارن بين فترتي رئاسة محمد خاتمي، وفترتي رئاسة نجاد ليتعرف عندها على الفارق، سياسياً واقتصادياً وثقافياً ومجتمعياً.
صحيح أن موقع الرئيس في إيران لا يمكنه من امتلاك الكلمة العليا، على غرار الجمهوريات الرئاسية، إلا أن بصمته تظل واضحة على السياسة والاقتصاد.
وكان روحاني وعد في حملته الانتخابية بتغيير في أسلوب إدارة الملفات الخارجية، وهو وعدٌ يجب أن يؤخذ على محمل الجد.
سيجري روحاني تغييرات تضمن مصالح إيران، وفي الوقت نفسه تجعلها أقل تصادمية وبما يخفف من الضغوط الإقليمية والدولية عليها.
ويلاحظ المتابع وجود متتالية سببية بين إيران والغرب، مفادها أن تخفيف التوتر بين الجانبين، سيؤدي مباشرة إلى التخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية.
تحتاج إيران إلى رفع العقوبات النفطية عنها، باعتبار أن النفط يشكل وحده نصف الموازنة الإيرانية، مثلما تتطلع إلى تدفق استثمارات خارجية في قطاعها النفطي، بغرض تحسين فرص النمو الاقتصادي، وتوفير فرص التوظيف للشباب الإيراني.
وفي هذا السياق، يبدو واضحاً أن الحوار مع الغرب والولايات المتحدة تحديداً، له فائدة من المنظور الإيراني، سيحاول روحاني المحنك اقتناصها.
ولكن حواراً كهذا ليس سهلاً على أية حال، كونه يفتح الباب أمام أخطار تقديم «تنازلات» في الملف النووي، سيعمل روحاني بمهاراته التفاوضية التي أثبتها خلال ترؤسه لمجلس الأمن القومي الإيراني في الفترة بين العامين 2003 و2005 على تجنبها.
بمعنى آخر، سيحاول روحاني القـيام بتعديل في أسلوب الأداء الخارجي، يعدل من اللهجة والخطاب، لكنه لا يحيـــد عن أهـــداف إيران الوطنــــية منه.
وإذ أعلن روحاني أيضاً رغبته في الانفتاح على قوى إقليمية لتخفيف التوتر الإقليمي، فسيعني ذلك وجهاً إيرانــــياً مقبـــولاً أكثر في الغرب والمنطقة، ولا يغيب هنا الترحيــب الســـعودي والخلـــيجي بفــــوزه الانتخــابي.
يملك روحاني وجهاً يبتسم ويحاور، ولكنه لا يتنازل مع ذلك عن الأهداف. وتبدو إسرائيل خاسرة من فوز روحاني، لجهة قدرته على تغيير صورة إيران في المجتمع الدولي، تلك التي رسمها نجاد، والتي تناسب إسرائيل تماماً.
تقود إيران محوراً إقليمياً له امتداداته في المنطقة، ويقول التحليل الموضوعي لسلوك روحاني الإقليمي المفترض، أنه ليس في وارد التخلي عن تحالفاته، لأنها تمثل خط الدفاع الأول عن طهران، وإن كان سيحاول تخفيف الاحتقان الإقليمي.
الشواهد على ذلك ليست بعيدة، ففي فترة رفسنجاني رممت إيران علاقتها العربية عموماً والخليجية خصوصاً، وفي عصر خاتمي المنفتح على جواره الخليجي والعربي تقدمت علاقات إيران العربية بوضوح، في الوقت الذي تعزز فيه محورها في المنطقة باطراد. وهو ما استمر في فترة خاتمي المبتسم الداعي إلى حوار الحضارات؛ وهي الفترة التي قطعت إيران فيها خطوات كبيرة على مضمار امتلاك المعارف التقنية.
أربعون يوماً ونيف تفصل الرئيس الإيراني المنتخب عن تولي مهامه رسمياً، قبل أن يقسم على القرآن والدستور لينصب رسمياً رئيساً لجمهورية إيران الإسلامية في مطلع شهر آب المقبل.
وحتى ذلك الحين، ستستمر التكهنات عن إيران الجديدة - القديمة، وسيتواصل بازار التكهنات حول سياستها الخارجية المرتقبة، وستكون «السفير» مواكبة للتطورات في هذا الملف أولاً بأول.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه